مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

” الرحيل للأصلح ” قصة قصيرة

بقلم – عبد السادة جبار:

قد يهمك ايضاً:

عند وعدي

أوتار المساء

_ نعم..ربما ..فعلا ..لا اعتقد..لن اسمح طبعا ..
كيف يحصل هذا..؟ لا..لن افشل ..وسترون باعينكم..
ثم يلوح بيده في الفضاء كانه يتشاجر..
يعتصرني الألم وانا اشاهده يفعل هذا كلما اختلى بنفسه ..تحاصرني دمعة حرى تبقي حبيسة الجفنين ..احاول ان اذوبها..الا انها تكبر .. ثم تنسفح بقوة ..كانها تنتحر لتعبد الطريق لدموع اخرى..
لا اريده يعرف ذلك .
احاول ان اشعره بوجودي كي يمسك نفسه ويوقف هذا النزيف من اوهام التحاور مع اشخاص وهميين ..او عرفهم في مراحل من حياته ..وغابوا..
لقد استنزف دماغه في بحوث معالجة الارض ..اُهمِلت .
_مالذي يحصل اليوم للارض يا ولدي
_يبقرون بطنها ليشربوا من دمها..
منذ اصغيت له كان يردد :
” الارض هي الام ..تعطي كل شي ..ان نفدت ثروه ما ..تولد منها اخرى ”
كان يوصينا..
” على مهلكم حين تمشون على الارض ..رفقا باجنتها ”
قال له عمي ذات مرة :
_هل انت جيولوجي..ام شاعر ؟
_لو يعرف الشعراء ما تمنحه الارض من جمال لما شبهوا الحبيبات بالقمر او النجوم .
خيل الي ان النتف البيضاء التي يحملها فوق راسه هي جزء من دماغه ..رسمت لراسه في عقلي صورة سريالية..تخيلت فيها ان خلايا دماغه تنمو فوق راسه .. لكنه دماغ يعيش في بيئة تعود القهقهري الى الأمية..
انا ايضا اميٌّ في نظرهِ ..خالفته فيما اراد مني ..لانني اردت ان اكون واقعيا ..نأيت بعقلي عن ان يتفاعل مع الحقيقة ..وتعاملت مع الواقع ..لكي استمر ..و لا اكرر تجربته القاسية..لكن مايؤلمني شعوره بالعجز عن اقناعي.
لو كان الامر مجرد راي لوافقته..لكنه كان يريد ان يزجني بنفس معاركه التي انهكته..واضاعت جهوده سدى ..اه لو شد الرحيل بعيدا عن هؤلاء ..لوافقته ..وتعقبت اثره ..وحققت مايريد ..كان يرفض حتى مغادرة هذه الدار التي بدت كانها اثر قديم متهالك ..
– كيف قبلت ان تهمل اختصاصك وتتوظف في هذه الوزارة ياولدي؟
– الراتب افضل ..اخوتي بحاجة لهذا الراتب ياوالدي
-الم نشق طريقنا وتنهي دراستك بامتياز في زمن الحصار ؟
– وهل ينبغي لنا ان نستمر في حصارات اخرى ..
-المال ياتي..والعيشة تتدبر..لكن زمنا دون خبرة لا يعوض ..انت الان كاي ملف مهمل .
— لا وجود لاعمال تمنحنا الخبرة ..اصبح الزمن صفرا ..كل يوم يشبه الاخر ياوالدي لا يضاف شيئ ..انا فقط اضيف كل شهر مبلغا الى مدخراتنا .
_اردت ان ادخرك لعمل يليق بنا .. ان تكون افضل مني ..
قالها وهو يغمض عينيه ويمدد جسده فوق سريره الخشبي كأنه يسجيه ليرتاح..قلت لاوقظ فيه الهمة ..
_ انت الافضل ..هذا يكفي
_ هناك من هم افضل مني ..لكنهم غادروا..رحلوا..اردت ان اعوض فيك رحيلي..بقائي لا معنى له..علي الرحيل ..
ورحل كما اراد..رحل بهدوء.
حتى رحيله كان وصية..استعدت من ذاكرتي كل ما قاله لي عن الارض ..الا اني شعرت باني اقف على ارض مغتصبة..او مجبرة على العقم ..لقد داست عليها السرفات..والجزمات..والاقدام النتنة ..وازدادت عمليات بقر بطنها .
نظرت الى اخويَّ..كأنني انظر الى ضحيتين..
لقد رحل الوالدان ..وبقينا نحن
كان الدكتور جعفر يشدني الى هذا المناخ ويحجب عني فكرة الرحيل ..لكن رحيله شجعني ..
رحيله دفعني الى ان انفض عن جسدي هذا الغبار المتراكم وانا قابع في مكتب ليس للكتابة فقط..مكان يشبه الكهف..وانا اسطر جداول على ورق سيرمى في نفايات ..وسارمى انا بعد سنين ايضا ..ان لم ارحل ..
لم اخالف راي والدي الجيولوجي الفذ ..الرحيل للافضل
لن نغادر الارض..او نرحل عنها بل سنمشي فوقها ..نرحل الى مناخ آخر فوق ذات الارض ..مناخ غير مغتصب

اترك رد