التنمر المدرسي والشارعي والعملي والعائلي في المغرب
شاشا بدر، ليلى الفلالي -المغرب
يشهد المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة تتفشى بسرعة في مختلف الفئات العمرية والمجالات الاجتماعية، ألا وهي ظاهرة التنمر. تختلف أشكال هذه الظاهرة من مكان لآخر، فتظهر في المدارس والشوارع وأماكن العمل وحتى في الأسرة، مما يترك آثارًا سلبية على الأفراد وعلى المجتمع ككل. التنمر، الذي يعد من أبشع أنواع الإساءة النفسية والجسدية، يشكل تحديًا كبيرًا في ظل غياب الوعي الكافي حول أضراره العميقة.
في المدارس المغربية، يُعد التنمر من أخطر المشكلات التي تواجه الطلاب. تبدأ معالم هذه الظاهرة في وقت مبكر من التعليم الابتدائي أو الثانوي، حيث يتعرض العديد من الأطفال والمراهقين لممارسات تنمر متنوعة، تتراوح بين السخرية من المظهر أو اللهجة أو حتى العنف الجسدي. تجد الضحايا أنفسهم في كثير من الأحيان معزولين عن أقرانهم، ما يؤدي إلى تراجع ثقتهم بأنفسهم وضعف أدائهم الدراسي. في بعض الحالات، قد يتطور الأمر إلى تأثيرات نفسية خطيرة، مثل الاكتئاب والقلق، مما يجعل التنمر في المدارس قضية تحتاج إلى اهتمام خاص من قبل المعلمين وأولياء الأمور.ما في الشوارع، حيث يختلط الناس من مختلف الأعمار والخلفيات، فإن التنمر يظهر في صور متعددة، مثل السخرية من الأشخاص بسبب مظهرهم أو جنسهم أو حتى اختياراتهم الشخصية. تتفاقم هذه الظاهرة خاصة في الأماكن العامة حيث يمكن أن يتعرض الأفراد للانتقاد أو التهديد لمجرد ارتداء ملابس معينة أو السلوك بطريقة معينة. وعلى الرغم من أن الكثير من هؤلاء الأفراد قد يحاولون تجاهل التنمر، إلا أن تأثيراته تظل كامنة في أعماقهم وتؤثر على حياتهم اليومية.في أماكن العمل، يبدو أن التنمر يتخذ طابعًا آخر، إذ يرتبط في الغالب بالسلطة والتسلط. يعاني العديد من الموظفين في المغرب من التنمر في بيئة العمل، سواء كان ذلك من قبل الزملاء أو حتى المديرين. يتجلى التنمر في هذه البيئة من خلال تقليل قيمة الموظف، تجاهله أو حتى وضعه في مواقف محرجة أمام الآخرين. إضافة إلى ذلك، قد يؤدي التنمر في مكان العمل إلى ضغوط نفسية تؤثر على أداء الموظف وتزيد من احتمالات التوتر والمشاكل الصحية. هذه البيئة السامة لا تقتصر على الشركات الكبيرة فقط، بل قد تحدث أيضًا في المؤسسات الحكومية والجمعيات يظهر التنمر داخل الأسرة المغربية، حيث تكون العائلة هي المصدر الأول والداعم في بعض الأحيان للأفراد، ولكن في حالات أخرى، تصبح مصدرًا للضغط النفسي. قد يمارس أفراد الأسرة التنمر ضد بعضهم البعض من خلال الإهانة المستمرة أو السيطرة العاطفية، خاصة من قبل الأب أو الأم أو الزوج أو الزوجة. هذا النوع من التنمر، رغم أنه قد لا يظهر بشكل علني، إلا أنه يترك أثراً عميقًا في حياة الضحية، مما يؤثر على علاقاته الأسرية ويؤدي إلى مشاكل في تربية الأطفال.إن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تعاونًا جماعيًا من جميع فئات المجتمع المغربي. يجب أن تركز المدارس على توعية الطلاب والمعلمين حول مخاطر التنمر وطرق معالجته لابد من وجود قوانين صارمة تحمي الأفراد من التعرض للتنمر، سواء في الأماكن العامة أو في بيئة العمل. كما أن توفير الدعم النفسي والاجتماعي للمضطهدين من هذه الظاهرة يعد أمرًا بالغ الأهمية، ليشعر الضحايا بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهتها. لا يمكن إغفال دور الأسرة أيضًا في غرس قيم الاحترام والتسامح بين أفرادها، وتعليم الأطفال كيفية التعامل مع الاختلافات بشكل إيجابي.إن التنمر ليس مجرد تصرف فردي، بل هو مشكلة مجتمعية تتطلب تضافر الجهود لمواجهتها والقضاء عليها.
التعليقات مغلقة.