مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

البطل العريف عبد الفتاح البوهي: كنت المسئول عن إرسال إشارة الحرب للجبهة

33

بقلم – محمد حسن حمادة:

الحلقة الثالثة.

كانت مصر تعيش في أسوأ حال وأحرج اللحظات هزيمة بطعم المر والعلقم ذل وانكسار من وقع الهزيمة المدوية وصل بنا الحال لنشاهد طائراتنا تُضرب على الأرض صادتها إسرائيل كالعصافير! فبلغت الروح الحلقوم وما ترك الغصة الأكبر في النفس أننا لم نخض حربا حقيقية وجها لوجه جيش أمام جيش، لكن النتيجة أن إسرائيل ظفرت بنصر مزيف بطعم الخيانة والخداع والمؤامرة، وبلغة (السوشيال ميديا) اليوم (خدت اللقطة) وصدرتها للعالم إعلاميا بمنتهى البراعة، اتضح ذلك جليا في المؤتمرات الخارجية لأن الصورة في الخارج كانت أشد قتامة وذلك يعود لقوة الآلة الإعلامية الصهيونية الكاذبة التي ألصقت بالجندي المصري والعربي كل نقيصة وللأسف الغرب لم يسمع وقتها إلا صوتا واحدا، صوت إسرائيل أما نحن فمازلنا مغيبين نترنح حتى الثمالة من وقع الهزيمة، كانت هذه هي الأجواء التي كنا نعيشها ويعاني منها الشعب المصري.

التحقت أنا العريف عبد الفتاح عبد الرحمن البوهي بالخدمة في الجيش المصري في  9/3/1971 ألحقوني بسلاح الإشارة، كان تدريبي في مركز تدريب الإشارة بالجبل الأحمر، كانا المسئولان عن هذا المركز اللواء رفعت وهبة واللواء محروس أبو حسين وبعد ستة شهور كنت الثالث على الفرقة في سرعة الكتابة فقد كنت أكتب بما يعادل 36 كلمة في الدقيقة الواحدة كرمونا في احتفالية كبيرة ثم وزوعوني بعدها على مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، بالوحدة 2683 أمام غرفة العمليات الرئيسية للحرب مع الرئيس السادات الذي كنت أشاهده كل لحظة وحسبة لله تعالى طيلة أيام الحرب لم يغادر الرئيس السادات مركز القيادة، كنت أراه رأي العين ولكن دون أن أجرؤ على الاقتراب منه سواء هو أو غيره من القيادات العسكرية للجيش على رأسهم وزير الحربية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق أحمد إسماعيل علي واللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية، فلم يكن لنا أي تعامل مباشر مع هذه القيادات لكن لي موقف مع وزير الحربية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق أحمد إسماعيل: عندما استلمت إشارة مهمة هرولت لتسليمها في الحال فاصطدمت به وكنت أظنه سيعاقبني ولكنه ربت على كتفي وتعامل معي بكل إنسانية”.

أما رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي فقد كان يقيم بالغرفة المجاورة لي، وعندما يستيقظ يقوم بالتوجه إلى الجبهة، لن أنسى عظمة هذا الرجل وتواضعه وبساطته، ففي أحد أيام الحرب وجدنا منهمكين في العمل فأمر لنا بصرف وجبة غذائية إضافية مميزة.

كنت (حكمدارا) على جهاز (طاقم تلغراف) على رأس عشرة أشخاص فيما يسمى (بمكتب التسجيل) الذي كان يضم عدة تخصصات منها جهاز يختص بنقل الصورة وجهاز للشفرة وجهاز للتحويلة وجهاز للبرق وجهاز لاسلكي وجهاز للربط الداخلي، وجهاز النداء المشترك الخاص برفع درجات الاستعداد للدرجة القصوى، سأحاول أن أشرح لك مهمتي بكل بساطة: العميد يقول لي يافندي بلغ الإشارة دي وكانت إشارة صادرة عن غرفة العمليات أتسلمها ثم أسجلها، على سبيل المثال هذه الإشارة التي وردت قبيل حرب السادس من أكتوبر 1973. بسويعات وكانت فحواها كالآتي: على السادة الوزراء الاجتماع بالسيد رئيس الجمهورية في منطقة أبو رديس”. فنبلغها لكل الجهات والأسلحة.

قاطعته: عفوا يابطل لكن مانعرفه أن الشفرة التي استخدمت في حرب أكتوبر كانت الشفرة النوبية وقد سجلت مع صاحب فكرة الشفرة النوبية البطل أحمد إدريس رحمه الله قبيل وفاته؟

قد يهمك ايضاً:

فرد علىً البطل العريف عبد الفتاح عبد الرحمن البوهي، إحنا كنا خطوط ربط داخلي؟

وعن ليلة السادس من أكتوبر يروي لي البطل: في هذه الليلة وصل لمقر القيادة شخصية دينية كبرى، اجتمع به الرئيس السادات والقيادات العسكرية على انفراد، وبعد انصرافه جاء عقيد يطلب منا أن نفطر فرفضت أنا وزملائي، هذه ليلة لاتنسى فقد خصني الله بأن أكون من أوائل الناس الذين عرفوا موعد الحرب فقد كنت المسئول عن إرسال إشارة الحرب للجبهة”.

وفي نهار السادس من أكتوبر وفي تمام الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرا قام الطيران المصري بالضربة الجوية الأولى، لم أخرج من (مكتب التسجيل) وبعد عشرة أيام من الحرب أعطوني إجازة إثنتى عشرة ساعة فأصابتني الدهشة إجازة في عز الحرب ولماذا أنا دون زملائي؟

وعندما وصلت إلى طنان وجدت بانتظاري عمي صبحي وعمي سعيد البوهي مع والدي يسألونني عن عمي مهني؟  فقلت لهم (لا أعرف). ثم طلبت منهم آخر خطاب من عمي مهني، فذهبت (لتحويلة المنطقة) فأبلغوني باستشهاد عمي مهني على كوبري الفردان، فأبلغت أبي ووصيته بكتم الخبر فبعد أسبوع سيبلغ الجيش أعمامي بشكل رسمي عن طريق النقطة وقد كان”. ثم أردف بصوت ملؤه العبرات: ربنا يرحمك ياعمي مهني ويتقبلك من الشهداء ويلحقنا بك على خير”.

بعد الحرب ركبت القطار كانت الفرحة عارمة الجميع يهنئونني لكن عندما وصلت طنان كان الأمر مختلفا فبعضهم يهنئني وبعضهم يواسيني في عمي والبعض الآخر  يهنئني ثم يعقب التهنئة بالتعزية لكن في النهاية تغلبت فرحة النصر على ماعداها”.

هكذا هو المارد المصري في كل زمان ومكان يأبى الخضوع والاستسلام وينفض الغبار عن وجهه ويعلن غضبته أمام العالم ويستيقظ من سباته العميق لأنه أدرك أن الهزيمة النفسية أشد فداحة من الهزيمة العسكرية والسياسية، لتتغير المعادلة فبعدما كانت إسرائيل تتفاخر بأنها انتصرت على العرب في ستة أيام أضحي العرب يتفاخرون بأنهم انتصروا على إسرائيل في اليوم السابع بل انتصرت مصر علي جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لايقهر في ست ساعات وتتبدل صورة الجندي المصري بعد وقف إطلاق النار ويمحو أكاذيب إسرائيل، فهاهو الشهيد مهني أبو السعود البوهي من قرية طنان بمحافظة القليوبية لايحارب بشجاعة وبسالة منقطعة النظير فقط بل أبهر العالم باستخدامه أعقد الأسلحة والمعدات الحديثة، ليسقط شهيدا على كوبري الفردان، ليروي بدمه أرض سيناء ويسجل اسمه في سجل الشرف والخلود بعدما سطر اسمه بأحرف من نور فى الوجدان والقلوب، ليستكمل ابن عمه المزارع البسيط البطل العريف/ عبد الفتاح عبد الرحمن البوهي الحرب وينجح في استخدام وسائل الاتصالات الحديثة  آنذاك بمهارة فائقة ويقوم بمهمته على أكمل وجه حتى النصر ليأخذ بثأر عمه وكل شهداء الوطن رحم الله البطل الطناني الشهيد مهني أبو السعود البوهي وأطال عمر البطل العريف/ عبد الفتاح عبد الرحمن البوهي هو وكل أبطال طنان ومصرنا الحبيبة الذين صنعوا النصر فجلبوا لنا الفخر.

 

التعليقات مغلقة.