مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

التزاوج بين الطاقة النووية والطاقة المتجددة

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

يستحوذ قطاع الطاقة على أكبر الاستثمارات على المستوى العالمى، وللعام الثالث على التوالي يكون ترتيب قطاع الطاقة في الاستثمارات الأول على مستوى العالم، ففي عام 2018 استقر الاستثمار العالمي في الطاقة عند 1.85 تريليون دولار أمريكي.

مصادر الطاقة النظيفة، وهى التي لا تتسبب في تلوث البيئة، تتمثل في الطاقة المائية والطاقة النووية والطاقة المتجددة (رياح وشمسى)، فهي تعتبر من أولويات الملفات في أجندات الحكومات. لكن بعض الحكومات مثل “ألمانيا” قد تراجعت عن استخدام الطاقة النووية، وذلك في ضوء المخاوف المتعلقة بالأمان. ومع ذلك، لا يزال كثيرون آخرون يرون دوراً للطاقة النووية في تحولهم للطاقة النظيفة، لكنهم لا يفعلون ما يكفي لتحقيق أهدافهم. هناك عديد من الدول تمتلك شبكات كهرباء نظيفة – محطات توليد صديقة للبيئة – مثل، كندا والبرازيل والنرويج والسويد وفنلندا وهولندا وفرنسا والنمسا ونيوزيلاندا.

في ظل سعي دول العالم إلى الطاقة النظيفة، وفى ظل سعى دول كثيرة للاعتماد بنسب كبيرة على مصادر الطاقة المتجددة (رياح وشمسى)، أصبحت الحاجة ملحة لأن تتواكب المحطات النووية مع ديناميكية شبكة الكهرباء. فديناميكية شبكات الكهرباء تعتبر من الأمور الهامة في عصرنا الحالي. ديناميكية شبكات الكهرباء: تعنى، أن محطات توليد الكهرباء التي تغذى شبكة الكهرباء، لابد وأن تتناغم مع بعضها البعض في المشاركة بتغذية الشبكة بنسب طبقاً لإمكانياتها من توليد الكهرباء، وذلك لتلبية مطالب تغير الأحمال على مدار اليوم، ففي الأوقات التي تكون فيها الطاقة المتجددة (رياح وشمسى) تقوم بتصدير طاقة للشبكة، فعلى المحطات النووية أن تقلل من ضخ طاقتها للشبكة، والعكس صحيح.

الدولة الوحيدة التي محطاتها النووية تقوم بهذا العمل وتستطيع تتبع الأحمال، هي فرنسا. فقد تعلمت فرنسا تصنيع المحطات النووية من أمريكا. واستدعت ظروف فرنسا أن تعتمد بنسبة كبيرة على محطات الطاقة النووية، وذلك بعد أزمة البترول عام 1973 (الآن المحطات النووية في فرنسا تشارك بنسبة 72% في توليد الكهرباء)، فقد أدخلت فرنسا بعض التعديلات على تصميم محطاتها النووية، ومن ضمن هذه التعديلات فقد أدخلت تطوير في مجموعات قضبان التحكم، التي تتحكم في معدل التفاعل المتسلسل من خلال تغيير كمية امتصاص النيوترونات الموجودة في قلب المفاعل النووي، والتي تؤدى إلى التحكم في كمية الطاقة التي يوفرها المفاعل (ما يقرب من ثلث حزم الوقود النووي في قلب المفاعل، مجهزة بحزمة من قضبان التحكم). خصصت فرنسا في مفاعلاتها النووية ما يسمى “قضبان التحكم الرمادية” (تحتوي الحزم الرمادية على 8 قضبان امتصاص فقط، والـ 16 الأخرى مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ)، حيث كفاءة امتصاصها للنيوترونات أقل. حزم قضبان التحكم الرمادية تتحكم في ضبط وتنظيم كمية امتصاص النيوترونات الموجودة في قلب المفاعل النووي، لكى يوفى المفاعل مطالب صعود وهبوط الأحمال من خلال التحكم في كمية الطاقة المولدة.

باقى المفاعلات النووية على مستوى العالم، لا تمتلك خاصة متابعة الأحمال، فهى تعمل طوال اليوم وطوال الأسبوع، ولفترة 90% من أيام السنة على توليد طاقة كهربائية ثابتة. فهى من المصادر الهامة لتغذية الحمل الأساسى للشبكة الكهربائية، مثلها مثل الطاقة المائية ومثل محطات الكهرباء التي تعمل بالمصادر الأحفورية والملوثة للبيئة. وهذا عكس محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي تعتبر من مصادر توليد الطاقة الكهربائية المتقطعة.

قد يهمك ايضاً:

في النهاية، نحن بشر

أنور ابو الخير يكتب : مدرسة جبر الخواطر

وبالتالي فلابد من التزاوج بين محطات الطاقة النووية الكبيرة والمركزية والتي تعمل طوال اليوم، وبين طاقة الرياح والطاقة الشمسية وهى طاقات غير مركزية، لكنها ديناميكية (متغيرة، فهى لا تعمل طوال اليوم). وأصبح السر يكمن؛ في كيفية السعى إلى تحقيق حافظة متوازنة من مصادر الطاقة “المتاحة دائماً” (مثل الطاقة النووية والطاقة المائية) مقترنة بمصادر متجددة متغيرة تعتمد على المصادر الطبيعية مثل الرياح والطاقة الشمسية.

تعد الطاقة النووية ثاني أكبر مصدر للكهرباء منخفضة الكربون بعد الطاقة المائية، حيث وفر 452 مفاعل ما مقداره 2700 تيراوات ساعة من الكهرباء في عام 2018، أو المشاركة بنسبة 10٪ من الكهرباء المولدة على مستوى العالم. وقد تم ربط 11.2 جيجاوات من الطاقة النووية الجديدة بشبكات الطاقة على مستوى العالم في عام 2018 ، وهو أعلى إجمالي منذ عام 1990،  وتركزت هذه الإضافات في الصين وروسيا. وفي الاقتصاديات المتقدمة، مثل أمريكا تعتبر الطاقة النووية أكبر مصدر للكهرباء منخفضة الكربون بها، حيث وفرت 18٪ من الكهرباء في عام 2018. وباستخدام المحطات النووية على مدى السنوات الـ 50 الماضية، فقد جنبت العالم ما مقداره 55 جيجا طن من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون CO2.

ومع ذلك، تعد ظروف السوق الصعبة عائقاً أمام الاستثمارات فى الطاقة النووية. فقد أدى توفر الغاز الطبيعى وانخفاض سعره، إلى مطاردة المحطات النووية وخاصة في أمريكا، مما سوف يعرض الطاقة النووية للإغلاق مبكراً إذا لزم الأمر. ففي أمريكا، يوجد حوالي 90 مفاعلاً لديها تراخيص تشغيل خلال 60 عاماً، ومع ذلك فقد تقاعد العديد منها بالفعل في وقت مبكر، والكثير منها في خطر بسبب انخفاض أسعار كهرباء محطات الغاز الطبيعى.

ولتحقيق حافظة متوازنة من مصادر الطاقة، على شبكات مقترنة بمحطات نووية وبمصادر متجددة متغيرة تعتمد على المصادر الطبيعية مثل الرياح والطاقة الشمسية. فلابد من جعل المحطات النووية أكثر مرونة، وذلك عن طريق تخزين فائض طاقة المحطة النووية والذى لا تحتاجه شبكة الكهرباء، مثل استخدام هذه الطاقة في إنتاج الهيدروجين وتخزينه، ويمكن الاحتفاظ بالهيدروجين لمدد طويلة، ثم استخدامه عند اللزوم لتوليد الطاقة، أو تسير وسائل المواصلات، ألمانيا لديها 20 محطة لتحويل الطاقة إلى هيدروجين. ومن بين الحلول أيضاُ، استخدام الطاقة الحرارية الفائضة من المحطة النووية في تحلية المياه.

عملية المناورة في استخدام فائض الطاقة، يعطي المحطات النووية فرصة أوسع في استخدام فائض الطاقة عندما تضخ محطات الرياح والطاقة الشمسية طاقة كهربائية على الشبكة. بذلك تستطيع المحطات النووية أن تتزاوج مع محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على شبكة كهربائية ديناميكية. وهي ميزة مناسبة تماماً تجعل المحطات النووية، التي في الخدمة حالياً، قادرة على التكيف مع ديناميكية الشبكة ذات الحصص الأكبر من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

هذا لا يعنى أن موثوقية المحطات النووية 100%، وهذا لا يعنى أن المحطات النووية لا تشكل خطراً على شبكة الكهرباء. فالمحطات النووية الكبيرة يمكن أن تتسبب في اهتزاز شبكة الكهرباء حين خروجها بدون سابق إنذار، وذلك في حالة ما إذا كانت قدرة المحطة أقل من 0.1 من قدرة الشبكة. وتتسبب في إحداث اهتزاز عنيف للشبكة، لو كانت قدرة المحطة أعلى من 0.1 من قدرة الشبكة، مما يؤدى إلى خروج المحطات من الشبكة وإحداث إظلام تام. فمحطات الطاقة النووية يمكن أن تتوقف خلال ثانية واحدة وبدون سابق إنذار. ومن ثم، فلابد من وجود احتياطي غزير وتبديل سريع في الشبكة، لربط وحدات التوليد الإضافية المتاحة بالشبكة.

العديد من تصميمات المفاعلات المتقدمة هي الأفضل بشكل ديناميكي في متابعة الطلب على الكهرباء، أو تخزين الطاقة عند عدم الحاجة إليها، أو إرسال الطاقة إلى العمليات الصناعية الأخرى. فالابتكارات تعد بجعل هذا النوع من التكامل (التزاوج) أسهل، حين تصبح هذه التكنولوجيات قيد الانتشار والتشغيل التجارى بحلول عام 2030 أو 2035. بالطبع، ليس هناك ما يضمن قدرة مطوري المفاعلات على الوفاء بهذه المواعيد النهائية. ومن المؤكد أننا شهدنا تأخيرات طويلة ومكلفة في المشاريع النووية الأخيرة، وفى أكثر من دولة، منها روسيا وأمريكا وفرنسا وفنلندا. لكن المفاعلات المتقدمة يمكن أن تكون مختلفة، وذلك أساساً بسبب حجمها الصغير.

أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

اترك رد