مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الدكتورة سهير صفوت تكتب عن أفضل الطرق لاحتواء المراهقين والمراهقات

في بيتنا مراهق!
د. سهير صفوت
أستاذ علم الاجتماع المساعد -كلية التربية – جامعة عين شمس

قد يهمك ايضاً:

علام يكشف مفاجأة جديدة بشأن التسريب الصوتي للحكم محمد عادل

تعرف على سبب غضب الجهاز الفني للأهلي من كهربا في مباراة ستاد…

هل المراهق شخص كبير مسؤول فى الأسرة أم أنه صغير لا يزال بحاجة إلى قبضة الأبوين وسيطرتهم عليه؟
يُقال إنَّ أصعبَ عمل يقوم به الشخص في حياته هو أن يكون أباً أو أمَّاً. ربَّما يكون هذا الشعور هو ما يحدث عندَ بعض الناس حتماً خلال سنوات المراهقة التي يمرُّ بها أبناؤهم. ربَّما يكون سلوكُ المراهقين محيِّراً، ومجهداً، ومؤذياً، ومثيراً حين يبلغ أطفالك سن المراهقة، تكون أنت قد وصلت إلى أصعب مراحل الأبوة.
غالباً ما تعانى الأسرة وخاصة الأم من أزمات فترة المراهقة التى يمر بها أبناؤها، فتُعد هذه الفترة من أخطر الفترات التى تمر على الأسرة والأبناء، فإن مرت بسلام، ستشعر الأم أن أبناءها وصلوا إلى بر الأمان. ومن ضمن الأزمات التى قد تمر على الأبوين، أن يبدأ أبناؤهم فى التمرد، والحديث إليهما بشكل غير لائق .. فلا يعرفون كيف يتصرفون حينها.
تقول إحدي الأمهات :
(ولادي تصرفاتهم بقت غريبة ماكانوش كدة وهما صغيرين أنا حاسة اني باتعامل مع أشخاص غريبة عني وده بيخليني متلخبطة وقلقانة..هل ده طبيعي؟؟).
(صوتهم بيعلى عليّ وبيجادلوني في كل حاجة ومش عاجبهم اي حاجة كانوا بيحبوها قبل كده، شوية فرحانين وطايرين من الفرحة وشوية زعلانين وفي منتهى الكآبة، أصحابهم أهم حاجة في حياتهم وبيقعدوا لوحدهم بالساعات، بدأوا يتمردوا على الثوابت والقواعد والعادات والتقاليد وخاصة الدينية والمجتمعية.. مبقوش يصلوا زي زمان، بدأو يغيروا طريقة لبسهم، حتى اصحابهم اتغيروا، خايفة يتمردوا ويقلدوا اللي حواليهم بالذات ان الزمن بقي صعب جدا مبقاش في دين ولا أخلاق وكل حاجة مقتوحة قدامهم ومُباحة).
وتقول أخري:
(ابني عصبي، عنيد، متمرد، لا يسمع الكلام! ينام النهار ويصحو الليل، يرفض كل شيء، ويعلو صوته عند الغضب! لا أفهم ماذا يريد؟ وكيف يفكر؟ ولا أدرى ماذا يحدث؟ وماذا أفعل معه؟).
حيرة، وتساؤلات كثيرة على لسان كل أسرة في بيتها ابن مراهق، أو ابنة تخطو بقدميها أولى عتبات الأنوثة.
ولقد وُصِفت المراهقة: بالمرحلة الصعبة، بالعاصفة، بمرحلة التمرّد والأزمات المتتالية… وهذه النظرة تعود إلى القرن الثامن عشر، حيث نرى في كتابات الفلاسفة وعلماء الاجتماع آنذاك، وأشهرهم “جان جاك روسو” ، وصفًا سلبيًا حادّا جدًا لمرحلة المراهقة ولشخصية المراهق، مثل:
(هدير الأمواج الذي يسبق العاصفة، هكذا تأتي همسات العواصف المتصاعدة لتنذرنا بالخطر الآتي من التغيرات المزاجية، نوبات الغضب المتكاثرة، التقلبات الذهنية المستمرة التي تجعل الولد خارج سيطرتنا، لذلك يجب أن تضع يدك على الحزام قبل أن تفقد كل شيء).
(وداعا أيتها الطفولة، هكذا يهتف المراهق من أعماق قلبه وهو يشعر أنه على أعتاب مرحلة جديدة من الرجولة أو الأنوثة، ثم يفاجأ بمن حوله مازالوا يعاملونه كما لو كان طفلا، فيحاول أن يقاوم، فيلقون عليه مسؤوليات وتبعات ضخمة كما لو كان كهلا).
وإذا أردنا تعريف المراهقة، نقول:
المراهقة هي سن العصيان والتحدي والثورة والقلق والعواطف الجياشة والتأرجح في الحالة المزاجية ..هذه المرحلة تتراوح فترة استمرارها ما بين عامين، وأربعة أعوام، لهذا تُعد مرحلة المراهقة من أخطر المراحل التى يعيشها الإنسان، وإن كانت من أجمل فترات العمر، حيث يرسم كل شخص فيها أحلامه وآماله التي يسعى نحو تحقيقها، وبين هذا وذاك ترتسم ملامح الخوف داخل الأسرة، حيث يصرخ الجميع: “فى بيتنا مراهق”.
والمراهقة مرحلة يتم فيها تحويل الفرد من كونه طيعا ينتمى انتماء كاملا للأسرة، وليست له معرفة مؤكدة لشخصيته وذاته، إلى شخص يبحث عن التفاوض بينه وبين العائلة ليحصل على استقلاليته الذاتية..
وتعتبر فترة المراهقة من أكثر المراحل العمرية اضطراباً، ليس فقط للأطفال الذين دخلوا حديثاً لتلك المرحلة، ولكن للأسرة بشكل عام، فإذا كان التفاوض جيدا وناعما ليس به شوائب، فتصرفات الشخص فى هذه المرحلة سوف تكون فى الحدود الطبيعية، ولن تؤثر على طبيعة التعامل فى الحياة أو تحصيله الدراسى، أما إذا كان التفاوض شاقا، وغالبا ما يرجع هذا الأمر إلى الأسرة التى ترفض أن تقتنع بأنه من الطبيعى انفصال الابن بذاته عن سيطرتها، ومن ثم لن تتحكم فى تصرفاته، ومن ثم لا يتيح الأبوان وجود أى مساحة للحوار والنقاش بينهما وبين الابن المراهق، كما لا تعطيه الفرصة لأن يكتشف قدراته ويحقق ذاته، فبسبب تلك المشكلات ينشغل الابن عن التعلم دفاعا عن “كينونته”، ومن ثم سوف يقل تحصيله الدراسى، بالإضافة إلى أنه يبحث عن مثل أعلى خارج المنزل، وذلك على أحد مستويين، الأول إيجابى والآخر سلبى، فإن الجانب الإيجابى يبحث فيه المراهق عن بديل للأب وليكن معلمه، حيث يهتم بالتودد إليه وسماع كلامه، بينما النمط السلبى فهو يجعل المراهق مستفزا دائما راغبا فى إخراج شحنة العنف التى بداخله، فيقوم بأفعال تثير الشغب، وذلك تجاه الأكبر منه، ومنهم مدرسوه.
وهذا يعني أن المراهق يبحث عن هويّة له، هويّة جديدة… من أنا؟ ماذا أريد أن أصبح في الـمستقبل؟ ما هي الأخلاقيّات الّتي سأتبنّاها؟
إن العمل الذهني الذي يقوم به المراهق يعكس رغبته في رسم استراتيجية جديدة لنفسه، استراتيجية من اختياره هو، لا من اختيار الراشدين، وهذه الاستراتيجية تتمحور حول السؤال الجوهري: من أنا؟ إضافة إلى التساؤلات العديدة حول المنحى الذي سيتخذه مستقبله (النجاح أو الفشل في المدرسة، التطلعات المهنية، التعليم الجامعي، التوظيف، الزواج، المسؤوليات العائلية…).
ومن المهم أن يشعر المراهق أن ما يحدث له من تغير، إنما هو أمر عادي، متوقع ومقبول، وأن هذه التغيرات تحدث لكل الناس دون استثناء.
وبرغم صعوبة فترة المراهقة لكل من الأبناء والآباء، إلا أنها قد تكون مرحلة مهمة لبناء جسور الثقة بينهم وزرع القيم فى نفوس الأبناء، ومساعدتهم على تحمل المسؤولية، وقد تكون طريقة التوجيه فى فترة المراهقة من أكثر المشكلات التى تحتاج إلى تصحيح المفاهيم لدى الآباء.
فهناك عبارات يكره الأبناء سماعها وتكرارها، كحديث الآباء عن فترة مراهقتهم وتحملهم للمسؤولية والظروف الصعبة التى واجهتهم فى الحياة والدراسة أو حجم المجهود المبذول فى الوصول إلى المدرسة مثلا.
كما أن توجيه الأوامر بلهجة حادة ودون تفسيرها أو توضيح الغرض منها، يعد أكثر المشكلات التى تسبب سوء العلاقة بين المراهقين وآبائهم فى فترة المراهقة.
ونقترح هنا مجموعة من المقترحات التي تسهل احتواء المراهق والتعامل معه :
1. كن صديقا لابنك قبل أن تكون له آمرا، فهو ليس جنديا ينتظر الأوامر، حاوره وتناقش معه لأن طبيعة العصر اختلفت، فهناك مؤثرات يصعب حصرها اليوم كالانترنت والقنوات المتنوعة.
2. لا تجعلهم يجرونك إلي ملعبهم: فالمراهق انفعالي بطبعه، وصوته عال، وعنيد؛ لذا تحكم في أعصابك والتزم الهدوء لتطفيء نار الموقف.
3. ابنك جيد، لكن تصرفه سيء: لذا فالمدخل للمراهق المتمرد عبارة: (أنا أحبك، لكن لا أحب تصرفك هذا).
4. كيف فعلت ذلك؟ بدلا من: لماذا فعلت ذلك؟: فسؤال (لماذا؟) يضع المراهق في وضعية دفاعية هجومية.
5. كن واضحاً: فالمراهق لا يحب التعليمات.. كن واضحاً فيما تريد، وما تطلب، وما تتوقع من نتائج في صورة عبارات مختصرة.
6. ضع قواعد للمنزل، ولا تتنازل أبداً عن الإنصياع لها وتعامل بصيغة تعاقدية.
7. اغرس الثقة، بزيادة جرعة الثناء والمدح على تصرفاته وشكله.
8. لا تفرض رأياً بل حدد الإختيار، وعواقبه واترك له الأمر.
9. ضع في اعتبارك دائماً أن الإقناع أفضل من الترهيب …. والمرونة أفضل من التسلط….فالتسلط لا يؤدي إلا للتمرد.
وآخيرا نقول: إن التربية علي الصداقة من الصغر، واتباع أسلوب الحوار والمناقشة يقي المراهق سلبيات هذه المرحلة.

اترك رد