بقلم الأستاذ الدكتور – هشام فخر الدين:
في مشهدٍ يتكرر يومياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتحول مشاهد القتل والدمار الممنهج من جانب المحتل الصهيونى مصاص الدماء، إلى لغزٍ نفسي معقد كيف تتحول جماعة لم تكن سوى وباءً عبر التاريخ، وترفع شعار المعاناة الكاذبة والاضطهاد التاريخي، إلى قوة قمعية تُمارس عنفاً مؤسسياً ضد شعب آخر؟ الإجابة لا تكمن في اختزال الظاهرة في “شرّ متأصل” أو “طبيعة عدوانية”، بل في تشريح التشابك السام الزائف بين الصدمة الجماعية المزعومة والأيديولوجيا السياسية والآليات النفسية التي تُبقي دوامة العنف مستمرة.
فلا يمكن فهم الديناميكية النفسية للصهيونية المتطرفة دون استحضار الجروح المزعومة والقصص والروايات الزائفة التى لا أصل لها عن الاضطهاد في أوروبا، وصولاً إلى الهولوكوست المزعومة، والتى أوجدت في اللاوعي الجمعي لليهود “صدمة وجودية” وهوساً بالأمن” وإبادة كل عربى ومسلم ومسيحى يقف فى طريق تحقيق الحلم المزعوم دولة من النيل للفرات.
فقد أعلنت الحركة الصهيونية المتطرفة أنها استجابة دفاعية لهذا الخوف الزائف ومن ثم محاولة لتحويل “الضحية المستضعفة” إلى “سيد مسيطر” عبر إقامة دولة احتلال تحتكر القوة. لكن المفارقة المأساوية تكمن في تحول هذا المسعى للنجاة الغير حقيقية والتى تستخدم كمبرر للاحتلال وقتل الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، وتحولها برعاية أمريكية صهيونية إلى آلة قمع. فلقد استُخدمت ذاكرة المعاناة اليهودية الزائفة ليس كدرس في الإنسانية، بل كأداة لتبرير الإستيلاء على أرض شعب آخر وإخضاعه وإبادته، تحت شعار”لن نكون ضحايا أبداً مرة أخرى” وعم كاذبون محتلون معتصبى الأرض.
ومن ثم تحول إلى عنف منظم عبر آليات دفاع نفسي جماعي مزعوم سمحت بتعطيل الضمير الأخلاقى، وتحويل الفلسطيني من إنسان له تاريخ وألم وطموح إلى “إرهابي”، أو بأنه “تهديد ديموغرافي”، كما جاء في خطابات السياسيين الصهاينة والمستوطنين المغتصبى الأرض. حيث إن هذه الآلية تُسهِّل قتل الأطفال في غزة ومحاولات الضغط بالإبادة لتنفيذ سياسة التهجير القسرى لمالك الأرض. حيث إن الضحايا هنا يُختزلون إلى مجرد “أهداف” أو “عقبات”. وعبر امتلاكهم لوسائل الإعلام يقومون بترسيخ هذه الصورة. وإعادة انتاج خطاب القلعة المحاصرة، لتغذية سياسة الأمن المتطرفة ويبرر القوة المفرطة بإدعاء زائف دفاعاً عن النفس بقتل وإبادة شعباً أعزل وتدمير مخيمات اللاجئيين تحت حماية دولية وتبرير قانونى مزيف ونظام قضائى خاص لتبرير جرائم القتل والإبادة.
فقد تحوّل فكرة الإدعاء الزائف بـــــــــ “الشعب المختار” الدينية في الخطاب الصهيوني المتطرف إلى مزاعم عنصرية بالتفوق وحق إلهي تاريخي بالأرض. مما أوجد إطاراً نفسياً يرى الفلسطيني كـ “دخيل” على أرض “معدة لشعب الله المختار”، مما يجعل التطهير العرقي والاستيطان عملاً مقدساً وفقاً لعقيدة الحرب المزيفة والمدعومة بعقيدة دينية محرفة وفقاً للأهواء والمصالح.
ولم تعد هذه الآليات مجرد أفكار، بل تحولت إلى بنية مؤسسية عبر اقتصاد العنف، فالمستوطن العنيف يُكافأ بالدعم الحكومي، والجندي المرتكب للجرائم يُحمى بالقانون. والعنف يصبح “استثماراً” سياسياً وعقارياً. مع تطبيع الرعب عبر تكرار الاعتقالات العشوائية، وهدم المنازل، ومنع العلاج الطبي، وحصار غزة، والقتل والإبادة، والتى حوّلت هذه الممارسات إلى “روتين” في نظر المجتمع الإسرائيلي المحتل، مما أوجد حالة من اللامبالاة والمباركة ودعم القتل والإبادة. مع الاستعراض والتفاخر بتوثيق الاعتداءات على الفلسطينيين خاصة من قبل المستوطنين ومشاهد القتل والإبادة ونشرها على وسائل التواصل كـ “بطولات” يكشف عن استمتاع وسُعار مرضي بالسيطرة والإذلال لدى المتطرف اليهودى المحتل، مدعومة بمناخ عام يغذي الكراهية.
ومن ثم فالعنف الإسرائيلي المنهجي يستوفي مفهوم الإرهاب ومجرمى الحرب سياسياً وقانونياً في السياق الفلسطيني والعربي. فلقد حولت الصهيونية المتطرفة ذاكرة الألم اليهودي المزعومة، والتى يروجون لتلك الأكاذيب لتتحول إلى رخصة للقتل والإبادة. فى ظل صمت دولى ودعم عسكرى ولوجسيتى كامل من جانب أمريكا ودول أوروبا. والظاهر أنه حباً فى إسرائيل المحتلة، والباطن يحمل هدف إبقاء سرطان اليهود بعيداً عنهم ليكون ذراعاً لهم فى الشرق الأوسط، واليد الطولى لتنفيذ أهدافهم على حساب شعب أعزل باحتلال واغتصاب أرض ذات تاريخ وحضارة . وهاهى تضرب لبنان وسوريا وإيران، والدائرة تدور فلابد من تحالف عربى عسكرى واقتصادى وتوافق سياسى ونبذ الخلافات، فليس الوقت وقت تصقية حسابات، مع التراجع كلية عن التطبيع مع محتل قاتل ومغتصب ومراجعة المواقف. وفى ظل ذلك كله تقف مصر قيادة وشعباً قلباً وقالباً إلى جانب القضية الفلسطينية وتقف ضد تنفيذ مخطط مزعوم يقضى على القضية الفلسطينية.