مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

“الزومبي” والاقتصاد

44

بقلم – د إســلام جـمال الـدين شـــوقي
خـبـير اقـتصــــــادي
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي

من منا لم يشاهد في التلفاز أو في السينما العديد من الأفلام التي تتناول كائنات الزومبي وتنقل العدوى لمن حولها حيث يأتي المصطلح من الفولكلور الهايتيّ حيث إن الزومبي Zombie هو جسد ميت يتم إحياؤه بطرق مختلفة، ولكنّها غالبًا ما تستدعي أساليب الخيال العلميّ مثل التعرض للجراثيم والطفيليات والإشعاع والأمراض العقلية والتجارب العلمية إلخ…

يمكن تفسير الزومبي بأن هناك جثة تم حقنها أو تعرضها لفيروس أو جرثومة فانتقلت العدوى إلى الأعضاء الأخرى من الجسم إلى أن استقرت في المخ وحيث أن المخ هو المسؤول عن حركة الاعضاء الأخرى فإنه سيؤدي إلى تحريك الجثة مرة أخرى أشبه بالشخص الذي عاد للحياة مرة أخرى لكن يكون في هذه المرة مصاب بالعدوى ولديه الرغبة في افتراس من حوله بدون معرفة الأسباب الدافعة لذلك ولنضرب مثال على ذلك بداء الكلب.

وقد يبدو الأمر غريبًا أن نسمع عن اصطلح كالزومبي Zombie في الاقتصاد فما هو هذا المصطلح وما هي علاقته بالاقتصاد؟ والإجابة في أن أول من صاغه هو إدوارد كاين من كلية بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الثمانينات من القرن الماضي حيث قام بوصف البنوك التي سُمح لها بالبقاء في العمل والاستمرار في أنشطتها على الرغم من تعثرها وتعرضها للتصفية بسبب خسائر الرهن العقاري، ولتجنب حدوث الزومبي في البنوك يجب التعرف بسرعة على أسباب الخسائر والقيام بإدخال رأس مال جديد.

أما مصطلح الزومبي في الشركات فإنه يشير إلى تلك الشركات التي انتعشت في سنوات سابقة، بسبب أسعار الفائدة المنخفضة، بينما اليوم تواجه مخاطر متصاعدة نتيجة أنها لا تربح ما يكفي لسداد تكاليف الاقتراض وينعكس ذلك في القوائم المالية حيث تقوم بدفع الفوائد فقط دون سداد أصل القرض، مما يجعلها غير قادرة على الاستمرار ولا حتى الانهيار، إنها الشركات الميتة الحية، وسواءً كان كائن الزومبي بنك أم شركة، فإن المبدأ الأساسي هو واحد؛ حيث يُسمح لها بمواصلة الاستمرار أو البقاء على أمل أن تعود إلى الحياة يومًا ما فهي ليست ناجحة وليست مفلسة.

قد يهمك ايضاً:

على هامش مشاركتها في الدورة ال١٥ لحوار بتسبيرج للمناخ…

وزير الدولة للإنتاج الحربي ” يتابع موقف موازنة شركات…

ولقد استخدم أستاذ الاقتصاد بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ريكاردو كاباريللو مصطلح الزومبي الذي استعاد شعبيته في الإعلام مرة أخرى بالولايات المتحدة الأمريكية خلال الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 في تحليله للعقد الضائع في اليابان، الذي تزامن مع تسعينيات القرن الماضي فيما يعرف بفقاعة الأسعار حيث ساهمت المساعدات الحكومية والقروض التي تم منحها من البنوك في مساعدة الشركات للبقاء على قيد الحياة ولكنها في واقع الأمر زومبي؛ حيث تسببت السياسات النقدية المتساهلة على مدار السنوات السابقة إلى نمو العديد من الشركات الصغيرة الزومبي التي تتسبب في الحد من الإنتاجية والنمو.

أثر الشركات الزومبي على الاقتصاد

تكمن المشكلة الحقيقية للشركات الزومبي في أنها تظل عالقة في دائرة مغلقة من الركود للإنتاجية والنمو، بل الأكثر من ذلك أنها تعمل على امتصاص رأس المال الذي كان من الممكن أن يتم توجيهه إلى شركات أكثر فاعلية ونشاطًا للاستثمار في مجالات أنشطة جديدة أو جيدة، كما تكمن خطورة الزومبي في أنها ليست مقتصرة على تقليص الاستثمارات فقط بل أيضًا الانهيار المفاجئ للشركات الذي يتسبب في فقدان الكثير من الوظائف وتخفيض الاستهلاك مما يستوجب فرض سياسات متشددة للإقراض مما قد يؤدي إلى التأثير على شركات أخرى ودفعها نحو الانهيار أو دخولها في مرحلة الزومبي بسبب ارتفاع تكاليف خدمة الديون حيث ارتفعت أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم.

ولقد عكست الاضطرابات التي حدثت في السوق العالمية بسبب انهيار بنك سيليكون فالي في مارس الماضي، وأيضًا بنك سيجنتشر المخاوف من أن النظام الجديد لأسعار الفائدة المرتفعة قد أضعف المقترضين من الشركات، إلى جانب أجزاء حيوية من القطاع المصرفي مما يوصلنا إلى حقيقة مفادها أنه قد يكون هناك بنوك زومبي، وإذا تم افتراض أن السوق خضع لتغييرات سنجد أن الشركات الزومبي هي أول شيء مهدد بالانهيار نظرًا لكونها لن تكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها أمام الدائنين عند ارتفاع أسعار الفائدة على الرغم من أن معظم شركات الزومبي تكون صغيرة، فإن سنوات من السياسات النقدية المتساهلة أدت إلى نموها في الآونة الأخيرة.

وهناك مشكلة تواجه الدول في التخلص من الشركات الزومبي منها الإبقاء على الوظائف من خلال الدعم الحكومي لها، وإذا تم الاستمرار لهذه الشركات من خلال الاعتماد على دعمها على أمل الحفاظ على الوظائف بها فإن هذه الممارسات الخاطئة ستعيق من نمو الشركات الأخرى الناجحة كما سيعيق أيضًا خلق وظائف جديدة، ناهيك عن ذلك هو تقديم الدعم من قبل المؤسسات المالية والبنوك والموردين، والذين يساعدون في الإبقاء على تلك الشركات حمايةً لمصالحهم وارتباطاتهم التشغيلية والتمويلية، وسنجد على الجانب الآخر أن الشركات الناجحة هي التي لا تعتمد على الائتمان الخارجي إلا في أضيق الحدود، كما أنها تستطيع سداد ديونها وتكون قادرة أن تتعامل مع الركود المحتمل بشكل أفضل احترافية.

التعليقات مغلقة.