الجامع الأزهر يعقد اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: “مكانة البنات في السنة المطهرة”
أحمد مصطفى:
عقد الجامع الأزهر اليوم الأربعاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: “مكانة البنات في السنة المطهرة”، بحضور كل من أ.د السيد بلاط، رئيس قسم الحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر سابقًا، وأ.د حسن القصبي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، وأدار الملتقى الشيخ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر.
في مستهل الملتقى، أكد فضيلة الدكتور السيد بلاط، أن الإسلام قضى على أفكار الجاهلية تجاه البنات، حيث كان الناس يصيبهم الغم والحزن عند إنجاب أنثى، وهذا الفكر كان سائداً لدى ثلاث أو أربع قبائل عربية مثل: بنو تميم، أسد، مصر، خزاعة، وهذه القبائل كانت ترى في البنت عاراً، وقد صور القرآن الكريم حال الأب عندما كان يبشر بالأنثى بوجه مسود وقلب مغموم، ليصبح بين خيارين: إما الإبقاء عليها مع المهانة والذل، قال تعالى: ” أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ” أو ممارسة وأد البنات بدفنها حية، قال تعالى: “أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ”، والبنت التي تبقى كانت تعامل معاملة دنية، وتحرم من حقوقها الأساسية في الإرث والنفقة، وتظل دائماً محل انتقاص وقصور في الحقوق.
وبين فضيلة الدكتور السيد بلاط، أن وأد البنات (قتلهن) من أول الأمور التي حرمها الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله حرّم عليكم وأد البنات”، وقد جاء هذا التحريم تكريماً لمكانة الأنثى، ليعد أول مظهر من مظاهر عناية الإسلام بالبنت من خلال الحفاظ على حياتها، ثم انتقل الإسلام بعد ذلك بالبنات نقلة أخرى، بالنهي عن المعاملة الظالمة التي كانت سائدة في الجاهلية، حيث كان يتم سلب حقوقها والنظر للولد بنظرة أفضلية، وقد أسس الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا المبدأ من خلال تعامله العملي مع بناته، روت عائشة رضي الله عنها: “كانت فاطمة إذا دخلت عليه قام إليها، فأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها في مكانه”، كما اقتدى الصحابة الكرام بهذا النهج النبوي في تعاملهم مع بناتهم، حيث كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع ابنته عائشة، حيث دخل عليها وهي مريضة فقال لها: “ما بك يا بنيا”، ثم قبلها”، في إشارة إلى العطف والرقة المطلوبة في تعامل الآباء مع البنات.
وأضاف فضيلة الدكتور السيد بلاط، أن الإسلام أحدث نقلة أخرى في تعامل الآباء مع البنات، تتجاوز الحماية والتكريم إلى مرحلة المشاركة الوجدانية والشعور بهن، حيث أسس النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المنهج التربوي بقوله: “إنما فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني” وفي رواية أخرى “يريبني ما يريبها”، وبهذا الحديث قد أسس النبي صلى الله عليه وسلم لقاعدة تربوية تدعو الآباء إلى الاقتراب الوجداني من بناتهم، ورواية (يريبني ما يريبها)، تجعل إغضاب البنت أو إيذاء مشاعرها بمثابة إغضاب وإيذاء للوالد نفسه، مما يرسي مبدأ الاحتواء الكامل كجزء أصيل من التربية الإسلامية السليمة.
من جانبه أوضح فضيلة الدكتور حسن القصبي، أن النساء هن عماد الحياة ولهن عطاء كالذكور، وقد قدم الحق تعالى الإناث على الذكور في الآية القرآنية: “يهب لمن يشاء اناثًا ويهب لمن يشاء الذكور”؛ تكريمًا لهن، كما أن الأنثى هي أصل الذكر، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وهبه الله أربع بنات، فكان شديد الفرح بهن، ودالة هذا الفرح أنه السيدة فاطمة بالزهراء وكناها بـ “أم أبيها”، والنبي صلى الله عليه وسلم بقي له من الأولاد البنات ولم لم يبق له من الذكور أحد، فكان صلى الله عليه وسلم يفخر بهن قائلاً: “أنا أبو البنات”، دلالةً على مكانتهن الكبيرة في الإسلام.
وأكد فضيلة الدكتور حسن القصبي على أن البنات يتمتعن بخصوصية ومكانة عظيمة في المنهج الإسلامي، وهناك أحاديث شريفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ترسم منهج تربية الآباء للبنات، منها قوله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ عال جارتين (بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو” وضم أصابعه، وقوله: “مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة”، وكذلك قوله: “مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ”. هذه الأحاديث جميعها تبرز الأجر العظيم لمن أحسن تربية البنات والعناية بهن.
وأشار فضيلة الدكتور حسن القصبي، إلى أهمية التزام الآباء بمسؤولياتهم تجاه البنات، من صيانة وحفظ ورعاية، كما أن البناء الروحي والأخلاقي للفتاة، ليس فقط بتوفير حاجاتها المادية، بل بتهيئة بيئة تربوية تغرس فيها القيم والثقة بالنفس والاحترام، مع ضرورة تفهم طبيعتهن ومتطلباتهن، مما يضمن نشأة سليمة وقوية تفخر بها الأسرة والمجتمع.
يُذكر أن ملتقى “السيرة النبوية” الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.