مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الدكتورة سهير صفوت تكتب عن إيقاظ “الثقة النائمة” بين الزوجين

السكينة واحة الأسرة الآمنة

                                                       بقلم/ د. سهير صفوت

أستاذ علم الاجتماع المساعد كلية التربية جامعة عين شمس

        السكينة .. ما أروعها من لفظة تحمل بين جنباتها السكن والأنس والاستقرار والأمان وصدق الله العظيم إذ يقول: ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) الروم 21.

والمتأمل في هذه الآية البديعة يكشف عن دستور التعامل بين الزوجين والذي تتحدد أهم بنوده في «السكينة» ، وأدق آلياتها «المودة والرحمة».

وإذا كانت السكينة هي الاستقرار، فالمودة هي شعور متبادل بالحب يجعل العلاقة قائمة على الرضا والسعادة، ولله در القائل : “إن المحب إذا أحب حبيبه ، تلقاه يبذل فيه ما لا يبذل”

وأما الرحمة فهي وإن كانت صفة من صفات الحق عز وجل وتعني الفضل والإحسان والكرم، فهي بالنسبة للمخلوق تجعله يتعامل دوماً بالرأفة والعطف والرقة والحنان ومتانة الخلق، وشرف المسيرة.

وتدبر لفظ «السكينة» يشير إلى أن الرجل يجب أن يكون له موئل يمنحه السكينة فيشير الشيخ محمد رضا في تفسيره لقوله تعالى: “لتسكنوا إليها” ((إن المرء إذا بلغ سن الحياة الزوجية يجد في نفسه اضطراباً خاصاً لا يسكن إلا إذا اقترن بزوج من جنسه واتحدا ذلك الاقتران الذي لا تكتمل حياتهما الجنسية المنتجة إلا به)).

إذن الزوجة هي السكن وهي الواحة الظليلة التي يرفل في نعيمها الزوج فتستقر نفسه وتأمن حياته فيمنحها المودة والرحمة جزاءً لما منحته إياه من سكن واطمئنان فهي معادلة تبادلية واضحة المعالم، نتاجها المحبة والأنس والألفة التي يذوب فيها الزوجان فيصبحان كالنفس الواحدة.

وإذا كانت الزوجة هي أول طرف المعادلة فإن مسئولية الحفاظ على الأسرة تلزمها بمبادئ نجدها قد تجسدت في وصية «أمامة بنت الحارث» لابنتها أم إياس وهي وصية ليت كل أم تُعلِّمها ابنتها وتورثها إياها لتُصبح أُسرنا في المجتمع المسلم جنة ينعمُ فيها الأزواج والأبناء بالسكينة ، فالأسرة هي أبدع خلية ابتكرها العقل الإنساني الرشيد لأنها قائمة على فضائل أخلاقية وعلاقة إنسانية راقية تجمع القلوب، وتؤلف بينهما ويتبادل فيها الزوجان السكينة والمودة والرحمة، ويشتركان في توثيقها لينشأ الجنس البشري على أحسن حال من السواء الجسمي والنفسي مما يؤهله بحق لعمارة الأرض ومسئولية الاستخلاف.

وإن كنا لا نستطيع أن نسترسل في وصية «أمامة» فلنا أن نتأمل أجزاء منها:

((الصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ، ولا تفشي له سراً ، ولا تعصي له أمراً ، والتعهد لوقت طعامه والهدوء عند منامه)) وهي خصال إذا ما توفرت في المرأة أصبحت السكن الذي يركن إليها وتحقق الطرف الأول من المعادلة..

لكن ماذا عن الطرف الثاني ((المودة ، والرحمة))؟

إن الحديث عن المودة والرحمة ، يقودنا إلى أصناف الرجال وهم أربعة بحسب القسمة العقلية والواقعية .

قد يهمك ايضاً:

لاعب الزمالك: يكشف تفاصيل إصابته مع منتخب الشباب وموقف…

كدمة فى القفص الصدرى.. الزمالك يكشف تفاصيل إصابة حمزة…

  • رجل صاحب مودة ورحمة وهو الرجل المثالي الذي يسعد في حياته وتسعد المرأة معه.
  • رجل صاحب مودة بلا رحمة وهو الرجل الأناني المزاجي تنال المرأة من مودته على قدر ما تحقق له من أنانية ومزاجية وربما تدنت العلاقة بينهما إلى أدنى درجة إذا ضاق صدرها بنفسيته وأسلوبه.
  • رجل صاحب رحمة بلا مودة وهو الرجل الكاره لزوجته ولكنه صابر عليها لأسباب إنسانية أو أخلاقية وتبعاً لذلك فهو يشفق عليها ويرحمها وإن لم يستشعر من قلبه مودتها.
  • رجل لا صاحب مودة ولا رحمة وهو رجلٍ جاف الطباع سييء العشرة.

فإذا اقتربت الأسرة من الصورة المثالية على مستوى العلاقة بين الزوج والزوجة نعمت الأسرة بالأمن النفسي الذي تمتد ظلاله لينعم به الأبناء فينشئوا نشأة سوية بعيدة عن الأزمات والمشاكل.

ذلك لأن الأمن النفسي له ركنان لا تدوم العلاقة الزوجية بدونهما، أما الأول فيكمن في قدرة كل طرف على تحمل المسئولية، وأما الثاني فهو قيام الثقة بين الزوجين وثمرة ذلك أسرة تتنفس العطاء فتصبح أشبه بينبوع ماء أينما حلت سقت فأنبتت الأرض أكلها باذن ربها فينساب منها الدفء مترقرق الشعور بين صخور الحياة وأحداثها فيخلق نفوساً آمنة مطمئنة قادرة على تحمل المسئولية التي خلقها الله من أجلها.

ولكن ترى هل ترفل أسرنا المعاصرة في السكينة والمودة والرحمة؟ والإجابة بالنفي.. والتساؤلات لا تنتهي: ما الذي حدث ، ما الذي حل بالأسرة ، ما الذي هدد أمنها ، ما الذي قلص عطاءها؟ لماذا لم تعد قادرة على اكتساء الأرض خضرتها؟ .. ماذا عن زحمة الهموم والمادية المتوحشة وتصارع الطموحات؟.

الإجابة من وجهة نظري تكمن في انحرافنا عن منهجنا الإسلامي الذي فطرنا الله عليه وانحيازنا إلى حداثة مادية غربية تستند إلى أساس تعاقدي قانوني مادي لا مكان فيه لمفهوم تمايز الأدوار ، بل كل ما فيه تقديس الحق الفردي المطلق ، فالأمومة تمَّ الازدراء بها ، والعمل المنزلي رُوج له بأنه بطالة ووضعت المرأة نداً للرجل ، وزاد الصراع والتنافس، وأُهملت المسئوليات ، فتقلصت قيم التماسك والتضامن والتراحم فنتج عن ذلك زوال المسئولية العاطفية واهتزت ثوابت التعايش والتساكن ، وارتفعت معدلات الطلاق ، وعزف الذكور عن الزواج ، وتنامت العنوسة ، وتخلى الوالدان عن التربية وأوكلاها إلى المربية الالكترونية (الوسائط الالكترونية) التي تزرع العنف والقسوة والدموية ، ولم يسلم المسنون من الظلم والجور، ففقدوا مكانتهم ووظيفتهم التي طالما حظوا بها، واتسم الواقع بفوضى عبثية لا ضابط له ولا انتماء… واقعاً أعيته الحيرة والتمزق وهو يبحث عن سُلم النجاة.

وسلم النجاة لا يكمن في مؤتمرات أو توصيات دولية تفرض علينا صيغاً لإحياء أسرنا الإسلامية أو إنقاذها من مشاكلها، ولكنه يكمن في الرجوع إلى ما هجرناه من قيم دينية تحث على التماسك والتضامن.

وتبدأ أول درجات السُلم بمراجعة الذات، فيتعين على الزوجين أن ينظرا إلى ذاتيهما ويصححان من نفسيهما، مخلفين العادات السيئة التي جلبتها الحداثة المادية ، والعودة من طريق «المال»!

نعم، لقد ضُيعت بيوت وهُدمت أسر لاستنادها إلى عامل المال وحده في إدارة الأسرة ، فالفقير من لا يملك مالاً ، والأفقر منه من لا يملك سوى المال.

المال لا يشتري السعادة للتعساء، ولا الرحمة للقساة ، ولا العطف والحنان للجفاة ، أما القناعة فهي الغنى ، والطمع هو الفقر وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال فيما رواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص: ((قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما أتاه)) رواه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة باب في الكفاف والقناعة.

والخطوة الثانية في سُلم نجاتنا تتمثل في العلاقة الروحية بين الإنسان وربه ، ومن هذه العلاقة الروحية نستلهم الحب.

أقصد حب الله وحب الأسرة ابتغاء مرضاته تعالى، ومن يحب الله لا يغضبه، ومن يحب الله يرعى حدوده، ومراعاة حدود الله تبدأ من الأسرة كخلية مقدسة تتسم بعلاقة تعبدية يتفانى فيها كل فرد في خدمة الآخر ابتغاء رحمة الله ورضوانه.

وتنمو العلاقة الاجتماعية في رحم هذه العلاقة الروحية في صورة قيم أخلاقية تعيد لشبكة العلاقات توازنها ، وتسد الفراغ العاطفي الذي أصبح مثار شكوى عامة ، ويتيح للزوجين إقامة علاقة يسودها الحب والتفاهم ، وبذلك تتأسس الأسرة على أساس إيماني يستهدف إقامة حدود الله المتمثل في التعايش المشترك القائم على العدل والتقوى واحترام الآخر ، وفعل الخير وتوريثه وتربية الأجيال عليه.

تصبح الزوجة سكناً لزوجها ، ويصبح الزوج ملاذاً آمناً تأوى إليه الزوجة ، فهي إذا علمت أنه لا يبغضها ويحترم إنسانيتها وكرامتها لاذت إلى جنبه فكانت له سكناً يأوي إليه ويأنس بها، وهذا كله يستند إلى التركيز على إيجابيات كل طرف وإقصاء السلبيات وصدق رسول الله القائل: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضى منها آخر)) رواه مسلم.

وهذا الحديث يؤسس للتواصل الفعال الذي يكلله الحب ويتفرع منه جميع العواطف وتبنى فيه  الأبنية الشعورية على جدار متين أساسه الإخلاص القائم على أعمدة الصدق، وتتراص لبنات وفائه كأكمل ما يكون البنيان فينعكس على الأبناء بالأمن، فتنبت الأسر تباعاً من بذور الرحمة، والرحمة تولد الطمأنينة والسكينة.

حينئذ تنبض البيوت بالحياة الآمنة ويكون النتاج أبناءً قادرين على العطاء والبناء.

اترك رد