الدكتور صلاح عدس يكتب عن أزمة الفكر الغربي أمس واليوم
أزمة الفكر الغربي أمس واليوم
دكتور/ صلاح عدس
إن أزمة الفكر الغربي هى تعبير عن أزمة الحضارة الغربية أو أزمة المجتمعات الغربية ، أي أن هناك في الغرب فكر الأزمة وليس أزمة فكر .. هناك في الغرب فكر أزمة الحضارة الغربية التى تنهار بسبب العلمانية أو فكر المجتمع الغربي الذي يتحلل ويتفكك بسب العلمانية ، وفي ذلك يقول “بريجنسكي” مستشار الأمن القومي بامريكا في كتابه الإنفلات : ” إن ما نعانيه هو أزمة في سلوك الانسان الغربي وفي الافكار التى تشكل هذا السلوك ، إذا أنه نتيجة للنسبية في الاخلاق ونتيجة للإباحية لم نعد نعرف من هو الانسان الصالح وما هو العمل الصالح وما هو المجتمع الصالح ؟ ” ، وهكذا شهد شاهد من أهلها .
وسنحاول هنا الاجابة عن هذه الاسئلة الأربعة : أولا: ماهى جذور هذه الأزمة ؟ وهى جذور تاريخية وجذور فكرية ، وثانيا: ماهى مظاهر هذه الأزمة ؟ وهى مظاهر في الواقع الاجتماعى وفي الواقع التاريخي وفي الانتاج الفكري السياسي والفلسفى والأدبي ، أما السؤال الثالث: فهو ماهى انعكاسات هذه الازمة علينا في العراق وفي العالم العربي والاسلامي ، وأما السؤال الرابع من الذي سينتصر في هذا القرن الواحد والعشرين نحن ام أمريكا والغرب ؟ .. ونبدأ فنقول إن انهيار الحضارة الغربية والمجتماعات الغربية يؤكده المفكرون الغربيون أنفسهم منذ كتب “شبنجلر” كتابه “سقوط الغرب” حتى قال “سارتر” في كتابه “ما الادب ” : “إن اوربا هى الرجل المريض” ، ومنذ كتب أكبر شعراء امريكا “ت . س إليوت” قصيدته “الارض الخراب” وفيها يقول : ” اننا نحترق .. نحترق .. فيينا .. لندن مدن زائفة / ان جسر لندن ينهار .. ينهار ” فهنا يرمز لانهيار اوربا التى اصبحت هى الارض الخراب ، وكتب “ت.س إليوت” قصيدته “الرجال المجوفون” رمزا لأهل اوربا والغرب عموما وفيها يصفهم بقوله : ” رجال مجوفون .. خوذة مملؤة بالقش / شكلا بلا ملامح / مجرد اصوات كصوت زجاج يتكسر تحت أقدام الفئران
والآن نحاول الاجابة عن السؤال الأول : ماهى جذور ازمة الفكر الغربي أو أزمة الحضارة الغربية والمجتماعات الغربية الآن ؟ .. هناك جذور تاريخية وجذور فكرية ، أما الجذور التاريخية فيحدثنا عنها المؤرخ “نورمان كانتور” في كتابه “تاريخ العصور الوسطى” قائلا ان العلاقة بين الملكية والكنيسة قد ظهرت في اوربا في العصور الوسطى وبالتحديد في القرن الرابع حين اعتتنق “قنسطنتين” ومن جاء بعده من أباطرة الرومان للمسيحية فجعلوا المسيحية رومانية اي غربية الطابع بمعنى انهم جعلوا فيها الحرب والعنف وهكذا تميزت بما يتميز به الغرب من كراهية للأخر وعدم قبوله وعدم التسامح معه إلى حد ابادته وهذا ما جعلهم يشنون على الاسلام والمسلمين حروبهم الصلبية قديما وحديثا واستبد الملوك بالحكم الثيوقراطى وفرضوا الملكية المطلقة المقدسة وشاركهم في ذلك رجال الدين الذين باعو للناس صكوك الغفران لضمان الجنة وشاركوا الاقطاعيين وحاربوا العلم والعلماء باسم الدين حتى قامت في النهاية الثورة ضد هؤلاء جميعا أي الملوك ولاقطاع ورجال الدين وذلك في ثورة انجلترا بزعامة “كرومويل” والثورة الفرنسية ضد لويس السادس عشر عام 1789 ، وأعلنت فرنسا انذاك انها دولة علمانية بمعنى الفصل بين الدين والسياسة والفصل بين الدين والحياة وكانت هذه بداية سقوط الحظارة الغربية التى تجلت في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الأولى والثانية وظهور الدكتاتوريات العلمانية اي الالحادية واللاخلاقية على يد ستالين وهتلر وموسولينى .. وغيرهم من حكام العالم المستبدين وما اثاروه في العالم من حروب بسبب القومية أو العنصرية أو الايدولوجية وراح الملايين ضحيتها كما يقول بريجنسكي في كتابه “الانفلات” : إن القرن العشرين قرن الاباحية والمجازر المليونية اذ راح ضحية الحروب والاضطهادات فيه أكثر من 170 مليونا وهى تكلفة بشرية أكبر من كل ضحايا الحروب في تاريخ العالم كله ” .. كانت هذه هى الجذور التاريخية للعلمانية أما الجذور الفكرية لها فهي السوفسطائية عند الاغريق والمادية في القرن التاسع عشر .. وقد ظهرت السوفسطائية في القرن الخامس قبل الميلاد وتزعمها “بروتاحوراس” الذي هدم المعرفة بشكه المذهبي وذلك لهدم الدين والمجتمع ونادي بالنسبية في كل شئ وان الانسان هو مقياس الحق والباطل ومقياس الخير والشر ، وهكذا يتبين ان الحضارة الغربية والفكر الغربي بترديده لفكرة النسبية انما هو وليد او وريث السفسطائية .. اما الفلسفة المادية عند هيوم وفيورباخ فهى نتيجة للتحولات الاجتماعية وظهور الطبقة البرجوازية والانقلاب الصناعي “1870 – 1902 ” وظهور النظرة الميكانيكية والحتمية في حركة الكواكب عند “كوبرنيكس” وفي قوانين الحركة عند “نيوتن” ، وحاول “هيوم” تطبيق ذلك على الانسان بنفى الاختيار والقول بالجبرية بل ظهر في علم النفس المدرسة السلوكية عند “بافلوف” وظهر علم الاجتماع عند أوجست كونت وعند أميل دوركايم اللذين رفضا الأخلاق كمعايير مطلقة وبحثوا فى الأخلاق النسبية التى تختلف من مجتمع لأخر وهذه النسبية التى أدت الى الأنحلال والأباحية وتسببت في سقوط الحضارة الغربية بفضل العلمانية التى انكرت الالوهية وقدمت لأهل الغرب الهة بديلة مثل عبادة الحاكم المتأله أمثال ستالين وهتلر وإلى جانب عبادة المال وعبادة الجنس وعبادة العقل مع انه جزئ وقاصر ومستعد لتقديم تبريرات لأي شئ مهما كان شرا ، والخلاصة هى ان العلمانية حين فصلت بين الدين وبين الحياة جعلت كل انسان “اتخذ الهه هواه” وذلك حسب التعبير القرأنى وكان اتباع الهوى والكيل بمكيالين هو سر الاباحية والظلم الذي سيعجل بانهيار الغرب، وكان ايضا من مخرجات العلمانية “الميكيافيلية” نسبة إلى “ميكيافيلى” في كتابه “الأمير” الذي فصل بين السياسة وبين الدين والاخلاق وجعل القوة بدلا من الحق والغاية تبرر الوسيلة وبذلك فتح الباب أمام الاستبداد في الداخل والغزو والاستعمار في الخارج .. ثم كانت الليبرالية بشقيها اي الديمقراطية في السياسة والرأسمالية في الاقتصاد وكانت أيضا فكرة الجماعية للتضحية بالفرد في سبيل وهم اسمه “المجموع” أو “الكل” وتجلى ذلك في الشيوعية لتبرير الاستبداد كما في النازية والفاشية وذلك على العكس من الليبرالية التى تضخمت فيها الفردية حتى أصبحت كالسرطان الذي يقضى على الكل حتى أن المفكر الفرنسي الاسلامى “روجيه جارودي” قال : ” ان العالم الغربي الراسمالي قسم العالم إلى حفنة من الأثرياء 20% من سكان العالم وأغلبية من الفقراء 80% ، وهذه الاقلية تملك 80% من ثروات العالم بينما الاغلبية لا تكاد تملك 20% من هذه الثروات ، كما ان الحضارة الغربية قد انتجت في مخازنها قنابل ذرية تكفي لتدمير الكرة الأرضية وذلك لأنها امتكلت العلم والتكنولوجيا لكنها فقدت الحكمة أي الدين والاخلاق ” .. أما المظاهر التى تتجلى في الواقع الاجتماعي لانهيار الحضارة الغربية فتشهد بها حوادث الصحف اليومية واحصائيات الباحثين الاجتماعيين وفي ذلك يقول المؤرخ “هنري ستيل” في كتابه “تاريخ الولايات المتحدة” : ” لقد شهدت امريكا بعد الحرب العالمية الاولى تغيرات اجتماعية رهيبة فقد سقطت القيم الروحية وسادت المادية في الحياة وساد المجتمع نزعة نحو الاستهلاك المادي وكسب المال وبدأ ينتشر التحرر الاجنسي والطلاق وانهيار الأسرة والأمراض النفسية والجنون والانتحار والعنف رغم الاشباع المادي الذي ساد المجتمع الا ان الشباب يحث بالضياع وفقدان الهدف في الحياة” ..
ويقول”بريجنسكي” في كتابه “الانفلات” : ” لقد سجلت الاحصائيات في امريكا في عام 1992 وحده 50 الف قتيل ضحايا حوادث العنف ” ويقول “برجنسكي” ايضا : ” لقد صار المال هو الأله في أمريكا والغرب والسوبر ماركت هو المعبد ولاستهلاك والشراء هو طقوس العبادة ” .. ويقول المفكر الاسلامى “محمد اسد” : ” لقد اصبحت الألات هى أولياء الله الصالحين الذين يجلبون البركات للانسان الغربي لذلك جعلهم يحيطون به ” ، ويقول “محمد أسد” : ” إن المسيخ الدجال وهو الأعور الذي يفتن الناس ويجعلهم يعبودنه من دون الله هو هذه الحضارة المادية ذات العين الواحدة اي ذات النظرة الأحادية التى تجعل الناس يلهثون وراء المال” …
والآن ننتقل للأجابة على السؤال المتعلق بمظاهر سقوط الغرب في الانتاج الفكري : السياسي والفلسفى والادبي فلنتحدث عن الماركسية والنازية والصهيونية والصربية والراسمالية والدارونية والفرويدية والوجودية والوضعية المنطقية والبراجماتية ومذهب المنفعة ومذاهب الأدب والفن في القرن العشرين ..
الدارونية : يقوم مذهب دارون على فكرة مركزية في الحضارة الغربية هى فكرة الصراع والصراع هنا هو صراع بين الكائنات الحية صراع من أجل البقاء وهنا يتم الاختيار الطبيعي بحيث يكون البقاء للأقوى او الاصلح ، ويقول دارون في كتابه “اصل الانواع” “ان المعركة مستمرة بلا توقف وان المنافسة العنيفة تقضى على الحيوانات والنباتات الضعيفة والتى تعجز عن التكييف ” ويقول”دارون” ايضا في كتابه “اصل الانواع” : “ان كل الكائنات الحية التى عاشت على الارض قد نشأت من اصل واحد هو شكل بدائي ثم تطورت بعد صراع طويل ضد الطبيعة وضد الجوع ” أي ان القرد والانسان من اصل واحد وان الانسان مجرد حيوان ، وهذا هو جوهر نظرية النشوء والارتقاء وهى تناقض نظرية الخلق المنفصل ولذا تعتبر ضد الدين وخطرا عليه لانها تنفي الربوبية وان الخلق والرزق بيد الله ، وكانت تطبيقات نظرية دارون في السياسة بمثابة كارثة مثلما في الفاشية والنازية ، اذا اعتبر هتلر ان الجنس الالماني هو أعظم الاجناس وبالتالي هو اجحدرها بالبقاء حتى ولو كان على حساب الشعوب الاخرى ويقول هتلرفي كتابه ” كفاحي” : ” يجب ان نتوسع في روسيا وفي داخل اوربا لا في افريقيا ، يجب زيادة مساحة المانيا ومواردها لان البقاء للاقوى والاصلح ” ، وكان هتلر ايضا متأثرا بافكار “نتشه” عن السوبرمان وبالحاده في قوله في كتابه “هكذا تكلم زرادشت” : ان الله قد مات “حاشا لله” زهكذا كان مبدا الصراع ومبدا الاختيار الطبيعى والبقاء لاقوى في الدارونية الاجتماعية تبريرا للاستعمار والعدوان والعنف بحيث يقضى الشعب الأقوى على الشعب الاضعف وهذا ما تفعله اسرائيل مع الشعب الفلسطينى بدعوة ان اليهود هم شعب الله المختار وهى دعوة عنصرية وان فلسطين هى ارض الميعاد وكل هذه هى اساطير وخرافات الصهيونية كما يقول روجيه جارودي في كتبا له بهذا العنوان ، وهذا ايضا هو ما يفعله الصرب في البوسنة والهرسك وكسوفا م ابادة للمسلمين تماما مثل النزعة الصهيونية ، فالصربية والصهيونية هما جزء من الحضارة الغربية العدوانبية بطبيعتها والقائمة على مبدأ الصراع وما اسرائيل سوى امتداد للغرب وستزول اسرائيل بانهيار حضارة الغرب في السنوات المقبلة من هذا القرن ..
الماركسية والرأسمالية: الماركسية هى الفلسفة التى حركت الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917 بزعامة لنين وستالين ، وهى قائمة على الفكرة المركزية فى الحضارة الغربية وهى فكرة الصراع ، والصراع هنا صراع بين الطبقات الأجتماعية ، والماركسية بذلك هى تطبيق للدارونية فى المجال الأجتماعى والأقتصادى وفيها يؤكد ماركس أن الأنسان حيوان يحركة العامل الأقتصادى وفى ذلك يقول “أنجلز” : ( إن الكارل ماركس قد اكتشف القانون الذى يحكم التطور فى تاريخ البشرية تماما مثلما اكتشف داروين القانون الذى يحكم التطور فى الطبيعة العضوية ) ، وهذا الربط بين نظرية التطور والماركسية هو ما جعل ماركس وأتباعه يعتبرون الكاركسية علمية غير قابلة للرفض وكأنها دين حتى توهموا أنهم يملكون الحقيقة المطلقة وجروا شعوبهم وشعوب العالم الى حروب ومجازر مليونية ، فقد أعدم لنين وستالين الملايين من المعارضين .. وقد فشلت الشيوعية فى تحقيق الجنة الأرضية بعد أن جعلتهم يكفرون بالجنة السماوية حين قال ماركس أن الدين هو أفيون الشعوب ، وهكذا كما يقول برجنسكى فى كتابة الأنفلات لم يبقى أمام الناس فى تلك اليوتوبيا الأجبارية سوى الجانب المادى الذى عجز الدولة الشيوعية عن أشباعه ) خلاصة القول هى ان الماركسية هى تطبيقا للدارونية ولمبدأ الصراع وفى ذلك يقول هارولد لاسكى : ” إن قانون الحياة هو الصراع بين المتناقضات وما يتبع ذلك من تطور ” ، وهذا هو جوهر المادية الجدلية عند ماركس وجوهر المادية التاريخية عنده أى التفسير الأقتصادى للتاريخ حيث يقول ماركس : إن تاريخ المجتمع البشرى ككل هو تاريخ للصراع الطبقى ، الصراع بين الحر والعبد بين الأقطاعى ورقيق الأرض بين الرأس مالى والعامل ولذلك تنشأ بينهم حرب مستمرة لتعارض مصالحهم .. ويرى ماركس فى نظرية القيمة والعمل أن قيمة السلعة قدر بمقدار العمل المبذول فيه ثم يتبعها بنظرية فائض القيمة أى الربح الذى يسرقة الرأسمالى من جهد العامل ولهذا كانت الرأسمالية نظاما فاسدا لأنها تتسبب فى تضخم الرأس مالية بقضاء الشركات الكبرى على الشركات الصغرى عن طريق المنافسة وبينما يزداد الأثرياء ثراءا ويزداد الفقراء فقرا مما يجعلهم عاجزين عن شراء البضائع التى تنتجها المصانع مما يعطل الأسواق ويحدث الكساد ويضطر الرأسماليون الى أغلاق مصانعهم فتنشأ البطاله أة يضطروا الى البحث عن أسواق جديدة والبحث عن المواد الخام وهنا يكون الأستعمار لبلاد المسلمين وفقراء العالم فى أسيا وأفريقيا وكان هذا التنافس هو الذى أدى الى الحروب العالمية .. وخلاصة القول أيضا هو ان ماركس قد حاول أطالت عمر الحضارة الغربية بتقديم الشيوعية كبديل للرأسمالية لكن أثبت الواقع التاريخى فشلها بسقوط الأتحاد السوفيتى كما ستسقط الولايات المتحدة ذلك الديناصور الذى ملأ الدنيا رعبا وقتلا لكنه فى النهاية أنقرض .. ويقول برجنسكى فى كتابة الأنفلات : ( إن أمريكا الأن نموذج جذاب لكنه أيضا نموذج منفر يثير الكراهية والغيظ لدى فقراء العالم بل لدى الفقراء فى داخل أمريكا وخاصة الزنوج لأنهم لا يستطيعون تقليد أثرياء أمريكا فى عيشة الترف والبزخ ولذلك يصابون بالغيظ والحقد والأضطهاد مما سيجعلهم يثورون ضدها ، كما ان أمريكا تساعد وتدعم الحكام الفاسدين فى دول أسيا وأفريقيا الذين يحيطون انفسهم بطبقة من الأثرياء الذين يقلدون فى معيشتهم أمثالهم فى أمريكا بينما الفقراء فى بلادهم لا يجيدون كسرة خبز مما سيجعلهم يثورون ضد هؤلاء الحكام فى بلادهم كما سيثورون على أمريكا ويقاومونها رافعين نفس الشعارات التى تحاول أمريكا الترويج لها مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان حين تحتل بلادهم مثل العراق وأفغانستان ويكتشف المسلمون فى هذه البلاد أن هذه الشعارات هى مجرد ألفاظ وتمثيليه هزلية كما يقول روبرت كرين ، والأرهاب عند امريكا والغرب هو الأسلام والأرهابيون عندهم هم المسلمون وكل من يقاوم أمريكا وإسرائيل ..
الفرويدية: كان مذهب فوريد في التحليل النفسى هو تطبيق للدارونية ومبدات الصراع في الحياة النفسية فنجدها يحدثنا في نظريته ” تطور الوظيفة الجنسية ” من المرحلة الفمية عن الطفل الرضيع من المرحلة الاستية ثم المرحلة القضيبية وذلك في كتابه “ثلاث رسائل في الجنس” ، ثم يحدثنا في كتابه الهو والانا عن نظرية الجهاز النفسي الذي يتكون من ثلاثة مكونات هى الهو والانا والانا الاعلى وما يدور بينها من صراع ، ويؤكد لنا في كتابه “القلق” ان الامراض النفسية تنشأ نتيجة للصراع والكبت في الاشعور والذي يحدثنا عنه في كتابه “معالم التحليل النفسي” حيث يعرض لنا نظريته الثالثة وهى نظرية القوة النفسية وهذه القوى هى ايضا ثلاثة : الشعور واللاشعور وما قبل الشعور ، وخلاصة القول هى ان فرويد يعتبرالانسان مجرد حيوان يحركه العامل الجنسي اي ما يسميه طاقة الليبيدو ، وكان من تاثيرات فرويد ان اتخذه كتاب الغرب ذريعة للانحلال الجنسي وتبرير للاباحية التى ظهرت في المجتمع وانعكست في البرنوجرافيا في افلام السينما وفي الادب مثل روايات هنرى ميلر ومسرحيات تنسي ويليامز، ورواية لولتا ورواية إمرآتان للكاتب الايطالى البرتومورافيا كما ان الفرودية كانت الحادية لانها اعتبرت اصل الاديان هو التوتم والتابو في كتاب له بهذا العنوان ، والتوتم هو نبات او حيوان اعتبره البدائيون اصلا لهم فقدسوه مثل الهنود وعبادة البقر اما التابو فهو المحرمات التى فرضتها القبائل على نفسها ، كما يرى ان الاديان بدأت بعبادة الاسلاف نتيجة لتقديس الاب كنوع من الاعتذار له عن كراهيته المتمثلة في عقدة اوديب ، وهو يرى ان الوحى هلوثة سمعية وبصرية لاصابة الانبياء عنده بنوبات صرعية ، وهكذا فتح فرويد باسم العلم ابواب الالحاد ولاباحية الجنسية ، والحقيقة ان الفرودية ليست علما لانها قائمة على فروض غيبية ميتافيزيقية ..
الفلسفة الوجودية وأدب القرن العشرين ظهرت الوجودية عند سارتر عام 1945 اى بعد الحرب العالمية الثانية اي كانتت تعبيرا عن المجتمع الغربي الذي ينهار وتتفكك شبكة العلاقات الانسانية في داخله بحيث اصبح كل فرد بمثابة جزيرة معزولة ولا اتصال ، فالاخر هو الجحيم كما يقول سارتر في مسرحيته “الابواب الموصدة” قد عبر سارتر عن احساس الانسان الغربي المعاصر بالقلق والغثيان والسئم والملل والاحساس بالعدم وعبثية الحياة واللامعقول الذي عبر عنه “صمويل بيكيت” و “يوجين يونيسكو” و “اداموف” في مسرحياتهم التى يصورون فيها الانسان الغربي في القرن العشرين والذي يعيش في كون ينهار مبناه ومعناه حيث اللامعقول هو جوهر الحياة ، فالعبث والاجدوى وفقدان الهدف يعصف بحياة الانسان الغربي التى هى خواء وفراغ ولا اتصال بين الانا والاخر فاللغة ميتى لذلك لانجد في مسرحياتهم ديالوك حقيقى بين الابطال وانما مجرد منولوجات منفصلة بالفاظ لا معنى لها ، ونجد مثلا يوجين يونيسكو في مسرحيته الكراسي يصور حفلة لها مدعوين وهمين حيث يمتلىء المسرح بالكراسي الفارغة التى لايجلس عليها احد ثم ياتى رجل ليبلغهم رسالة فإذا به ابكم واصم ، فهنا يونيسكو يقول ان المسرح الخالى والكراسي الفارغة هى مجتمع اوربا الآن وانه ليس هناك رسالة لهذا المجتمع ولا لهذه الحضارة الغربية وانالنهاية هى الموت والصمت .. ونجد ايضا كتاب الرواية مثل نتالى ساروت والانروب جرييه وكلود سيمون لا يصورون سوى المكان فقط فليس في روايتهم زمان ولا شخصيات ولافعل ولا فاعل ، وهذا ابلغ تصوير لازمة الانسان الغربي الذي اختنقت روحه تحت الحوائط الاسمنتية لناطحات السحاب الهائلة .. كما نجد الفنون التشكيلية عند السرياليين والداديين امثال بيكاسو وماكس ارنست وسلفادور دالى ليس في لوحاتهم مضمونا ولا موضوعا وانما مجرد الوان وخطوط وهذا التفكك في الادب والفن هو انعاكس لتفكك المجتمع والحضارة الغربية التى افرزت اخيرا بعد الحداثة التفكيكية فكل ما في الغرب يتفكك وهذا ما اشار اليه في الخمسينيات من القرن العشرين في حركة الساخطين التى تزعمها جون اسبورن في مسرحيته انظر وراءك في سخط والتى يقول فيها لم يعد امامنا سوى ان نلقى بانفسنا امام عجلات الاتوبيس ” ، وقبله كان قد صور المجتمع الغربي بعد الحرب العلمية الاولى الروائيون الامريكيون : ارنست هيمنجواي وفوكنر وجون دوس باسوس وسكوت فيتزجرالد الذين صورا الجيل الرائع واحساسهم بالملل وفقدان الهدف …
فلسفات السقوط الاخلاقى في الحضارة الغربية: ان فلسفات السقوط الاخلاقى هى مذهب المنفعة عن بنتام وجون ستيوارات ميل الذين ربطوا بين الخير وبين اللذة ، ومذهب البراجماتية عند جون ديوى ووليم جيمس والذي جعل من الفائدة العملية مقياسا من الحق والباطل ومقياسا للخير والشر اي جعلها اساسا لقبول اي فكرة او رفضها ، ومذهب الوضعية المنطقية عند “برتراندرسل” و ” فيتجنشتين” و “جورج مور” والذي اعتبر الاحكام الاخلاقية من قبيل الكلام الفارغ لانه لا يمكن الحكم عليها بالصحة والخطأ عند ارجاعها الى الواقع الخارجي وهنا يتضح معنى قولنا ان هذه الفلسفات فلسفات لا اخلاقية ولذلك ستنهار امريكا والغرب بحضارته الااخلاقية مثلما انهارت من قبل حضارات ثمود وعاد وفرعون الذيين طاغوا في البلاد فاكثروا فيها الفساد والذيين حدذنا عنهم القرأن الكريم في سورة الفجر …
آثار وانعكسات أزمة الفكر الغربي علينا في العراق والعالم العربي والاسلامي :
رأينا من كل ما سبق ان مايميز الغرب العلماني وما يسبب سقوطه الحضارى هو نزعته العدوانية واتلاستعلاء ورفض الاخر وعدم قبوله وبل وابادته فالنسان الغربي لا يعرف الغير ولا يعر فالخير فانتفى العد وضاعت حقوق الانسان في داخل بلاده بل انعكس ذلك في بلادنا نحن العرب والمسلمين … فهم يحرقون منازل الاتراك المسلمين في المانيا ويعتدون على المغاربة المسلمين في فرنسا في ايامنا هذه ونجدهم منذ الحروب الصليبية قديما وحديثا يعتدون على بلادنا وينهبون ثرواتنا ويقتلوننا وقد بدأت الحروب الصليبية أولا في الاندلس فيما اسموه بحروب الاسترداد لطر المسلمين من داخل أوربا والقضاء على الاسلام نهائيا فيها ثم اتجهوا لاحتلال بلادنا في الحملات السبع المعروفة على مصر والشام في القرنين الخامس والسابع الهجري ثم اتجهوا بعد الكشوف الجغرافية إلى بلادنا في الهند وجنوب شرق اسيا ثم الغزو الستعمارى في القرنت التاسع عشر في البلاد العربية بداية من الحملة الفرنسية على مصر سنة 1789 حتى احتلال امريكا لافغانستان ثم العراق سنة 2003 والباقيى تأتى وقبل ذلك كانت حروب الدولة العثمانية حروبا صليبية لذلك يكرهها الغرب وتأمروا ضدها في الحر بالعالمية الاولى باسقاط الخلافة العثمانية وتقسيم اطرافها في اتفاقية “سايكس بيكو” إلى ما نحن فيه من دويلات الآن والخلاصة هى ان القرن العشرين قد شهد الإنتصار الظاهرى لامريكا والغرب والانكسار الظاهرى لنا في العراق وافغانستان ، الا ان القرن الواحد والعشرين سيشهخد كما قال بريجنسكي في كتابه الانفلات سيشهد انفلات السيطرة الامريكية على العالم وذلك بسبب ما تعانيه المجتمعات الغربية والحضارة الغربية من سقوط اخلاقى ، مما جعل امريكا تفقد رسالتها ولم يعد لديها شئ تقدمه للعالم سوى “العولمة” اى الامركة والهيمنة بالقضاء على شعوب العالم وثقافتها وعلى راسها الاسلام والمسلمين باسم محاربة الارهاب بينما أمريكا هى دولىة العنف والارهاب … هذا من ناحية الحروب والدمار الذي نعانيه بسبب ازمة الغرب العلمانية ، اما من الناحية الفكرية فاننا نعانى في بلادنا الاسلامية من الطابور الخامس الذي يشكله الكتاب العلمانيون عندنا وكأنهم يفتحون توكيلات للدعاية لافكار الغرب كي نقتنع بها ونرتمى فى أحضان أمريكا واوربا للتعجيل بذبحنا ولكن عن قناعة منا ، وقد بدء هذا الطابور الخامس فى مصر منذ سلامة موسى وشبل شميل وقاسم أمين وطة حسين وعلى عبد الرازق ، فنجد طة حسين يقول : “إذا أردنا أن نتقدم فعلينا أن نقلد أوربا فى كل مناحى الحياة خيرها وشرها حلوها ومرها ما يحمد منها وما يعاب ” وفى ذلك تقول الكاتبة الأسلامية مارجريت ماركس : ” لقد كان طة حسين فعلا أعمى يقودنا الى الهاوية ” .. وكلمة أخيرة هى أننا نعيش الأن فى فترة الأنكسار الظاهرى للعرب والمسلمين وليس الهزيمة طالما أننا نقاوم الديناصور الذى سينقرض “أمريكا” ، وفى ذلك يقول القائد مونتجمرى : ( إن المسلمين لا ينهزمون أبدا ، قد يخسرون معركة وقد يسقطون ولكنهم سريعا ما ينهضون ) ، ويقول مالك بن نبى فى كتابة مشكلة الثقافة : ( إن الأمة مهما فقدت عالم الأشياء فإنها سريعا ما تنهض إذا ظلت محتفظة بعالم الأفكار لديها مثلما حدث من نهضة اليابان وألمانيا بعد تدميرهما الظاهرى فى الحرب العالمية الثانية ) ، نحن الأن فى مرحلة الأنكسار الظاهرى مثل مرحلة غزوة مؤته سنة 8 هجرية التى قتل الرومان فيها جعفر بن أبى طالب وقطعوا ذراعه اليمنى فأمسك الراية بيده اليسرى فقطعوها فأمسك الراية بعضدية فقطعوا جسده شطرين وعاد الجيش منسحبا الى المدينة فحثو عليهم التراب وقالوا لهم يا فرار ، لكن النبى صلى الله علية وسلم قال لهم : ” بل هم كرار ” وفعلا صدقت نبؤته وانتصر نفس الجيش بنفس القائد خالد بن الوليد ضد نفس العدو بعد أربع سنوات فى معركة اليرموك وكان عدد المسلمين 20 الفا وعدد الروم 200 الفا لكن المسألة ليست بالحسابات المادية وفى ذلك يقول مونتجمرى : ” إن المعارك تحسم أولا فى قلوب الرجال قبل أرض المعركة ” ، ويقول ” هند ريك فان لون ” فى كتابة قصة الجنس البشرى : ” إن روح الجهاد والأستشهاد هى التى جعلت المسلمين رغم قلة عددهم وعتادهم ينتصرون على أعتى الدول ” الروم والفرس ” ويفتحون العالم كلة فى أقل من 80 عاما فقد كان فتح الأندلس سنة 81 هجرية ، وهذه الروح الأستشهادية والجهاد ” المقاومة نفسها هى التى تجعل المسلمين الأن يقفون فى وجه الآله العسكرية الغربية الجهنمية ” …. إننا فى العراق وأفغانستان والعالم العربى والأسلامى سننتصر فى السنوات القليلة القادمة فى هذا القرن الواحد والعشرين الذى سيشهد السقوط النهائى لأمريكا والحضارة الغربية وسيشهد كما يقول “مراد هوفمان أنتشار الأسلام فى أوربا نفسها وانتصارة ” ، سننتصر لأننا أصحاب حق وطالما أن المقاومة هى خيارنا الأستراتيجى الوحيد ، ولأننا أصحاب رسالة للعالم يفتقدها ويحتاج اليها ، وهذا ما يؤكده “روجية جارودى فى كتابة وعود الأسلام ” وما يؤكدة محمد اسد فى كتابة الطريق الى مكة وما يؤكدة “مراد هوفمان ” فى كتابة ” الأسلام كبديل ” أى بديل للحضارة الغربية التى تسقط وفشلت لعدوانيتها الاأخلاقية على شعوبها فى الداخل وعلينا فى العالم الخارجى .. أما نحن المسلمين فالأسلام يعرفنا أن الأنسان ليس مجرد حيوان كما يقول لهم دارون وماركس وفرويد ، الأسلام يعلمنا أن الأنسان قريب من الله المطلق وأن الحق والعدل والخير قيما مطلقة ” ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ” فشرط الأنتصار وشرط النهضة هو الأيمان أى الفاعلية والوحدة ” ولينصرنا الله من ينصره ” ” متى نصر الله ” ” ألا إن نصر الله قريب ”