الدكتورة دعاء توفيق تكتب عن ظاهرة التنمر والمتنمرين والمتنمرات
الذكاء العاطفى والاجتماعى
مدخلا لعلاج التنمر
بقلم د. دعاء أحمد توفيق
تردد على مسامعنا فى الآونة الأخيرة لفظة (التنمر) أو كما يرددها الشباب bulling، وما يهمنا في هذه المقالة توضيح معنى التنمر، والوقوف على أسبابه ومظاهره وآثاره، وأخيرا بيان طرق علاجه.
بداية، التنمر: هو مضايقة شخص لشخص آخر، أو مجموعة أشخاص لشخص وتعمد إيذائه بشكل متكرر نفسيأ أو بدنياً دون مبرر سوى أنه أضعف من الناحية الجسمية أو الإدراكية أو المادية أو المكانة الاجتماعية.
وقد يكون التنمر مجتمعيا من خلال نشر الأكاذيب والشائعات. وذكر دان ألويس مفهوم المتنمر داخل المدرسة بأنه صاحب أفعال سلبية متعمدة لإيذاء شخص آخر، مثل التوبيخ، الشتائم، التهديد، وقد تصل إلى الضرب والركل، والطرد من المجموعة وعزل المتنمر عليه بعيداً عن كل الأصدقاء، أو توجيه عبارات، أو إشارات عنصرية، أو استخدام الابتزاز والتهديد للسيطرة على المتنمر عليه.
أسبابه:
ضعف المهارات الاجتماعية والذكاء العاطفى الذى يتولد من :-
1- الفقر والحرمان عند بعض الناس، فيولد طاقة سلبية كبيرة من العنف والاضطهاد والحقد، يتم تفريغها فى صورة عنف لفظى تجاه الآخرين، أو من خلال سلوكيات منحرفة فى شكل عنف مادى بدون سبب أو وجه حق، سوى أن المتنمر عليه أضعف فى أى وجه من الأوجه سالفة الذكر.
2- وقد يُوَلّدُ الغنى والتدليل المفرط، طاقة سلبية من اللامبالاة والاستهتار، وعدم الاكتراث بمشاعر الآخرين والتسلية بإيذائهم وعمل المقالب وإهانة المتنمر عليهم وسط الناس، والاعتقاد بأن من حق المتنمر الهيمنة على الجميع ولا أحد يعلوه.
3- العنف الأسرى: فالتعرض للعنف داخل الأسرة وممارسته يعمل على تخزين طاقة سلبية عدوانية داخل الطفل مثل: الاعتداء على المتنمر نفسه، أو اعتداء الأب على الأم بالألفاظ الجارحة أو الضرب، أو اعتداء الأخ الأكبر على الأصغر منه. كما تشجع بعض الأسر أطفالها على استخدام العنف واعتبار أنهم يربون شخصية قوية. وإهمال أى تنمر يمارسه الطفل يجعله فى الكبر يمارس نفس السلوك.
4- العنف فى وسائل الإعلام : فقد أصبحت الدراما والسينما تمجد من الشخص العنيف وتجسده فى شكل البطل وابن البلد الجدع الذى لا يغلبه غالب ولا يقدر عليه أحد فى الكون. مما يرسخ تلك الصورة السلبية فى العقل الباطن للأطفال والمراهقين والشباب. ويجعلوه قدوة لهم وبالتالى تتكون لديهم الرغبة فى ممارسة العنف فى الواقع من خلال شلل الأصدقاء، وتكوين ما يسمى بالعصابات داخل المدرسة.
5- العنف الإلكترونى: حيث وجود كم هائل من الألعاب الالكترونية العنيفة، التى تجعل الضرب واستخدام الأسلحة وصور الدم شيء عادى بالنسبة للأطفال والمراهقين والشباب، فيجلسون يمارسونها لساعات طويلة، مما يخزن بداخلهم بشكل لا شعورى وفى عقلهم الباطن الرغبة فى ممارسة هذا العنف فى الواقع وأن الغلبة للقوى الذى يجيد استخدام العنف على الضعفاء.
آثاره ومظاهره:
يعد الشعور بالقلق والاكتئاب والاغتراب من أهم آثار التنمر، وبالتالي كراهية التعليم وترك المدرسة، أو كراهية مكان العمل، والعزلة والإنطواء، أما كراهية النفس وتعمد إيذائها والتى قد تصل إلى الانتحار فيعد من أخطر آثاره. ومن أشهر حالات الانتحار، حالة الفتاة أماندا ميشيل تود فى 2012 والتى كانت تبلغ من العمر 15عاماً بسبب التنمر الالكترونى والواقعى.
العلاج
إن القدرات العقلية ليست كافية لنجاح الإنسان فى مختلف الجوانب الحياتية وإن عامل الذكاء يسهم بنسبة 20% من العوامل التى تحدد نجاح الفرد فى الحياة وقدرته على حل ما يواجهه من مشكلات، تاركاً 80% للعوامل الأخرى التى يمتلكها الفرد والجماعة ومن بينها الذكاء العاطفى الذي يعمل على استثمار طاقات الفرد فى مواجهه الإحباطات والتحكم فى الإندفاعات، وتأخير بعض الإشباعات، وتنظيم الحالات المزاجية، والحفاظ على الفرد من الانتكاسات الانفعالية فى مواجهة مشكلات الحياة فى إطار التفاعل الاجتماعى داخل المجتمع على كافة الأصعدة فى البيت والمدرسة ومكان العمل وحتى فى الأماكن العامة.
فالأفراد الذين ينعزلون عن سياقهم ومحيطهم الاجتماعى غالبا ما يحققون مستويات متدنية من النجاح مما يدفعهم إلى التعبير عن آلامهم بانتهاج مستويات من العنف ضد أنفسهم أو ضد الآخرين.
فما هو الذكاء العاطفى؟ وكيف يمكن تنميته لعلاج التنمر؟
الذكاء العاطفى هوقدرة الفرد على التعرف على عواطفه وفهمها، وإدارك مدى تأثيرها على الأفراد من حوله، والتحكم فى مشاعره وضبطها من جهة، وفهم وإدراك مشاعر الآخرين من جهة أخرى، وبث التفاؤل والحماس فى نفسه وفى الآخرين، مما يؤدى إلى تكوين علاقات اجتماعية ناجحة.
ويرى ماير وسالوفى أن الأفراد الذين ينمون مهارات الذكاء العاطفى يستطيعون فهم مشاعرهم ومشاعر الآخرين بوضوح، وكذلك التمييز بينهما، ويستخدمون الذكاء العاطفى والاجتماعى فى التكيف مع ضغوطات الحياة، والنجاح بإذن الله فى مختلف المجالات.
وتنمية الذكاء العاطفى تبدأ من الأسرة ثم المدرسة ويحتاج هذا إلى أن يكون الآباء والأمهات والمربين والمربيات قدوة لأبنائهم فى وعيهم بذاتهم، وتحكمهم فى انفعالاتهم وفى التعبير عن عواطفهم وإحساسهم بالآخر وبمشاعره، وفى التفاؤل والحديث الإيجابى والتعاطف مع الآخرين؛ فشخصية المربى (بوصلة) يسترشد بها الأبناء فى أقوالهم وأفعالهم، وهى الأساس فى التربية وليس الأوامر والنواهى والقسوة.
كما يمكن تنمية الذكاء العاطفى من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية من خلال: (المناهج الدراسية – دورالعبادة – الإعلام الرسمى وغير الرسمى والإلكترونى)، فى إطار تدعيم القيم والفضائل ومكارم الأخلاق مثل: (حب لإخيك ما تحبه لنفسك) . ( تحمل المسؤولية عن أى قول أو فعل يؤذى الآخر من خلال العقاب الفورى) . (معايشة مواقف حياتية تجعل الفرد يشعر بالآخر مثل: مساعدة المحتاجين، والمشاركة الاجتماعية فى الأحزان والأفراح، والإثابة على ذلك) .
فيتمثل فى سلوكياته ثلاثية الذكاء العاطفى لعلاج التنمر:
1- التقبل : وهى أن يتقبل الآخر كما هو بما فيه من إيجابيات وسلبيات.
2- القبول : أن يركز على إيجابيات الآخر ويتعامل معها.
3- التقدير : أن يقدر دائما ما يقوم به الآخر ويعطيه الاهتمام.
أما بالنسبة للمتنمر عليهم، فالذكاء العاطفى والاجتماعى ينمى لديهم الثقة بالنفس وعدم الإكتراث بما يفعله المتنمر، أو الانتباه إليه، أو إظهار الغضب أو البكاء مما يفعل، ولكن ترك المكان وعدم إعطائه الفرصة لمضايقته، بل توجيه رساله له بوجه هادئ واثق يقول: (أنا لا يعنينى ما تفعله).