بقلم – عبد الله بير:
– اطلب ، تفضل ولكن لابد أن تعرف إنني امرأة متزوجة و لدي أطفال … تفضل ما هو طلبك ؟.
– طلبي صعب ولكن بسيط .
– كيف هو صعب و بسيط ؟.
– حسناً ، أريد أن أجلس معكِ لبعض الوقت ، هل هذا ممكن ؟.
– آها … ممكن جدا ولكن هذا الوقت غالي الثمن ، يعني أغلى من ثمن البقالة ، فهمت أو افهمك ؟.
– لا ، لا ، فهمت و لا تهتمي ، المال ليس مشكلة عندي .
– طيب أراك غداً في الشارع الخلفي للمقهى أمام السلم المؤدي إلى الحي القديم ، مع السلامة.
– حسناً، موافق ، مع السلامة .
لما انتهت المكالمة ، قال مخاطباً نفسه:
– هذا الصوت لم يكن صوت ميادة ، صوت ميادة كان موسيقياً ، كانت نبرات صوتها تشبه سمفونية عالمية جميلة ، هادئة ، فيها انوثة و حلاوة تحاكي روح الأنسان ، أيمكن لتقدم العمر أن يغير في الأنسان كل شيء ، حتى صوته ؟ ما أصعب هذه الحقيقة : كل شيء يتغير مع الزمن ، كم أتمنى ان اسمع صوت “ميادة ” مرة اخرى ، غداً ….. أو بعد غد سأعثر على الحقيقة ، غداً سأعرف كم من السنين مرت؟ .
في اليوم التالي ، نهض في الصباح الباكر ، لم يكن يريد أن يقوم من الفراش ، بل بقي يفكر و يخطط فيما سيفعله اليوم . أين؟ متى؟ كم ؟ ماذا ؟ كيف؟ و لماذا ؟ كل هذه الاسئلة غير المكتملة تجري في فكره بسرعة الضوء وكأنه يسافر في مركبة فضائية في أقاصي الكون الفسيح ، لا يعلم ماذا يفعل أو ماذا يقرر او ماذا يريد ؟ وأخيراً قرر الخروج ، بعد تحضيرات دامت ساعة و نصف ، مثل كل يوم عادي ( الحمام و حلاقة اللحية و الفطور و تجوال في غرف البيت و ترتيب غرف الاطفال ) خرج و لم يبدل من هيئته شيئاً كما يخرج كل يوم ، لم يغير من أسلوب حياته ، ذهب ككل يوم إلى المقهى ، لكنه اليوم غيّر شيئاً واحداً فقط ،هو أن يذهب مباشرة إلى المقهى دون أن يقوم بجولته داخل السوق ، احتسى كوباً من الشاي والقى نظرة خاطفة إلى الدكان ،ثم انتظر حتى وقت الموعد ، بحذر ودون أن يثير أدنى ضجة خرج من المقهى ، دلف إلى المكان الذي حددَ بالأمس مع “وفاء ” عبر الهاتف ، حين وصوله كان قد بقي من الموعد عشر دقائق ، نظر حوله وكان المكان يبدو غريبا عليه ، أو كأنه يزور المدينة لأول مرة في حياته ، شاهد بيوت المدينة على شكل مدرجات ، الأبواب و الشبابيك على هيأة أقواس جميلة ، خيل إليه أنها تضحك عليه ، فجأة ظهرت ” وفاء ” بطلّلتها (الجميلة؟ )في زاوية الزقاق ،وكانت تنزل من الدرج المؤدي إلى الحي القديم ، لما لاحت قامتها ، شعر بروحه وكأنها تخرج من جسده :
– إنها ميادة ولكنها لم تكبر ، لم يغيرها الزمن ، إنها هي ، توقف الزمن عندها ، إنها ميادة التي لم أرى أجمل منها أبداً .
ما أن اقتربت منه و ابتسمت له ، شعر بهزة قوية في جسده بل في كل كيانه ، اختل نظامه ،تسارعت كلماته في الخروج ، كلها تخرج في أن واحد ، قافزة الدموع فوق مقلتيه ، ابتسامة حزينة رسمت على وجهه ، يداه ترتجفان و تتحركان دون إرادته ، أفكاره غير منتظمة ، مهشمة ، غير واضحة ، لا تستجيب معه ، فجأة توقف كل شيء عنده، الزمان ، المكان ، الكلام ، التفكير و الكون ،و أصبح لا يرى غيرها في فضاء ضبابي فسيح مع كلمة:
– صباح الخير .
ثم أردفت!
– ها …. عمي ماذا تريد ؟ ممكن أعرف ماهي نيتك ؟ .
بهذه الكلمات استفاق من هول الصدمة ورد بهدوء مقلق !
– صباح الخير.
ثم أضاف
– كل ما أريده أنت ، أنت وفقط .
– حسناً ، ممكن جداً أن أكون لك ، لكنني امرأة متزوجة ولدي طفلان ، ثم كيف تريدني أن أكون لك وأنا متزوجة من رجل أخر ؟ ثم ألا تخاف أن يرانا أحد في هذا الشارع و يخبر زوجتك و أنت رجل كبير بالسن ؟ ألا تخاف ان يأتي زوجي ويراك معي ؟ ماذا تريد بالضبط ؟ انا لست بالمرأة التي تستحق ذلك ، أنا ميتة منذ زمن بعيد ، ابتعد عني ، أنا ملزمة بخدمة أولادي و بيتي .
– حسناً كل ما تطلبينه مني جاهز، ولكن اعتبريني صديقاً ، أو اعتبرني منقذ ، سأحقق لك كل شيء، ولكن هل أستطيع أن أزوركِ في البيت ؟.
– آها … طيب و بأي صفة ؟ وعندما يراني الناس وانت تدخل بيتي ماذا أقول لهم ؟ او يعرف زوجي ذلك ماذا أقول له ؟ أو ابي ، عمي او أخي …..او …. اقول صديقي ، وانت نفسك ،هل تؤمن بعلاقة الصداقة بين الرجل و المرأة في هذه المجتمعات ؟ وكيف سينظر الناس إلى هذه العلاقة ،حتى لو كانت علاقة بريئة ؟ ثم هل يؤمن الرجل نفسه في مجتمعاتنا بوجود هكذا علاقة ، أم ينظر إلى المرأة كأداة للجنس و إشباع رغباته أو وسيلة للترفيه عن نفسه ؟. مع السلامة يا …. بابا ، عمي أو يا صديقي .
وحاولت أن تمر من أمامه ، فقال وهو يحاول استجماع قواه و لملمة شتات أفكاره ليركب جملة واحدة فقط كي لا يضيعها إلى الأبد مرة أخرى:
– ليس لدي مانع ، لكن لنكن على التواصل عبر الهاتف، وأن أراكِ من حين لأخر ولو من بعيد.
فاستدارت إليه ونظرت إليه من فوق كتفها:
– موافقة بشرطين ، الالتزام بمواعيد المكالمات و ثانياً مصاريف المكالمات عليك .
ودون إضافة شيء اخر نزلت من الدرج المؤدي الى الشارع الفرعي ، المفضي إلى الشارع الرئيسي . بقي هو في مكانه سامراً لفترة ثم سلك نفس الدرب ، انحرف يساراً نحو المقهى مرة ثانية ، شرباً من الشاي و قليلاً من الماء ، بعد هذه المقابلة كان كمحارب مهزوم يجر هزائمه وراءه, او كعاشق مكسور الفؤاد ، جرجر نفسه إلى البيت ليستريح و يرتاح من هول الضربة . ثم كرر المكالمات و المواعيد على الطرقات، في الزوايا الخفية في الشوارع و الازقة الضيقة، بعيداً عن أعين البشر ، استمر الحال لأشهر دون اي تغيير لا في وقت المكالمات و لا في أماكن المواعيد، إلا أن جاءت اللحظة التي كان قد يئس منها ، فاذا هو يتفاجأ ،عندما سمعها في إحدى المكالمات وهي تقول :
– غداً في الساعة الثانية بعد الظهر انتظرك في البيت ، يا عمي ….يا صديقي . مع ضحكة خفيفة ، ناعمة ، كانت اُنوثية جداً لأنها كانت نابعة من أعماقها ، وكأنه ولأول مرة يسمع صوت امرأة تضحك .
كانت “وفاء” امرأة في حوالي الثلاثين من عمرها ، متوسطة الطول نحيفة الجسم ، ذات وجه دائري ممتلئ ، و بشرة بيضاء صافية ، خدودها ملساء ومتوردة؟ تظهر عليها حمرة قليلة، وتملك شفاه مكتنزة و شكل فم جميل و صغير و كأنه مرسوم بيد رسام ماهر ، كانت عيناها عسلية مائلة إلى الخضرة مرسومة بشكل جميل ، تزداد جمالها حينما تضحك ، لانهما تكونان على شكل هلالان فوق خديها البيضاوين ، كانت لها خصلات شعر شقراء، تنزل على خديها وكأن الطبيعة عمدت الى رسم هكذا وجه لهذا الشعر ، اما باقي جسمها فكان في تناسق عجيب و رائع ، ممشوقة القوام و لا ترى في قامتها اعوجاجاً ، دائما تلبس ثوباً احمراً كأنها لا تملك غيره، مع شال اسود مهترئ للراس و فوقهما عباءة سوداء تحملها الى النصف ، وتظهر تحت عباءتها السوداء ساقان بيضاويتان لتشبه لوحة فنية في منتهى الروعة و الجمال .
دنت اللحظة التي كان ينتظرها منذ خمس وعشرين عاماً ، هو وميادة في مكان ما وحيدان دون أن يزعجهما أحد هكذا تصور ، كانت روحه عطشى لهذه اللحظة ، كان كمن سار في صحراء جافة و فجاءةً لاحت أمامه واحة مزدهرة بالماء و الخضرة و الظلال ، كان كل جزء من كيانه له نغمة معينة لاستقبال هذه اللحظة ، اقترب موعد اللقاء ، مشى إلى حيث دلته على مكان اللقاء و لاصطحابه الى منزلها ، وقف في المكان المحدد ينتظر ظهور “وفاء ” ، لم يمر كثير من الوقت حتى ظهرت ، وبنفس الهيئة التي رأها من قبل ، وقالت:
– مرحباً.
بدأ بالكلام وهو يرتجف كالواقف على سلك رفيع فوق هاوية عميقة ، فرد:
– اهلاً وسهلاً.
– تفضل معي.
مشى وراءها كأنه أعمى ، دخلا زقاقاً ضيقاً ، لا يكاد يمر فيه شخصان معاً ، ثم صعدا درجاً طويلاً وسخاَ جداً ، بدا المكان قديماً جداً ، مكان لم تصل اليه يد الحضارة ، بيوت منخفضة, الأبواب و الشبابيك من الطراز القديم ، شعر بأنه في المدينة ألف ليلة و ليلة ، في نهاية الدرب وجدا أمامهما بيتاً كبيراً ذا طرازٍ حديث و كأنه خارج من الارض في هذا المكان العالي و الصعب الوصول ، يلف به زقاق ضيق و وسخ ايضاً و استدارا في الجانب الشرقي للبيت الكبير ،كان ثمة باب حديدي أحمر يبدو أنه باب سرداب البيت الكبير ، وللانحدار الكبير للأرض أصبح الجزء السفلي خارج الأرض ، و الأغلب وجِد هذا لتعديل أساسات البيت الكبير ،و فتحت الباب الحديدي الأحمر و دخل ورائها دون أن ينطق بكلمة واحدة ، كان بيتها مكوناً من جزأين رئيسين ، الجزء الامامي مقسم كذلك مرة اخرى إلى قسمين ، وفي اليمين هناك جدار من قوالب اسمنتية عليها ستارة يبدو أنها تستعمل كحمام و دورة مياه في نفس الوقت ، أما في اليسار فكانت تبدو كمطبخ البيت ،لكن بدون جدار ، مع ستارة سميكة من القماش ، ثم يواجهك باب بلاستيكي أبيض يفضي إلى غرفة مستطيلة طويلة ذات شباك صغير على الجهة اليمنى ،كانت هي أيضا مقسمة غلى قسمين ، في الجانب الايمن من الشباك يبدو انه بستخدم كغرفة للمعيشة ، أما في الجانب الايسر و الأكثر ظلمة كان يستخدم كغرفة نوم، و يحتوي على دولاب خشبي ذي أربعة أبواب ، كانت نصف مفتوحة أو أقفالها معطلة ، كانت الغرفة بشكل عام نظيفة و مفروشة بسجاد صناعي مخطط ، نظيف و مرتب .
– تفضل ، اجلس .
قالت و خلعت عباءتها السوداء،
– اخذت اطفالي إلى بيت خالتهم. قالت وهي تستند إلى الباب و تضع يدها على خاصرتها.
– ماذا تريد ؟ انا لست بالمرأة التي تتصورها ، أنا دعوتك الى بيتي لسببين ، أولا أنت مثل أبي و ثانيا لأنهي حكايتك معي ، لأنني لا استطيع ان تستمر هذه المسرحية .
ثم ختمت كلامها تهم بالخروج من الغرفة ، استدارت وقالت :
– ماذا تشرب شاي ، قهوة ؟ .
ظل ساكناً و ساكتاً دون أن ينبس بكلمة واحدة ، وكأنه تمثال رخامي نُصِبَ وسط الغرفة ، بعد هينة رفع رأسه و تمتم بكلام نصف مفهوم:
– يمكن أن اكون منقذك من هذا القبر الذي تعيشين فيه ، انا مستعد لفعل اي شيء تطلبين إلا الزواج، بشرط ان أناديك ميادة وأن أراك كل يوم على الأقل و أزورك متى شئت ، أقضي بقية عمري معك ، فأمري و أنا أنفذ كل ما تأمرين به .
خرجت بعصبية و دون أن تنظر إليه مع حركة من يدها ،وكأنها تريد أن تقول مجنون ،و لكن حركتها كانت تنمي عن حالة عصبية أو حالة من الغضب . جهزت الشاي ، جلبت كوبين من الشاي و جلست امامه :
– تريد سعادتي ، تخلصني مما أنا فيه من غير زواج ، كيف؟ تشتريني ؟ تحررني من هذه العبودية ، تخرجني من هذا القبر الذي أدفع أجره من جهدي و شبابي و سعادتي ، تشعرني بالسعادة ، أضحك من كل قلبي دون خوف أو تردد ، تحررني لأتهن بحياتي ، ولكن السؤال كل هذا مقابل ماذا ؟ ما هو الثمن ؟ إن المرأة في هكذا مجتمعات هي مقياس الرجولة ، مقياس الشرف و مقياس الكرامة ليس للعائلة بل ربما للعشيرة وهي بالأساس فاقدة الكرامة ، الشرف و الحياة ، أنا لن اقبل بعبودية مقابل عبودية ، ابتعد عني ، دعني و شأني ، أنا لا أستطيع تحمل أكثر ، يكفيني ما انا فيه ، أرجوك ، أنا أُمارس حياتي ببساطة ولدي ما يكفي من الصعوبات في حياتي ، ولا أُريدها معقدة أكثر من هذا ، كل همي أن أربي أطفالي ، امنحهم فرصة تعليم لائقة تجعلهم سعداء في المستقبل و لا يكونوا مثلي ، أنا تخليت عن الحياة في سبيلهم ، ليس لديهم أحد غيري ، أرجوك ابتعد عني ، أُخرج من طريقي ، دعني أعيش حياتي كما أُريد ، أنا راضية بما كتب لي ، لا أُريد منك شيئا لأنك رجل مثل باقي الرجال.
كان ينظر الى كوب الشاي ، يرفع راسه بين حين و آخر لينظر إليها و هي تتحدث إليه ، خلال كل هذا الكلام لم يرى دمعة واحدة في عينيها ، وقال في نفسه:
“ربما هي بكت ما يكفي لأن تجف دموعها أو لا أنها لا تريد أن تشعر بانها امرأة ضعيفة ، أو إنها امرأة حقيرة بائسة و لا تريد أن أعطف عليها “.
– انتِ كيف تريدني أن أُحرركِ ؟.
سال وهو ينظر إلى قعر كوب الشاي وما بقي فيها من بقايا السكر ، قطع من ورق الشاي ، ثم أضاف :
– أنا أستطيع أن أُوفر لك كل ما تريدين ولكن لا أضمن السعادة ، لأنني لا أعرف كيف تكوني سعيدة ، إن كنت ستسعدين بالمال فهذا بسيط جداً ،أما إذا كنت غير مستعدة للسعادة ، فانا لا أستطيع أن أفعل أيّ شيء .
نظرت إليه و سألته :
– تريدني ككل ، أم تريد جزءاً مني ؟ اذا كنت تريدني ككل ، أنا مستعدة لأن أتنازل عن بعض ما أملك في المقابل تمنحني الطمأنينة و السعادة و الحرية ، أما إن كنت تريد شيئا آخر ، فهذا الشيء لا يهمني و لا يهم أحداً ، أُعطيك كيفما تريد لأنني ميتة ، ميتة ، ولا اعتقد بأنني سأشعر يوما ما بعارٍ أكثر مما أشعر به الآن ، أصبحت أكره نفسي ، أكره كل جزءٍ من جسمي ، حتى أكره كل ما ألمسه ، أكره الناس ، الدنيا و كل شيء .
قام من مكانه وهو محطم ، يشعر بثقل كبير في راسه :
– حسناً ، سأذهب اليوم ، و سأعود متى ما سمح الوقت بذلك ، أزورك في وقت آخر ،ستكونين بحال أحسن من الآن ، شكراً على الشاي و الضيافة و طيبة قلبك ، مع السلامة .
حاولت ان تمنعه من الخروج لأنها كانت لديها فتات كلام مازال يعشعش في صدرها ، تريد أن تخرجه ، لأنه كان يسبب لها ضيقاً في صدرها ، إلا أنه خرج ، كأنه من أصحاب الأعراف ، لم يظفر بشيء مما في خياله ، ووجدها امرأة مختلفة جداَ عن “ميادة” ،التي كانت رقيقة ، ناعمة ، حنونة و رومانسية بل وجدها امرأة بائسة ،محطمة ،مهمومة ، منحطة وحزينة حزن الدنيا كلها لحد السوداوية . ، أصبح هو أيضاً يحس بأن فضاءه قد اضطرب و كواكبه قد خرجت من مساراتها ، تسير بغير هدي و لا هدف ، ظلّ منشغل البال ، الفكر لعدة أيام تالية .
بعد أيام من المقابلة الأولى ، اشترى كمية من حاجاتٍ منزلية ( ملابس ، احذية ، منظفات ، مواد غذائية )، وذهب حسب الموعد المحدد ، ولكن هذه المرة طلب رؤية الاطفال ، فلما فتحت الباب ، رأت كل الأكياس التي كان يحملها ، لم تفاجأ ولم تظهر على وجهها اي علامات تعجب و لا علامات السرور ، فقط ساعدته على دخول البيت .
عندما رأى الطفلين ، كان أحدهما بنت و هي الكبرى بعمر اربع سنوات ، والثاني ولد بعمر سنتين ، لم يتكلم ، ذهب مباشرةً نحوهما و قبلّهما ، وحمل الولد الصغير و قبله مرة اخرى ، ابتسم للبنت ثم نظر إلى الام:
– لم انساهما و اشتريت لهما بعض الملابس و بعض الحلويات.
ولما فرغت هي من تفتيش كل الاكياس ، كانت بين الحاجيات التي جلبها علبة ورقية صغيرةً وعليها صور امرأة بملابس النوم فرفعتها.
– ما هذا ؟ ولِمَ هذا ؟.
فأجابها وهو يلعب مع الولد الصغير الذي في حضنه .
– هو لك ، اشتريته خصيصاً لك ، إنه ثوب نوم أحمر ، أرجو أن تجربيه الآن لأراه عليك إذا كان ممكناً .
قال ذلك ولم ينظر اليها ، ومازال يداعب الولد ويلاطفه كي لا يبكي .
– كيف ألبس وأنت موجودٌ ، كيف أنزع ملابسي أمامك ؟ اخرج من الغرفة أو أخرج أنا .
التفت إليها وقال:
– لا .لا سأخرج أنا لدقيقة.
بعد أن أذّنتْ له بالدخول ، أصابته دهشةٌ كبيرةٌ ، لما راها وقد لبست ذلك الثوب ، فاقترب منها و دون أن يسيطر على نفسه امسك معصميها و اقترب منها:
– أنتِ اجمل امرأة على الإطلاق ، أنتِ هدية الله ، أنتِ ملاك انزله الله لي ، أنتِ ميادة بروح وفاء ، أنتِ ماضيي الدفين ، اقبلي أن أخدمك ما دمت حياً.
– ولكن لماذا تفعل كل هذا ؟.
ردت بسرعة و بعصبية ،كانت قسمات وجهها توحي بحزن عميق و ارباك عظيم .
– اسمع صحيح إن زوجي إنسان وليس بإنسان ، لا يهمه إلا نفسه ، لا يقوم بأدنى واجبات الزوج ، وحتى هذان الطفلان كانا نتيجة اغتصاب ، اجل كانا بسبب اغتصاب ، أنهما جاءا إلى الدنيا ليس رغبة مني ، ولذلك فأكرهما كثيراً، مع ذلك ليس لهما ذنب في ذلك ، لذا أفعلُ كل شيء من أجلهما وان لا يكونا مثلي و يمرا بما مررت به ، زوجي لا يعمل أي شيء و لا يريد أن يعمل ، همه جيبه و بطنه ، لو يعرف أنك موجود الآن لَجاء و باعني اليك بثمن بخس ، همه الأوحد أن يكون في جيبه كم دينار و يذهب إلى المقهى يشرب الشاي و يلعب القمار ، ويرجع على مشارف الصباح ، مفلساً و سكراناً ، ولو لم يجد أي مال في جيوبي ، يضربني ثم يغتصبني و ينام و يتركني أتألم لوحدي ، أي لا يقوم بواجباته لا في الليل و لا في النهار كانسان صاحب مسؤولية و زوج ، وهذان كانا نتيجة ذلك الاغتصاب و الضرب .
ثم أضافت و عيناها مغرورقان بدموع صافية ، تجلس أمامه ، لابسةً ذلك الثوب الاحمر .
– هل تريد ان تغتصبني أيضاً ؟.
وحملت طفلها و أدارت ظهرها له ، قالت:
– انا أكره الرجال ، يا ليتني لم أكن ، ولكن ما دمت موجودة ، لي حق في الحياة و العيش ولكن بكرامة و شرف، اليس كذلك ؟
ثم ذهبت إلى زاوية من زوايا الغرفة ، جمعت طفلاها إليها ، بكت بمرارة ، فذهب إليها وجلس إلى بالقرب منها وقال:
– أنا لا أريد منك شيء سوى أن تكوني سعيدة ، أنا لا أريد منك إلا ضحكة و ابتسامة .
– اريد أن يكون بجانبي انسان يكون زوجي ، ابي وصديقي ، يغمرني بحب و حنان ، يمنحني حياة كريمة ، يحزن لحزني و يفرح لفرحتي ، ويُشعرني بأنني زوجته ، وانني ام أطفاله ، يحسني بانني قادرة على إسعاد عائلتي ، أنا لا أريد رجلا يظلمني و يأتي آخر يعطف عليَ .
قالت ذلك و قامت بخلع الفستان أمامه ، ولبست ملابسها .
– أنت هكذا لن تجعلني سعيدة بل ستزيد من بؤسي فشكراً لك .
ثم أضافت:
– اخرج من حياتي فلا فرق بينك و بين زوجي لأنكما تريداني ذليلة و أنا لا أُريد أن أرى نفسي كذلك .
ثم فتحت الباب و قالت:
– تفضل .
لم يستطيع أن يقاوم :
– كل ما أريد أن ابقى معك ، و أجعلك سعيدة ، انا وعدت زوجتي بأن لا اتزوج بعدها ، هذا كل ما في الامر ، أنتِ ذكرى جميلة في حياتي ، أُريدك أن تبقين ، سأحاول بكل قوة أن أُحررك .
قال وهو يحاول أن يقنعها بأن تقبل صداقته و لكن لم ينفعه ذلك .
– أنا هكذا سعيدة و شكراً لك ، أرجو أن تخرج من حياتي ، ولا تأتي إليَ و لا تخابرني و شكراً للهدايا سأقبلها و لكن لو أردت سعادتي اخرج من حياتي ، وإذا أردت رؤيتي ، سوف تراني عند محل البقالة ، لكن دون أن تتصرف اي تصرف تغضبني وإلا بعد ذلك لن تراني إلى الابد ، مع السلامة و ارجو لك حياة سعيدة .
ختمت كلامها و حملت طفلها الصغير ومسك الأخر طرف ثوبها ، لا يعرفان ماذا يجري . خرج و لم يضف شيئاً و غادر متوجهاً إلى البيت ، مشتت الافكار لا يعرف ماذا يقول ، ماذا يريد ، ماذا يفعل ، سجن نفسه في البيت لعدة ايام ، بركان ذكرياته مع “ميادة ” انفجر فجاءة ، ثم أسرع و قام بحلاقة لحيته ، اخذ حماماً و لبس بسرعة ، كأنه في انتظار موعد قد تأخر لعصور و أزمان كثيرة و سار مباشرة نحو المقهى وجلس في مكانه المعتاد منتظراً مجيئها
آخر الأخبار
جامعة الجلالة تستضيف مؤتمر دعم سوق العمل المصري والتحول الرقمي بالتعاون مع ادراك .
وزير الإسكان يصدر حزمة من التكليفات لرؤساء أجهزة المدن الجديدة لدفع معدلات التنمية
وزير الإسكان:اليوم فتح باب الحجز لإعلان "سكن لكل المصريين5" لجميع المواطنين
شهداء ومصابون جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنزل في جباليا بغزة
المملكة تتصدر العالم بأكبر تجمع غذائي من نوعه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية
7 توقعات حول الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي في 2025
الطائرة الإغاثية السعودية الـ 24 تصل إلى لبنان
"هيونداي الإمارات" تحتفي مع "مواصلات الإمارات" بتسليم أسطول من 376 مركبة جديدة
استثمار سنغافوري بقيمة 5 مليار درهم في شركة تطوير عقاري في دبي
حفل توزيع جوائز مسابقة ال 16 فن للموسم الثالث على التوالي
المقالة السابقة
المقالة التالية