مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الجامع الأزهر يواصل عقد أمسياته الدينية بمناسبة الاحتفالات بالمولد النبوي

أحمد مصطفى:

واصل الجامع عقد أمسياته الدينية،في إطار احتفاء الجامع الأزهر الشريف بذكرى المولد النبوي الشريف، وتحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ. د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حيث أقام اليوم الأحد أمسية جديدة تحت عنوان: «حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم»، حاضر فيها فضيلة أ. د محمد الجبة، أستاذ اللغويات المساعد بجامعة الأزهر، وشارك فيها القارئ الشيخ رمضان سعد، والمبتهل الشيخ محمد عبد الجواد، وقدم الأمسية الشيخ كريم حامد أبو زيد، الباحث بالجامع الأزهر. 

 

أوضح فضيلة الدكتور محمد الجبة أن سور القرآن الكريم تستهل بالبسملة ما عدا سورة “التوبة”، لأن هذه السورة نزلت بلهجة شديدة تجاه من نكثوا عهودهم، فجاءت بدايتها كإنذار حاسم وبراءة مباشرة من الله ورسوله من عهود المشركين، مشيرًا إلى أن السورة التي بدأت بهذا الوعيد الشديد قد اختتمت بآية تحمل أسمى معاني الرحمة والتعاطف، وهي قوله تعالى: “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ”، هذا التسلسل بين شدة بداية السورة والرحمة في أخرها، دليل على أن القوة لا تنفصل عن الرحمة، كما بينت حرص النبي ﷺ على هداية أمته وخلاصهم من العناء في الدنيا والآخرة.

 

قد يهمك ايضاً:

منتخب مصر تحت 20 سنة يبدأ تدريباته في تشيلي استعدادًا لكأس…

الأهلي يتعادل مع إنبي 1-1 في الجولة السادسة

وبين فضيلة الدكتور “الجبة”، أن النبي ﷺ لم يقتصر الأمر على رحمة النبي ﷺ بأمته، بل كان يغرس هذه القيمة في نفوس أصحابه، ويوجههم نحو التراحم واللين في كافة شؤونهم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك، موقفه ﷺ مع الصحابي الجليل معاذ بن جبل، ذات مرة، أطال معاذ القراءة في صلاة العشاء وهو يؤمّ الناس، فشق ذلك على بعض المأمومين، خاصةً أن من بينهم كبار السن وأصحاب الحاجات، عندما علم النبي ﷺ بذلك، غضب غضبًا شديدًا وقال لمعاذ: “أفتّانٌ أنت يا معاذ؟” وكررها ثلاث مرات. ثم أمره أن يقرأ بسور قصيرة تخفيفًا على المصلين، لأن الإمام يجب أن يراعي أحوال من خلفه، وأن يختار الأسهل والأيسر، هذا الموقف يعكس حرص النبي ﷺ على التخفيف عن أمته، ومن رحمته ﷺ في موقف درة بنت أبي لهب، التي أسلمت، وبعد هجرتها إلى المدينة، علمت بعض نساء الأنصار بقدومها، فاجتمعن عليها وقلن لها: “أنت ابنة حمالة الحطب، ما نفعك إيمانك؟” وقد كن يعيرنها بوالدتها أم جميل التي نزل فيها وفي زوجها أبي لهب سورة المسد، فبكت درة بمرارة وتوجهت إلى رسول الله ﷺ تشتكي إليه، وقالت له بحزن: “يا رسول الله، أما وُلِد الكفار غيري؟” فغضب النبي ﷺ غضبًا شديدًا لهذا الإيذاء، وقام في الناس وقال: “ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وقرابتي؟ ألا إن شفاعتي لن تنال مبغضًا من عقبي، وأيما رجل ناصح في الإسلام فإنما ينفع نفسه، فدعوا عنكم ما تناهون عنه، فإنه لا يعاب المرء بآبائه” فكان هذا الموقف تأكيدًا على رحمته ﷺ.

 

وقال فضيلة الدكتور محمد الجبة إن رسالة النبي محمد ﷺ مبنية على مبدأين أساسيين: رفع الضرر وجلب المسرة، وهما شعار رسالته ﷺ لذا، كان ﷺ دائمًا يختار الأسهل والأيسر لأمته، وينهى بشدة عن كل ما يخالف هذا المبدأ الإنساني العظيم، وقد تجسد لهذا قال تعالى: “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”، ولقد كان النبي ﷺ يوجه أصحابه بلين ولطف، فإذا رأى منهم خيرًا شجعهم عليه، وإذا رأى خلاف ذلك، نهاهم عنه برفق، وهذا ما يظهر بوضوح في موقفه ﷺ مع (أشج عبد القيس)، حين قال له ﷺ: “إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة” وهو ما يؤكد على تقديره للأخلاق التي تخدم مبدأ التيسير والرحمة، ومن بين المواقف أيضًا عندما سأل الصحابي الجليل أبي بن كعب رسول الله ﷺ: “أي آية في كتاب الله أعظم؟” فقال أبي أنها قول الحق سبحانه وتعالى “اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ”.

 

في ختام الأمسية، قال الشيخ كريم أبو زيد، إن رحمة النبي محمد ﷺ كانت سمة أساسية من أخلاقه، وقد شملت رحمته جميع المخلوقات، ويتجلى هذا بوضوح في سيرته العطرة التي تفيض بحرصه ﷺ البالغ على أمته، فلم يكن ﷺ يثقل عليهم بأمور الدين، بل كان دائما يختار لهم أيسر السبل وأسهلها، متبعًا نهج التيسير لا التعسير، ليظهر للعالم أجمع أن الإسلام دين رحمة ويسر، لا دين مشقة وعسر.