مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الجامع الأزهر يؤكد على “دور الفتوى في تعزيز الاستقرار المجتمعي” بملتقاه الأسبوعي

أحمد مصطفى:

عقد ملتقى “الأزهر للقضايا المعاصرة” بالجامع الأزهر الشريف، اللقاء الأسبوعي تحت عنوان: ” أمانة الفتوى وأثرها في الاستقرار المجتمعي” وحاضر في ملتقى هذا الأسبوع، الدكتور محمد أبو زيد الأمير، أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية، ود. محمود الصاوي، الوكيل السابق لكليتي الدعوة والإعلام بجامعة الأزهر، ود. محمد الجبالي، أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر.

 

وأكد الدكتور محمد الجبالي، أن الفتوى هي تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه فيما نزل به من وقائع وأمور، أو فيما أشكل عليه من أحكام الشرع، موضحا أن الفتوى تبصر الناس بأمور دينهم بما يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة، والفتوى عبارة عن كلمة وهي الواسطة التي من خلالها يتصل الإنسان مع الناس، فبكلمة واحدة يسعد المجتمع وبها يشقى وبها تُحفظ الأعراض وبها تراق الدماء، قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل” ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلساني وقال: كف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم”. 

 

وتابع أستاذ الفقه: ولهذا كان للفتوى دور خطير في المجتمع، ولها أثر كبير على المفتي، فهي مسؤولية عظيمة وأمانة كبيرة على المفتي، قال تعالى ” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا “، فيجب على المفتي أن يكون ملمًا بجميع الأمور عن الفتوى وعن توابعها، عالمًا بالأحكام الشرعية، لأنه حين يفتي ويصدر حكمه يكون بمثابة نائب عن النبي ﷺ في تبليغ دعوته، فيستشعر بذلك عظم المهمة التي يوكل بها، فيزداد بحثا في طلب العلم والبحث عن نوادر الفتوى من العلماء القدامى حتى يستطيع الرد عليها ويعلن للناس أن شريعة الإسلام صالحة لكل مكان وزمان وأنها معين لا ينضب، وتلك الأمانة جاء معها تشريف للمفتي لإخلاصه في فتواه وأمانته لنقل الدين الإسلامي كما ينبغي، ومكافأته هي أن الله وملائكته وأهل الأرض والسماء يصلون عليه ويدعون له لأنه يعلم الناس الخير.

 

وأضاف الدكتور الجبالي، أن أثر الفتوى يتجلى على المجتمع لأنه يعود عليه بالخير، فالمستفتي يتقدم بفتواه ويوثقها في لجان الفتوى، مما يوثق العلاقات بين الأفراد في المجتمع ، و ينشر بينهم المودة والمحبة، لأن الفتوى الصحيحة تعطي لكل صاحب حق حقه ومن هنا يعلم الجميع ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.

 

من جهته ، أكد الدكتور محمود الصاوي ، أن مفهوم الأمانة يتجاوز مجرد رد الودائع، ليشمل جوانب عديدة من الحياة، فإذا كان الشخص لا يخشع في صلاته ويؤديها بسرعة، فهو بذلك غير أمين، كذلك من يصوم عن الحلال ويفطر على الحرام أو يعطي زكاته لمن لا يستحق، يعتبر غير أمين أيضًا، الأمانة تشمل العبادات والأقوال والأفعال، وقد أوصى بها النبي ﷺ طوال حياته، حيث زخرت ادأكد على ضرورة أداء الأمانة والحث على الالتزام بها.

 

وأوضح الدكتور الصاوي، أن الفتوى هي تبيين الحكم الشرعي لمن يسأل عنها، وهي ليست ملزمة بل تعتمد على ثلاثة عناصر: المفتي، المستفتي، وموضوع الفتوى، فالمفتي هو الفقيه الذي يوضح الحكم الشرعي، ويجب أن يتحلى بالأمانة في فتواه، مقترنًا علمه بعمله، مع تعظيم النصوص الشرعية والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، كما قال الحسن البصري: “إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، الدائب في العبادة، البصير بدينه”.

 

قد يهمك ايضاً:

نميرة نجم تبدأ مشروع خارطة طريق للهجرة بأفريقيا مع منظمة…

وأشار إلى أن الإمام مالك، أحد الأئمة الأربعة، كان مثالًا للأمانة في الفتوى، حيث أجاب بـ “لا أدري” في 32 من أصل 48 مسألة سُئل عنها، مؤكدا على ضرورة أن يتحلى المستفتي بالأمانة في طرح سؤاله، والبحث عن مرضاة الله، وأن يكون دقيقًا في عرض مسألته، ويجب أن يستند إلى الفتاوى المعتمدة وأن يكون أكثر خوفًا من الله سبحانه وتعالى.

 

وحذر الدكتور الصاوي، من الانسياق وراء الفتاوى الشاذة التي تخالف الكتاب والسنة والإجماع، والتي تروج لها بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف هدم قيم المجتمع.

 

من جهته، قال الدكتور محمد أبو زيد الأمير، إن الفتوى تواجه فوضى إعلامية كبيرة، حيث يتصدر بعض الأشخاص للفتوى في دين الله دون أن يكونوا مؤهلين لذلك، وقد قال الله تعالى: “لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ”، مؤكدا أن الفتوى بغير علم لا تجوز، مستشهدًا بكلام النبي ﷺ: “من أُفتيَ بغير علم كان إثمه على من أفتاه”، وقوله ﷺ: “من أفتى بغير علم فقد ضل وأضل”، أي ضل في فتواه وأضل غيره وتحمل إثمه.  

 

وأشار د. الأمير ، إلى أن الساحات قد اكتظت في هذا الزمن بمن يفتون بجهالة، محذرًا من أن المجترئ على الفتيا كالمجترئ على النار، وهؤلاء يعتبرون من مرتكبي الكبائر، لأنهم يتحدثون بما لا يعلمون ويكذبون على الله، وسيحاسبون على فتاواهم الخاطئة، كما قال تعالى: “ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ”.

 

وحذر الدكتور الأمير من عذاب الله لهؤلاء، مستشهدًا بقوله تعالى: “فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا”، حيث فسرها المفسرون أن الله يعد أنفاسهم. وأكد أن الذين يفتون بغير علم يرتكبون الكبائر، كما قال تعالى: “وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”. وأيضًا، حذر من الكذب على رسول الله ﷺ، حيث قال: “من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار”.

 

من جهته، قال الدكتور هاني عودة إن أمانة الفتوى تُعتبر من الأمانات الثقيلة التي تتطلب فهماً عميقاً وعلمًا دقيقًا لذلك يجب أن تُعهد الأمور إلى أهلها، كما قال تعالى: “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”، فقد انتشرت المشكلات في بعض المجتمعات بسبب تصدّر البعض للفتوى دون علم، مما يؤكد ضرورة أن يتحدث الإنسان بما يعرف فقط، وقد حذرنا رسول الله ﷺ من الفتوى بغير علم، حيث قد تؤدي إلى الهلاك، مستشهدا بما رواه جابر رضي الله عنه حادثة تتعلق برجل أصابه حجر في رأسه، ثم احتلم وسأل أصحابه عن رخصة التيمم، فأخبروه بأنه يجب عليه الاغتسال، وعندما فعل ذلك، توفي، فقال النبي ﷺ: “قتلوه! قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال ؟ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب”.

 

وأضاف الدكتور عودة، أن الأزهر الشريف يحمل راية الفكر والفقه بوضوح واعتدال، ويعمل على تعليم طلابه وإعداد أساتذته وعلمائه ليكونوا خير من يمثل دين الله، وقد أنشأ الأزهر لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر، بالإضافة إلى أكثر من 250 فرعًا للفتوى في جميع محافظات الجمهورية، كما أسس المركز العالمي للفتوى الإلكترونية للرد على الاستفسارات ورصد الفتاوى الشاذة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب مرصد الأزهر لمواجهة التطرف، الذي يرد على الفتاوى العالمية بمختلف اللغات.

 

وأكد أن الفتوى ليست متاحة للجميع، فعضو الفتوى يمر بعدة مراحل داخلية قبل إصدار الحكم، بدءًا من تشخيص المسألة والاستماع إلى المستفتي، ثم تكييفها وفق الباب الفقهي المناسب، وصولًا إلى بيان الحكم بناءً على كتاب الله وسنة النبي ﷺ وإجماع وقياس العلماء، مما يضمن صدور الفتوى عن يقين مستند إلى أدلة دامغة.

التعليقات مغلقة.