مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الدكتور السيد بلاط: الأمة الإسلامية والعربية اليوم في أمس الحاجة إلى تطبيق نموذج المؤاخاة لأنه لا سبيل للنصر غيره 

أحمد مصطفى:

عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان “حكمة النبي القائد ومقومات الأمة” وذلك بحضور كل من؛ أ.د السيد بلاط، أستاذ ورئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سابقًا، وأ.د خالد عبد النبي، أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة، وأدار الحوار الشيخ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر.

في بداية الملتقى قال فضيلة الدكتور السيد بلاط، أستاذ ورئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سابقًا: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة على أسس عدة، أولها: بناء المسجد، من أجل أن يوثق الصلة بين المسلمين وخالقهم، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يعاون أصحابه في بناء المسجد يدا بيد، وفي هذا المشهد إشارة إلى أهمية التعاون، وليعطينا النبي صلى الله عليه وسلم درسًا عمليا من أول لحظة في تأسيس المجتمع الإسلامي الجديد، كما أن المسجد لم يكن بهدف العبادة فقط، وإنما كان المسجد مكانًا للتعليم، ومكانا للفصل بين المتخاصمين، ومكانا لاجتماع المسلمين للمشورة واتخاذ القرارات الهامة، ولاستقبال سفراء المجتمعات الأخرى القادمين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى المسلمين أن يهتموا بإعمار المساجد ” إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله”، موضحًا أن عمارة المساجد تكون حسية من خلال تهيئته لتكون على أفضل هيئة، ونعمرها معنويًا بالحرص على حضور الصلاة فيها، وبحضور حلقات العلم، والذكر وتلاوة القرآن. 

 

وأوضح الدكتور سيد بلاط، أن الأساس الثاني الذي شيد عليه النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الجديد، هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛ ليشكل بذلك مجتمعًا متماسكًا، وهي رؤية سياسية حكيمة من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تقتصر المؤاخاة على شكل واحد وإنما قامت على ثلاثة محاور: الأول بين المهاجرين الذين قدموا من مكة وبين الأنصار سكان المدينة، من أجل أن يزيل آثار الغربة من نفوس المهاجرين، لإحداث نوع من التوازن في المجتمع الجديد من خلال التكافل والتعاون، وهو الأمر الذي عزز الأخوة بين المسلمين، حتى وصل الأمر إلى أن تقاسم المسلمون كل شيء فيما بينهم، وعلينا أن نقتدي بهم في شيم الإيثار المحور الثالث: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ليصرفهم عن عادات الجاهلية إلى قيم الدين الإسلامي الحنيف، ثم المؤاخاة بين العرب والموالي، من أجل القضاء على العنصرية والطبقية التي كان يعاني منهما المجتمع قبل مجيء الإسلام، لهذا كانت المؤاخاة بأقسامها الثلاثة نموذجا للدولة المتماسكة وهو ما مكنها من النصر على أعدائها، 

 

وبين فضيلة الدكتور السيد بلاط، أن الأمة الإسلامية والعربية اليوم في أمس الحاجة إلى تطبيق نموذج المؤاخاة الذي أسس له النبي صلى الله عليه وسلم في المجتمع الإسلامي الأول، وخاصة في ظل تربص الأعداء بها من كل جانب، لأن المؤاخاة هي التي كانت السبب في انتصار المسلمين على اعدائهم، فعلينا أن نتمسك بهذا النموذج اليوم لأنه لا سبيل للنصر غيره.  

قد يهمك ايضاً:

ننشر أفضل الأدعية التى تقربك إلى الله فى ليلة النصف من شعبان

عميد كلية أصول الدين بالمنوفية: وسطية هذه الأمة هي السبب في…

 

 

من جانبه، قال فضيلة الدكتور خالد عبد النبي، أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة، إن النبي صلى عليه وسلم في تأسيس المجتمع الإسلامي لم يقص أحدا داخل المجتمع، لذلك أبرم النبي صلى عليه وسلم معاهدة المدينة مع غير المسلمين، وكان الهدف منها تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع بما يحفظ لكل طرف حقه، وضمنت المعاهدة الحقوق الكاملة سواء في الذمة المالية والمساواة والحرية الدينية وقيم التعايش، والبيع والشراء وغيرها، وكل ما يلزم المجتمع لضمان استقراره، وكان الضامن لهذه المعاهدة هو النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا النموذج في المجتمع الإسلامي دليلا على رقي الإسلام، كما شكلت هذه المعاهدة وجهًا حضاريًا مشرقًا للمجتمع الإسلامي في أول عهده.

وذكر فضيلة الدكتور خالد عبد النبي أن النبي صلى عليه وسلم، أظهر جليًا مبادئ التعايش من خلال تعاملاته الشخصية، فعندما رهن درعه لليهودي، كان ذلك بمثابة رسالة إلى الأمة في إرساء قيم التعايش في المجتمع، وليقطع الطريق على كل من يحاول أن يثير الفتنة في المجتمعات بدعوى التفرقة الدينية، لأن التسامح في الإسلام لا يفرق بين المسلم وغير المسلم، وهو الأمر الذي ميز المجتمع الإسلامي وجعل منه مجتمعا حضاريا بامتياز، فلم يكن المجتمع الإسلامي يعزل أحدًا أو يجنب أحدًا، ولا يمكن لمجتمع أن يتماسك مالم يلتزم كل أعضائه بواجباتهم، وحصل كل منهم على حقوقه كاملة، مبينًا أن الخلافات التي نشبت في المجتمع الإسلامي الأول، كانت بسبب، عدم التزام اليهود ببنود المعاهدة التي وقعوها مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتآمروا على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وحاولوا أن يفسدوا في المجتمع بشتى الطرق. 

 

من جانبه قال الشيخ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاد الأمة بعبقرية لم يعرف التاريخ مثلها، هذه العبقرية التي جعلت الأمة في تلك الفترة رغم قلتها، قادرة على أن تقود الدنيا بأسرها، نتيجة، إخلاصهم وعملهم الدؤوب لنصرة هذا الدين، وهو ما ظهر في براعة سفراء الأمة قبل الهجرة وقدرتهم على إقناع الوفود التي أرسلوا إليها برسالة الإسلام، وهذه البراعة هي التي أسست لأمة لم يعرف التاريخ مثلها، كما أسس النبي في المجتمع الجديد لقيم التعايش والتفاهم بين المسلمين وغيرهم.

 

وأوضح مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر، أن أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة المباركة هو بناء المسجد ليكون مؤسسة شاملة للمجتمع الإسلامي الجديد، لأن المسجد ليس مكانا للعبادة فقط، وإنما هو مؤسسة تعليمية متكاملة، كما أن المسجد ليس حلقة وصل بين العبد وربه فقط، وإنما يصل المؤمن بأخيه المؤمن، من خلال اجتماعهما للعلم والعبادة، ثم جاءت بعد ذلك المؤاخاة بين المهاجرين والانصار، من أجل تقوية المجتمع الجديد في المدينة، ولتشيع بينهم مشاعر الود والمحبة، وبهذا العمل أحدث النبي صلى الله عليه وسلم تناغمًا بين المجتمع المسلم، وأصبح المجتمع الإسلامي في تلك الفترة قادرا على مواجهة كل الصعاب والمخاطر. 

 

يُذكر أن ملتقى “السيرة النبوية” الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا