الحضور الأوروبي كصمام أمان للاستقرار الإقليمي
بقلم – الدكتور عادل عامر
ان هذا الحضور الأوروبي المكثف على مستوى القادة، وإن كان في دلالاته السياسية إشارة لافتة للقاصي والداني على قناعة المجتمع الدولي بالوضعية السياسية المتميزة لمصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي وريادتها للمنطقة ودورها الذي لا غنى عنه كصمام أمان للاستقرار الإقليمي، إلا أنه وعلى الجانب الآخر سيفتح دون شك صفحة جديدة تستمد معها السياحة الأجنبية الوافدة لشرم الشيخ قوة زخم غير مسبوقة.
أن هذه القمة تمثل نقلة نوعية في اتفاق الرؤى الدولية حول المواجهة المشتركة لتمدد جماعات وعناصر الإرهاب، أن هذه القمة التاريخية المرتقبة تكشف مدى التقارب العربي- الأوروبي أن التهديدات المتنامية والتحديات المشتركة التي يخلقها الإرهاب الدولي والتطرف، ويوجهها العالم العربي وأوروبا، تجعل وقوف الطرفين متحدين ضد الإرهاب أمراً ضروريّاً. لا شك في أن تجفيف المنابع الاقتصادية للجماعات الإرهابية من أهم سبل مواجهة الإرهاب.
كما غيّرت الأحداث رؤية أوروبا للضفة المقابلة. فمنذ سنة 2011، هيمن الارتياب والشك على وجهة نظر أوروبا لدول شمال أفريقيا والشرق الأوسط. أصبحت الهزات والموجات الهائلة من العنف في العالم العربي مصدرا رئيسيا للقلق الأوروبي.
وبالتالي انخفض الحديث الصاخب الذي ساد قبل “الربيع العربي” حول حقوق الإنسان والديمقراطية، وإن لم يخفت صداه تماما. كانت العديد من أحلام السياسات المتوسطية المتضافرة والحوار العربي- الأوروبي غير واقعية منذ اليوم الأول.
على مدى عقود، دافع صانعو السياسات في المنطقة المغاربية وبقية العالم العربي عن فكرة التنمية المشتركة بين ضفتي المتوسط. وفي الواقع كان لكل طرف أولوياته وقيوده الخاصة. وكان العائق الأساسي الدائم هو الاقتصاد.
لطالما كانت المفاوضات حول الطابع الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي عملا “بلا مشاعر”، حيث تأتي مصالح أوروبا أولا. ما زال الوضع على حاله اليوم فيما يواجه الاتحاد الأوروبي مشاكله الاقتصادية الخاصة وجرح بريكست.
تحاول مصر التي ينظر إليها الأوروبيون كقطب لاستقرار لا غنى عنه ويقع فيها مقر الجامعة العربية، أن تستعيد دورها على الصعيد الدولي بعد الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أعقبت ثورة 2011.
وإذا كان الجانب الأوروبي أكثر انقساما من أي وقت مضى، فإن انقسامه يأتي في المركز الثاني بعد الأولويات الاقتصادية والمصالح الأساسية لكتلته. وسيعالج القادة مجموعة واسعة من القضايا والتحديات المشتركة، مثل التجارة والاستثمار والأمن وتعددية الأطراف والقواعد العالمية القائمة والهجرة والوضع في المنطقة. مصر مستعدة الآن ربما لتعميق التعاون معنا فيما يتعلق بالمحادثات، ويتحتم علينا الاستفادة من ذلك”.
وتعقد القمة تحت شعار “الاستثمار في الاستقرار” والتي تركز على أهم التحديات التي تواجه الجانبين العربي والأوروبي وكيفية تحقيق الاستقرار في المنطقة ومخاطر الإرهاب، وعملية السلام. تحظى القمة بحضور رفيع المستوى لملوك ورؤساء ومسؤولي الدول المختلفة، بما يعكس مكانة مصر في هذه الفترة، منوهاً بأن هذا الملتقى يمثل فرصة كبيرة لبحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك،
لعل في مقدمتها مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وجهود تحقيق التنمية، مؤكداً في الوقت ذاته أهمية البناء على ما تحقق خلال مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي الناجحة في أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن مؤخراً، حيث تضمنت كلمته إطلاق رسائل مهمة حول تحديات العصر الراهن، وضرورة التكاتف والتعاون الدولي، لوضع وتنفيذ آليات قوية وفعالة لمكافحة الإرهاب، وتحقيق الأمن لجميع الشعوب، فضلاً عن أهمية تصويب الخطاب الديني لمواجهة الفكر المتطرف.
أن موقف الاتحاد الأوروبي من القضية الفلسطينية هو موقف جيد، والي حد كبير هو داعم لإيجاد حل عادل وسلمي وشامل لهذه القضية وفقا للمرجعيات الدولية المتعارف عليها. ضرورة تعزيز دور الدبلوماسية البرلمانية من خلال الشراكة والتعاون بين البرلمان العربي والبرلمان الأوروبي. أن القمة ستسعي لحل الأزمات في إطار الرغبة لمزيد من التعاون بين المجموعتين العربية والأوروبية وتحقيق أهداف المصالح المشتركة
ومناقشة سبل مواجهة الهجرة غير الشرعية، وكذلك التعاون التكنولوجي خاصة في ظل الاكتشافات الجديدة التي تتم في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ستركز أعمال القمة التي تستمر يومين على محوري الاقتصاد والسياسة ، حيث ستتناول بالبحث والمناقشة التحديات المستقبلية التي تواجه العلاقات العربية والاتحاد الأوروبي ، وأبعادها الأمنية والسياسية والسياسة الخارجية، وعلاقات التعاون الأوروبية مع العالم العربي،
وسبل الاستفادة القصوى من الإمكانات المتاحة في مجالات البنية التحتية، والسياحة، والتجارة والعقارات وستتطرق لقطاع الشحن ، وآفاق العلاقات المستقبلية بين أوروبا والعالم العربي والتواصل الثقافي والتربوي بين الطرفين.
من المقرر ايضا أن تناقش القمة من خلال البنود المدرجة على جدول أعمالها العديد من الموضوعات من أبرزها اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر في أوروبا والعالم العربي، ودور قطاع النقل في تعزيز النمو في حركة التجارة والاستثمار البيني، والدور الأوروبي المحتمل في تنمية وتطوير الاقتصاد الرقمي في المنطقة العربية بالإضافة إلى التغير المناخي
و مجال الطاقة، كما تخصص القمة جزءا من المناقشات بشأن العلاقات الثنائية العربية – اليونانية ، وتبحث في فرص الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقتين ، حيث ينتظر طرح “مشروع نيوم” ضمن المشاريع الضخمة على طاولة القمة كفرصة للاستثمار والشراكة.
وتتميز العلاقات العربية اليونانية بصفة عامة ، والعلاقات بين القاهرة وأثينا بصفة خاصة ،بأنها عميقة وممتدة ، حيث تؤكد مصر دائما على الأهمية الاستراتيجية لليونان ، وتعتبرها بوابتها لدول البلطيق ، كما تعتبر اليونان مصر بوابتها إلى الدول الإفريقية والتي تزخر بالعديد من الفرص الاستثمارية الكبيرة ، وعلى الرغم من أن أرقام التبادل التجاري بين البلدين لا تعكس الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها كل من مصر واليونان، إلا أن الصادرات المصرية لليونان بلغت 148 مليون دولار خلال الفترة من يناير وحتى نهاية أغسطس الماضيين ٠وبلغ حجم الواردات المصرية من اليونان 173 مليون دولار خلال نفس الفترة ، إلى جانب وجود 125 شركة يونانية عاملة بمصر برأسمال مقداره 227.65 مليون دولار ،
وتتنوع مجالات عملها في قطاعات التمويل، والصناعة، والخدمات، والإنشاءات، والسياحة، والزراعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات . وتتمثل أهم الصادرات المصرية للسوق اليوناني في المنتجات الكيماوية والأسمدة، والحاصلات الزراعية، ومواد البناء، والصناعات الغذائية، وعلى الجانب الآخر تعد الحاصلات الغذائية، ومواد البناء، والسلع الهندسية والإلكترونية، والصناعات الغذائية أهم الواردات المصرية من اليونان ، وتسعى مصر جاهدة لزيادة تلك الاستثمارات خلال المرحلة المقبلة من خلال تكثيف الندوات والاجتماعات بين الجانبين للتعريف بفرص الاستثمار في مصر، وتكثيف الاجتماعات الثنائية لرجال الأعمال والمستثمرين في كلا البلدين
كما يعمل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، عبر إطار عمل الحوار الاستراتيجي بينهما، على تشكيل مجموعات عمل لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة المنظمة. وفي مجال الإنذار المبكر والاستجابة للأزمات عمل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012 على دعم مشروع تعزيز قدرات الاستجابة للأزمات لدى جامعة الدول العربية، حيث ساعد مبلغ 4.4 مليون يورو على تمويل إعداد غرفة أزمات جامعة الدول العربية وتهدف إلى تعزيز قدرات جامعة الدول العربية على الاستجابة للأزمات.
روابط عديدة ومحورية ومحاور تستند اليها العلاقات العربية الأوروبية لا تستمد فقط عمقها وتنوعها من صفحات التاريخ وخطوط الجغرافيا بل باتت تتخطاها مع تنامي مخاطر مشتركة في مقدمتها الإرهاب ومكافحته وموجات الهجرة غير الشرعية وصولا إلى التنافس الدولي في نظام عالمي متغير، فرضت جميعها في هذا التوقيت وضع النقاط فوق الحروف لتدشين مسيرة جديدة يعلى فيها الطرفان المصالح المشتركة فوق تباين وجهات النظر، ولم يكن مستغربا بعدما أدرك الطرفان أن الوقت قد حان للقاء مشترك للزعماء أن يكون اختيارهم للمكان في شرم الشيخ.