الدعم العيني أم الدعم النقدي
بقلم – د. إسلام جـمـال الـديـن شوقي
خــــبـيـر اقــــتصـــــــــــادي
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
إن قضية التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي هي من القضايا الشائكة متعددة الأبعاد وذات تأثيرات عميقة على الاقتصاد والمجتمع المصري بأسره ومن أجل فهم تلك القضية يجب أن ننظر إليها من عدة زوايا مختلفة منها الكفاءة الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، الآثار قصيرة وطويلة المدى، وعلاقتها بالتضخم.
فمن منظور الكفاءة الاقتصادية يمكن القول إن التحول إلى الدعم النقدي يحمل إمكانات كبيرة لتحسين أداء الاقتصاد المصري لأن النظام المعمول به الآن المتمثل في الدعم العيني يعاني العديد من المشاكل أبرزها الهدر الكبير في عمليات التخزين والتوزيع فعلى سبيل المثال تشير بعض التقديرات إلى أن نسبة كبيرة من الخبز المدعوم في مصر يتم إهداره أو استخدامه كعلف للحيوانات، وهذا الهدر لا يمثل فقط خسارة مالية للدولة، بل أيضًا يمثل سوء استخدام للموارد الاقتصادية النادرة.
أما عند التحول إلى الدعم النقدي فإنه يمكن أن يعالج هذه المشكلة بشكل جذري فبدلاً من تخصيص موارد ضخمة لشراء وتخزين وتوزيع السلع المدعومة، ستتمكن الدولة من توجيه الدعم مباشرة إلى المستفيدين في شكل نقدي وهذا من شأنه أن يوفر على الدولة تكاليف إدارية وتشغيلية كبيرة، ويقلل من فرص الفساد والتلاعب في منظومة الدعم.
علاوةً على ذلك، فإن الدعم النقدي سيمنح المواطنين حرية أكبر في اختيار السلع والخدمات التي يحتاجونها فعلياً، ولكن هذه الحرية في الاختيار لها تأثيران إيجابيان: أولاً، ستمكن المواطنين من تحقيق أقصى استفادة من الدعم وفقاً لاحتياجاتهم الفردية، ثانياً ستخلق حافزاً للمنتجين لتحسين جودة منتجاتهم وخدماتهم لجذب المستهلكين، مما قد يؤدي إلى تحفيز المنافسة وتحسين الإنتاجية في الاقتصاد ككل.
وعند النظر من زاوية العدالة الاجتماعية فإنه يمكن للدعم النقدي أن يكون أكثر استهدافاً للفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع لأن نظام الدعم العيني الحالي غالبًا ما يستفيد منه الجميع بغض النظر عن مستوى دخلهم، مما يؤدي إلى توزيع غير عادل للموارد، أما الدعم النقدي فإنه يمكن تصميمه بحيث يستهدف الفئات الأكثر فقراً بشكل أكثر دقة مما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية بشكل أفضل.
ومن الهام جدًا أن ندرك أن هذا التحول لن يخلو من بعض التحديات ففي المدى القصير قد نشهد ارتفاعاً في أسعار بعض السلع الأساسية نتيجة زيادة الطلب عليها، وقد يؤدي هذا الارتفاع إلى زيادة مؤقتة في معدلات التضخم، وقد يؤثر سلباً على القدرة الشرائية للفئات الأكثر فقراً في المجتمع، لذا فإنه من الضروري أن يتم التحول بشكل تدريجي ومدروس مع وجود آليات لحماية الفئات الأكثر تأثرًا بهذا التحول.
ولتوضيح العلاقة بين التحول للدعم النقدي والتضخم، فهي علاقة معقدة ومتعددة الأوجه ففي المدى القصير يؤدي التحول من الدعم العيني للنقدي إلى زيادة مؤقتة في معدل التضخم، ولكن على المدى الطويل يمكن لهذا التحول أن يساهم في السيطرة على التضخم من خلال عدة آليات:
تقليل العجز في الموازنة العامة من خلال تقليص الهدر وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، ويمكن للدعم النقدي أن يساهم في تقليل العجز في الموازنة وسيؤدي بدوره إلى تقليل الحاجة إلى التمويل التضخمي (طباعة النقود) لتغطية العجز.
تحسين آليات السوق لأن التحول إلى الدعم النقدي يسمح للأسعار بأن تعكس التكلفة الحقيقية للسلع والخدمات مما يؤدي إلى تخصيص أكثر كفاءة للموارد الاقتصادية ويمكن أن يساهم هذا في زيادة الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي، مما يساعد في مكافحة التضخم على المدى الطويل.
تقليل الضغوط على سعر الصرف لأن النظام الحالي للدعم العيني يتطلب استيراد كميات كبيرة من السلع الأساسية، مما يضع ضغوطاً على احتياطيات النقد الأجنبي وسعر الصرف أما في حالة التحول إلى الدعم النقدي يمكن أن يقلل من هذه الضغوط، مما يساعد في استقرار سعر الصرف وبالتالي السيطرة على التضخم المستورد.
ولا شك أن نجاح عملية التحول من الدعم العيني إلى النقدي تعتمد بشكل كبير على كيفية التنفيذ فمن الضروري وجود نظام فعال لتحديد المستفيدين الحقيقيين وضمان وصول الدعم إليهم، كما أن التحول من الدعم العيني إلى النقدي في مصر هو خطوة هامة نحو إصلاح الاقتصاد المصري وجعله أكثر كفاءة وعدالة، ولكن لنجاح ذلك يتطلب تخطيطاً دقيقاً، وتنفيذاً حكيماً، ومتابعة مستمرة لتأثيراته على مختلف شرائح المجتمع ، كما أنه من الضروري بل ومن الهام جدًا أن يصاحب هذا التحول سياسات اقتصادية أخرى لتحفيز النمو وخلق فرص العمل وتحسين شبكات الأمان الاجتماعي، حتى يتمكن الاقتصاد المصري من جني الفوائد الكاملة لهذا الإصلاح الهيكلي الهام للاقتصاد.
التعليقات مغلقة.