الدكتورة دعاء توفيق تكتب عن محمود البنا وتتساءل عن الشهامة: شروق أم غروب؟
محمود البنا
وهل ستشرق الشهامة أم ستغرب؟
بقلم/ د. دعاء توفيق
تردد على مواقع التواصل الاجتماعى المطالبة بإعدام محمد راجح قاتل محمود البنا شهيد الشهامة كما أطلق عليه، ولكن ما هي الشهامة؟
تعني الشهامة في كلام العرب: الحمول، الجيد القيام بما يحمل، الذي لا تلقاه إلا حمولًا، طيب النفس، وقيل هي: عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تستتبع الذكر الجميل. فالشهامة خلق عربى أصيل تميز العرب به.
ونحن دائما نقرن الشهامة بـ(الجدعنة) وهى من صفات العظماء، تشيع المحبة فى النفوس، وتزيل العداوة بين الناس، فيها حفظ الأعراض، ونشر الأمن فى المجتمع. إنَّها علامة على علو الهمة، وشرف النفس، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنه.
عن عائشة أمِّ المؤمنين فى بداية نزول الوحى، والذى فيه قول خديجة لرسول الله (كلَّا واللَّه لا يخزيك اللَّه أبدًا، إنَّك لتصل الرَّحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقرى الضَّيف، وتعين على نوائب الحقِّ). إذن، هى مساعدة الملهوف والمستغيث لوجه الله تعالى .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن ولاه الله عز وجل شيئًا مِن أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتِهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره ))، فمن يمنع نفسه عن مساعدة الناس، ويحول دون قضاء حوائجهم، ويعوق مصالحهم من أجل مصلحته الخاصة، يحرمه الله من قضاء حوائجه.
فمن يشق على الناس مطالبهم، ويؤلمهم ويؤذيهم، دعا عليه رسول الله بأن تصبح حياته شاقة، مليئة بالمتاعب، والعكس فمن يرفق بالناس وظروفهم وييسرها عليهم، دعا له الرسول بالحياة الميسرة الكريمة.
وقد كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أسرعَ الناس وأشجعَهم إلى الغوث والنجدة وإعانة ذو الحاجة -الملهوف- صدقةٌ وقربة يتقرَّب بها المسلم إلى ربه جل وعلا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((على كل مسلم صدقةٌ))، قالوا: يا نبي الله، فمَن لم يجد؟ قال: ((يعمل بيده ويتصدق))، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: ((يعين ذا الحاجة الملهوف)).
ومما سبق يتضح أن الشهامة واجب على كل إنسان، وخلق أصيل فى الأديان، وإعانة الملهوف والمستغيث صدقة؛ فالصدقة ليست بالمال فقط، ولكن بقول كلمة الحق، لاسترداد الحقوق . وصدقة الصحة بإعانة المستغيث ومن هو فى ضائقة لإشباع حاجاته.
ولكن ماذا حدث للشهامة (الجدعنه) ؟
تؤكد شواهد الواقع ومعطياته، أن الشهامة باتت فى خطر، توشك على الغروب لأسباب داخلية وخارجية، من أهمها:
- فقدان الوحدة الاجتماعية كسمة أساسية للحداثة، مما أدى إلى فسخ العقد الاجتماعي، فبدلاً من المحافظة على حق الآخر فى الملكية والكرامة وإبداء الرأى وحرية المعتقد أصبح البقاء للأقوى (مال- سلطة- بلطجة)، وكأن حقوق الإنسان أسطورة ميتافزيقية نتشدق بها كلما لزم الأمر.
- أصبح هناك صراع بين التمسك بالمال والتمسك بالقيم بسبب الرأسمالية المتوحشة وأمام مغريات الحياة، وقد حُسم الصراع فى أغلب الأحوال لصالح المال، واستهداف الغنى والثراء. وحين أصبحنا نعيش حالة تناقض بين المصلحة العامة والانصراف للشأن الخاص حُسم الأمر لصالح الشأن الخاص، وأصبحت (مصلحتي) فوق كل اعتبار، ومن ثمَّ أصبحت قيم النفاق والوصولية والنفعية والتواكل والصعود على أكتاف الآخرين صفات مرغوبة ومقبولة بل مرحبًا بها رسميًا وشعبياً.
- انصراف الأسرة عن الاهتمام بالقيم الدينية والخلقية وانشغالها بالكسب المادى من أجل تلبية احتياجات أفرادها.
- التدين الشكلى والبعد عن جوهر الدين.
- القرية الكونية التى نعيش عليها وتلك الثورة المعلوماتية والتقنيات الحديثة التى قضت على الحدود الزمانية والمكانية فهددت الهوية العربية والقيم الدينية… ورسخت القيم المادية والنفعية والبراجماتية فكلما تقاربت المسافات الجغرافية تباعدت العلاقات الاجتماعية وتضاءلت المسئوولية تجاه الآخر، وأصبحت القوة والغلبة للمال والسلطة يتباهى بهما أى إنسان لفرض سيطرته على الضعفاء ومن هم أقل منه فضلًا عن ترويع الآخرين، مما يجعل المناضلين الشرفاء في اختبار عسير وغالبًا ما يكونون عبرة إذا ما انتفضوا من أجل الحق بهدف إسكاتهم عن نصرة الحق.
فجاءت قضية البنا ضمن أجراس الخطر التى تدق علينا منذ عقود، ولكى تعلن الشهامة أوان غروبها لأن شهداءها فى المجتمع كُثَّر، وسيعاقب كل شهم على شهامته وكل قائل للحق ومدافع عنه، وسيتم الانتقام منهم في محاولة مستمرة ليكف الجميع عن قول الحق.
ولكن!!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخير فى، وفى أمتى إلى يوم الدين ). وتأتى البٌشرى من قرية تلا وشبابها وتسرى فى جسد المجتمع المصرى معلنة رفض غروب الشهامة ومطالبة بضرورة القصاص من القاتل ومناصرة الحق والوقوف بجانب الضعيف لينال حقه من القوى فى كل مكان.
أي أننا بصدد سطوع طاقة نور مبشرة بشروق شمس الشهامة مرة أخرى. ومع ذلك فإني أرى في الأفق غيما كثيفًا محيطًا، ويضطرب فؤادي بالتساؤل: هل ستشرق الشهامة من وسط الغمام أم سيتكاثف عليها ويتكاثف؟ اللهم ناصر المؤمنين بحقوقهم انصر الشهامة وأهلها في كل مكان.