مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

التحرش الجنسي: الجاني الخفي داخلنا جميعًا؟

بقلم –  يارا زرزور :

في كل مرة يُطرح فيها موضوع التحرش الجنسي، تتجه الأنظار فورًا نحو الجناة: ذلك الرجل الذي أطلق تعليقًا غير لائق، أو ذاك المدير الذي استغل سلطته، أو حتى الغريب الذي تحرش بامرأة في الشارع، لكن ماذا لو كانت الصورة أكثر تعقيدًا؟ ماذا لو أن التحرش ليس مجرد “حادث فردي”، بل عرض دائم لثقافة مريضة نشارك جميعًا في صناعتها؟

 

التحرش لا يبدأ في الشارع،  بل في البيت، فنحن غالبًا ما نُدين المتحرش في لحظة الفعل، لكننا نغفل عن جذور المشكلة، فكم من أمّ طلبت من ابنتها أن “تلبس باحتشام” خوفًا من تحرش الرجال، بدلاً من أن تُعلم ابنها أن جسد المرأة ليس دعوة؟ كم من أب تغاضى عن تعليقات ابنه “الذكورية” لأنها مجرد “كلام رجالة”؟

 هنا، يولد المتحرش، فالبيوت تصنع المتحرشين أكثر مما تفعل الشوارع.

 

التحرش ليس فقط عن الجنس، إنه عن السيطرة، عن الإخضاع، عن الإذلال، المتحرش لا يسعى فقط لإرضاء شهوة، بل لإثبات تفوقه، لفرض حضوره، لكسر الآخر، في الشارع، في أماكن العمل، وحتى داخل البيوت ، يتحول التحرش إلى تكتيك للترهيب، وسلاح لإقصاء النساء أو إخضاعهن لمنظومة سلطة يسيطر عليها الذكور.

 

واحدة من أكثر البيئات التي يُفترض أنها آمنة، تتحول أحيانًا إلى ساحة انتهاك مريعة: الجامعات والمعاهد العليا، في الظل، يقف بعض أعضاء هيئة التدريس—أصحاب المكانة، والسلطة، والنفوذ—مستخدمين درجاتهم العلمية كغطاء للتحرش بالطالبات، يبدأ الأمر غالبًا بإعجاب ظاهري، ثم تلميحات، ثم عرض مبطن للمساعدة مقابل “التجاوب”.

 

لكن الأخطر ليس التحرش فقط… بل العقاب، كثير من الطالبات اللاتي رفضن الانصياع، وجدن أنفسهن مهددات بالرسوب، أو بتقارير سلبية، أو بحرمان غير مبرر من فرص أكاديمية، كيف يمكن لطالبة أن تشتكي من شخص هو من يضع لها الدرجات؟ من يحميها؟ ومن يصدقها؟ وما معنى “الأمان التعليمي” إذا كان الأستاذ هو المعتدي؟

 

قد يهمك ايضاً:

انور ابو الخير يكتب : يوم عرفة يوم المباهاة بضيوف الرحمن

التوقعات الاقتصادية لمصر لعام 2025:

الأكثر إثارة للقلق أن بعض من تعرضوا للتحرش في طفولتهم، يتحولون لاحقًا إلى متحرشين، هذه الحقيقة المؤلمة لا تبرر الفعل، لكنها تكشف عن حلقة معقدة من الألم والتكرار والتشوه النفسي، السؤال الصعب: هل نكتفي بإدانة المتحرشين؟ أم نحتاج إلى علاجهم أيضًا؟ هل نُبالغ أحيانًا في تصنيف السلوكيات؟

 

في المقابل، يثير البعض سؤالًا مشروعًا: هل أصبحت بعض الاتهامات تُطلق جزافًا؟ هل كل تفاعل غير مريح هو تحرش؟ ماذا عن الاختلافات الثقافية؟ عن الجهل؟ عن النوايا السيئة ؟ عن العقول غير الواعية؟ أين نضع الحدود؟ فبين حماية الضحية وضمان العدالة للمتهم، يقف المجتمع حائرًا.

 

في النهاية: الكل مدان… حتى يثبت العكس

 

التحرش ليس فعل فرد، إنه نتيجة ثقافة ومجتمع يغضّ الطرف، أو يبرر، أو يسكت، أو يضحك على “نكتة تحرش”، فيصبح مشاركا في الجريمة.

 

 نعم، الجاني يجب أن يُحاسب، ولكن المجتمع كله بحاجة إلى محاكمة ضمير.

 

ولعل السؤال الأهم ليس: “لماذا يتحرش البعض؟”

بل: “لماذا نصمت جميعًا؟”