مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الثقافة والصحة النفسية… حلقة (1)

بقلم دكتور – هشام فخر الدين:

قد يهمك ايضاً:

اعتبرت الثقافة على مر الزمن مؤشراً واضحاً على التطور والرقي والتنمية الدائمة للمجتمعات والدول، لأهميتها في المساهمة في إحداث التوازن التنموي والمحافظة على قيم الأفراد ووجودهم وتوافقهم الاجتماعي والنفسي والدينى. فهي كل مركب من أنماط السلوك والأفكار والمشاعر التي يشترك فيها فئة اجتماعية معينة، لتشمل بذلك أسلوب حياة معين، نظراً لخصائصها المتعددة. وتأثيرها الواضح على الصحة النفسية للفرد، لتكون محكاً قياسياً من محددات الصحة والمرض النفسي في مجتمع معين مقارنة بباقي المجتمعات الأخرى، من خلال تأثير مكوناتها من عادات وتقاليد وأعراف ولغة على ذلك. كما تدخل في علاج الكثير من الإضطرابات النفسية، وتؤثر على النمو النفسي والمعرفي واللغوي للفرد، عن طريق الوسائط الثقافية وعمليات التنشئة الاجتماعية التي تدخل ضمن ممارسات السياق الثقافي.
والصحة النفسية هي مستوى الرفاه النفسي، وأنها تشمل الحالة الاجتماعية والفسيولوجية والعاطفية، وقد يشعر الشخص الذي يتمتع بصحة عقلية جيدة بالتوازن في هذه المجالات من حياته.
ويعانى أكثر من مليار شخص من اضطرابات نفسية، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية يشكل الإكتئاب ثاني أكبر عبء مرضي في جميع أنحاء العالم، فالعبء العالمي للصحة النفسية سوف يتجاوز بكثير القدرات العلاجية للبلدان المتقدمة والنامية، وقد ركزت التكاليف الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالعبء المتزايد لإعتلال الصحة العقلية على إمكانيات تعزيز الصحة النفسية. بالإضافة إلى الوقاية من الأمراض العقلية وعلاجها، وبالتالي فإن الصحة النفسية مرتبطة بالسلوك وينظر إليها على أنها أساسية للصحة الجسدية ونوعية الحياة .
ويرتبط المرض النفسى أو العقلي بالتوازن غير الطبيعي لمواد كيميائية خاصة في الدماغ تسمى الناقلات العصبية، حيث تساعد الناقلات العصبية الخلايا العصبية في الدماغ على التواصل مع بعضها البعض، إذا كانت هذه المواد الكيميائية غير متوازنة أو لا تعمل بشكل صحيح ، فقد لا تصل الرسائل عبر الدماغ بشكل صحيح، مما يؤدي إلى ظهور أعراض مرض عقلي.
وتنتشر العديد من الأمراض العقلية في العائلات، مما يشير إلى أن الأشخاص الذين لديهم أحد أفراد الأسرة مصاب بمرض عقلي هم أكثر عرضة للإصابة بمرض عقلي، حيث تنتقل القابلية للإصابة في العائلات من خلال الجينات. ويعتقد الخبراء أن العديد من الأمراض العقلية مرتبطة بخلل في العديد من الجينات وليس واحداً فقط، هذا هو السبب في أن الشخص يرث القابلية للإصابة بمرض عقلي ولا يصاب بالضرورة بالمرض، ويحدث المرض العقلي نفسه من تفاعل جينات متعددة وعوامل أخرى مثل الإجهاد أو سوء المعاملة أو حدث صادم والتي يمكن أن تؤثر أو تحفز المرض لدى شخص لديه قابلية وراثية للإصابة به.
وتتراوح أعراض المرض النفسي من خفيفة إلى شديدة، وقد تختلف آثارها من شخصٍ إلى آخر. في كثير من الحالات، يصعب المرض النفسي على المريض التعامل مع أمور حياته اليومية التي اعتاد التعامل معها في سهولة وتلقائية. ولكن عندما يقوم أحد الخبراء المتخصصين بتشخيص تلك الحالات، والمساعدة في الحصول على العلاج وعلى العودة إلى الحياة في مسارها الصحيح.
كما يمكن أن تؤدي المصادر الرئيسية للتوتر، كالوفاة أو الطلاق، والمشكلات العائلية، وفقدان الوظيفة، والضغوط الدراسية، والإدمان ، إلى إثارة بعض الاضطرابات النفسية أو تفاقمها لدى بعض الأشخاص. لكن ليس كل من يمر بهذه الأشياء يصاب بمرض نفسي. فمن الطبيعي أن تشعر ببعض الحزن والغضب ومشاعر أخرى عندما تكون لديك انتكاسة كبيرة في الحياة. لكن المرض النفسي أمر مختلف تماماً عن تلك المشاعر الطبيعية.
وتشتمل اضطرابات الصحة النفسية على الاضطرابات في التفكير أو الإنفعال أو السلوك. وتشكل الاضطرابات البسيطة في هذه الجوانب من الحياة أمراً شائعاً، ولكن عندما تسبب هذه الاضطرابات الضيق الشديد وتعوق الشخص بشكل كبير أو تتداخل مع الحياة اليومية، فإنها تعد مرضاً نفسياً أو اضطراباً نفسياً. وقد تكون تأثيرات المرض النفسي طويلةَ الأمد أو مؤقتة.
حيث يعاني ما يقرب من 50% من البالغين من مرض نفسي في مرحلة ما من حياتهم. وأكثر من نصف هؤلاء المرضى يعانون من أعراض متوسطة إلى شديدة. وفي الواقع فإن 4 من أصل 10 أسباب رئيسية للإعاقة أو العجز بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 5 سنوات فما فوق هي اضطرابات في الصحة النفسية، حيث يعد الإكتئاب السبب الأول في جميع الأمراض التي تسبب الإعاقة.