مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الدكتورة نجلاء الورداني تكتب: العشوائيات تخاطبكم …. كفى قهرًا

العشوائيات تخاطبكم …. كفى قهرًا

بقلم د. نجلاء الورداني

تعد مشكلة العشوائيات في مصر من أكثر القضايا إلحاحًا لما تمثله من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية تهدد أمن المجتمع المصري واستقراره، حيث أصبح معالجتها مطلبًا ضروريًا يتطلب تضافر الجهود للحد منها ومعالجة سلبياتها، وقد بذلت الدولة متمثلة في مؤسساتها الخاصة بذلك العديد من المهام والإجراءات الفعلية، ولكنها حقيقة لا تتواكب مع الحجم الفعلي وخطورتها داخل المجتمع المصري. حيث أننا لو تأملنا التعريفات المختلفة للعشوائيات لوجدناها تعرفها بوصفها حالة من التدهور العمراني والبيئي والاجتماعي لهذه المناطق، بالإضافة إلى غياب التخطيط وانتفاء الوضع القانوني لها، ورغم اختلاف المناطق العشوائية من حيث المكان والمساحة وحجم السكان ومستوى الخدمات، إلا أنها تشترك في معاناتها من مشاكل أساسية يمكن تلخيصها في صعوبة توفير المرافق والخدمات الأساسية، وانتشار التلوث البيئي، وارتفاع الكثافة السكانية، وتدني مستوى الخصائص السكانية، إلى جانب افتقار تلك المناطق إلى وجود شبكة طرق متكاملة تربطها بالمحاور الخارجية.

ويرجع ظهور المناطق العشوائية إلي التناقص التدريجي في عرض الوحدات السكنية منخفضة التكلفة التي تكون في متناول يد الشرائح منخفضة الدخل من السكان بالقياس إلى الطلب عليها، وتزايد عدد السكان النازحين من الريف إلي الحضر وتكوين أسر جديدة لهم، وعدم القدرة على تدبير وحدات سكنية مناسبة لإمكاناتهم، وبذلك تكونت بعض المساكن في رقع صغيرة بدأت في التوسع بالتدريج، وتحولت إلى مجتمعات غير مخططة تفتقر إلى المرافق والخدمات الأساسية، كما تتكون المناطق العشوائية في مناطق نائية تقع في أطراف المدن بعيدًا عن حدود الكتل العمرانية، وقد تتجمع بين المناطق الصحراوية، أو تتمثل في جيوب بين مناطق عمرانية في بعض المدن أو في بعض المناطق التي تم فيها الزحف على الأراضي الزراعية.

أنها وحدات سكنية تفتقر إلى أعمال الصرف الصحي، وتتركز فى مناطق يسود فيها المساكن القديمة أو الآلية للسقوط، وتقع على مقربة منها الأراضي المنخفضة، وتزداد فيها المساكن المستأجرة، ويسكنها الفقراء، وتبدو صعوبة الإشارة إلى الفقير خاصة فى العالم الغربي، إذ يظهر بعض الأفراد فى مظهر أعلى من مستواهم نتيجة للإنتاج الضخم الذي مكن الفقراء من الوصول إلى مظهر لائق، كما يضاف إلى ذلك سوء التغذية ويأس الأفراد وعجزهم. أيضًا كونها تجمعات سكنية لفئات مهاجرة من داخل الدولة أو خارجها دون شرعية إدارية عمرانية، بعيدًا عن تخطيط الدولة لمدنها المختلفة، وتتم من خلالها أساليب وضع اليد أو الحيازة لممتلكات لا يملكونها، وتعيش فى وحدة إقليمية غير منسقة، بل تجمع بين سكانها وحدة الهدف ووحدة المعاناة بأمل تحقيق حياة معيشية أفضل مستقبلًا.

قد يهمك ايضاً:

أحمدسلام يكتب” السادات” … أحاديث الميلاد…

خالد عامر يكتب استراتيجيات الحفاظ على مصر

ويمكن إجمال أهم خصائص المناطق العشوائية في مصر في النقاط التالية:

  • عدم التمتع بالحد الأدنى من أسس التخطيط العمراني ومستوى الخدمات، والمرافق، والطرق، وكذلك مجالات الرعاية الصحية والتعليمية، مما يسهل نمو كثير من عوامل الانحراف والتمرد على السلطة الأسرية والضبط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي.
  • تمنع بطبيعة مبانيها وعدم تخطيطها عمرانيًا سهولة الحركة والتردد والمتابعة الأمنية، وبناءً عليه باتت مكانًا آمنًا لإيواء الخارجين عن القانون والهاربين من تنفيذ الأحكام، والأشقياء، والخطرين على الأمن العام.
  • تضم تركيبتها السكانية بعض الفئات التي كان لظروف انهيار منازلها أو لضعف دخولها مناطق إيواء، وهذه الفئات تعيش في هذه المناطق غير راضية عن طبيعة الحياة فيها من جميع النواحي الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والثقافية.
  • تشكل بؤرًا للفساد وينتشر فيها تجارة وإدمان المواد المخدرة بأنواعها، وممارسة الأعمال المنافية للآداب، والاغتصاب، والسرقة بالإكراه، وفرض السيادة، والسطو، والبلطجية وأعوانهم.
  • تعد مثالًا حيًا للتعدي على الموارد الطبيعية والبيئية تم على مراحل متعاقبة ونتيجة قصور وتواطؤ بعض رجال الأجهزة الرسمية، وقصور نصوص القانون الوضعي في مواجهة مثل هذه المخالفات.
  • مناطق تمركز لغالبية العاملين من الأطفال والشباب والنساء، لذا فإن الاستقطاب والتجنيد يكون سهلًا ويسيرًا نحو جذبهم لأعمال إرهابية وإجرامية.
  • تشكل خلايا سرطانية في البيئة العمرانية والسكانية.

كل ما سبق تحملته المناطق العشوائية بسكانها، ولكن المتأمل للكلمات السابقة لوجدها تعبر عن جوانب إيجابية أكثر منها سلبية، لقد أعتدنا في مجتمعاتنا أن ننظر إلى الجانب السلبي فقط، فعلى سبيل المثال مشكلة التكاتك وما تمثله داخل الدولة من مشكلات، حيث نظرنا لها بوصفها كارثة يجب القضاء عليها ولم ننظر لها بوصفها استطاعت تحل مشكلات لعديد من طوائف المجتمع خاصة الفقراء والمهمشين، لقد ساهمت في حماية البعض من ارتكاب الجرائم والحصول على عمل شريف، وخوض حياة أسرية لبعض الآخرين وغيرها الكثير من الجوانب الإيجابية، صحيح أن هناك سلبيات خطرة لها ولكننا بعملية تنظيم نستطيع تجنبها، وأيضًا طبقًا لهذه الرؤية نستطيع أن نتحدث عن مشكلة العشوائيات التي ينظر لها بوصفها كارثة دون ذكر سبب إيجابي واحد، إلا يكفينا أنها مناطق استوعبت فئات من الشعب كانت غير قادرة على الحياة بمفردتها، وتعاني العديد من المشكلات التي كان بإمكانها أن تحولهم لفئات خطرة تحمل الدولة معاناة أكثر مما هي فيه.

إلا نتذكر أن هذه العشوائيات أنجبت العديد من الفئات الصالحة للمجتمع، ألا نتذكر أن كثير من المناطق والأحياء العشوائية يقطنها طبقات استطاعت أن يكون لها وزن وثقل في الوضع الاقتصادي للمجتمع، ألا نتذكر أن هذه المناطق أصبحت خاضعة لرقابة الدولة وتساهم في تشكيل اقتصادياتها بما تدفعه من مستلزمات مالية متمثلة في الكهرباء والمياه والضرائب، مخطئ من يظن أن العشوائيات فقط هي من تسرق المياه والكهرباء، فهناك الكثير من المناطق الموجودة في قلب المجتمع والتي يستهلك سكانها المياه والكهرباء سرقة أو بقدر مالي أقل بكثير مما هو مستحق. أيضًا فيما يخص الجرائم ومرتكبيها، فالمجتمع المصري بأحياءه كافة يعج بالجرائم التي تختلف نوعيتها من مكان إلى آخر، ولكن يتقارب كمها إلى قدر كبير.

إنني هناك لا أريد عقد مقارنات ولا الدفاع عن ظاهرات سلبية وأخطار لابد من معالجتها، أنني أسعى فقط إلى إظهار أن في رحم الخطيئة يوجد بارقة أمل، في سلبيات الأمور توجد العديد من الإيجابيات التي لو التفتنا لها لتجاوزنا العديد من المشكلات، أريد أن أسأل كل مسئول وإنسان داخل المجتمع كيف تحترمون العشوائيات وسكانها وقت الانتخابات بوصفها كتلات تصويتية مؤثرة في الحركة الانتخابية ومحولة لنتائجها، وفي الوقت نفسه تنبذونها متى انتهت مصالحكم منها، أريد أن أسألكم هل ما يتم من إصلاحات يتلاءم مع حجم مخاطرها، أريد أن أسألكم هل مرشحينكم كأحزاب سياسية مؤيدة للنظام أو معارضة هم بالفعل من يستطيعون حماية أفرادها، أم أنهم هم من ساهموا في انغماسهم أكثر داخل ما تعانيه تلك المناطق والبيئات، هل مرشحينكم هم من قاوموا البلطجة أم أنهم من رفعوا شعارها.

الأسئلة لم تنتهي بعد، والإجابات لابد إلا تكون مغلفة بالوعود البراقة الكاذبة، لقد رضيت العشوائيات بما فيها وتعاونت مع الدولة في خطواتها قابلة القليل على أمل أن يأتي يوم تحصل فيه على حقوقها كافة، مساندة للدولة ولمؤسساتها تفعل ما يطلب منها ويخطط لها، إلا يكفيكم هذا، ألم تحكي لكم ثوراتكم وتفرق لكم جيدًا من هو الظالم ومن هو المظلوم.

اترك رد