البطالة في المغرب: تحديات الحاضر وأزمات المستقبل
بقلم – بدر شاشا
باحث بجامعة ابن طفيل القنيطرة
تُعد البطالة في المغرب من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع، وهي مشكلة ليست جديدة لكنها اليوم تتفاقم وتتشعب بشكل مقلق، لا سيما مع ارتفاع أعداد الشباب الذين يعجزون عن إيجاد فرص عمل ملائمة لتطلعاتهم وللتخصصات التي تلقوها في النظام التعليمي. هذا الوضع أصبح كابوساً يهدد مستقبل أجيال كاملة، ويحمل في طياته انعكاسات سلبية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، حيث لا تقتصر المشكلة على الأفراد المعنيين بالبطالة فقط، بل تمتد لتشمل المجتمع بأسره بما في ذلك الأسرة، والاستقرار الاجتماعي، والاقتصاد الوطني.
منذ عقود، والبطالة في المغرب تتصدر المشهد السياسي والاقتصادي كمشكلة جوهرية، ومع ذلك لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد حلول جذرية وفعالة لهذه الأزمة. ففي الوقت الذي كان فيه الجميع يترقبون تحسنًا في سوق العمل عقب الإصلاحات الاقتصادية التي شهدها المغرب، جاء الواقع معاكسًا تمامًا للتوقعات. فقد زادت نسبة البطالة، خاصة بين فئة الشباب الحاصلين على الشهادات الجامعية. وبدلاً من أن يكون التعليم سبيلاً إلى تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، أصبح خريجو الجامعات يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع شبح البطالة، مما يزيد من حدة الشعور بالإحباط واليأس لدى هذه الفئة الحيوية من المجتمع.
تفاقم البطالة له أسبابه العميقة، وهي تتجاوز المشاكل الاقتصادية المباشرة إلى مشاكل هيكلية تتعلق بمنظومة التعليم والتكوين المهني. فالاقتصاد المغربي يعتمد بشكل كبير على قطاعات غير مستقرة، مثل السياحة والعقارات، التي قد تتأثر سريعًا بالتقلبات الاقتصادية والسياسية. وهذا ما شهدناه في الأزمات العالمية الأخيرة التي ضربت الاقتصاد العالمي وتسببت في شلل شبه تام في بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية. علاوة على ذلك، فإن قطاع الفلاحة، الذي كان يشكل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني، أصبح يعاني من تراجع ملحوظ نتيجة عوامل مختلفة منها التغيرات المناخية ونقص الاستثمارات في التكنولوجيا الزراعية.
ولكن الأمر الأكثر خطورة هو الفجوة الكبيرة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. فالنظام التعليمي في المغرب، رغم الإصلاحات المتكررة التي شهدها، ما زال يعاني من مشاكل بنيوية تعرقل قدرته على تزويد الطلاب بالمهارات والمعارف التي يتطلبها سوق العمل الحديث. غالبًا ما يخرج الطلاب من الجامعات بشهادات لا تتماشى مع متطلبات السوق، مما يجعلهم غير قادرين على إيجاد وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم. هذا الواقع يؤدي إلى زيادة في أعداد العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية، وهم الفئة التي يُفترض أن تكون المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
البطالة ليست فقط قضية اقتصادية، بل هي مشكلة اجتماعية أيضًا. فالشباب الذين يجدون أنفسهم دون عمل بعد سنوات من الدراسة والتكوين يعيشون في حالة من الإحباط والشعور بعدم الأهمية. البطالة تجعلهم يشعرون بالعجز، خاصة في ظل غياب فرص العمل العادلة والتوزيع غير المتكافئ للثروات. ونتيجة لهذا الإحباط، قد يلجأ بعض الشباب إلى الهجرة غير الشرعية كحل أخير للهروب من الواقع المرير. الهجرة التي كانت تُعتبر في وقت سابق وسيلة لتحسين ظروف الحياة أصبحت اليوم بمثابة رحلة إلى المجهول، حيث يواجه الكثير من الشباب المغاربة الموت في عرض البحر بحثًا عن فرصة حياة أفضل.
أزمة البطالة في المغرب ليست مشكلة تخص الشباب وحدهم، بل هي مشكلة تلامس كل جوانب المجتمع. فكلما ارتفعت معدلات البطالة، زادت الضغوط على الأسر التي تُعيل هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل. وفي بعض الأحيان، قد يؤدي غياب العمل إلى نشوب خلافات داخل الأسرة نفسها بسبب الضغوط المادية والنفسية، مما يهدد بتفكك الأسر وزيادة حالات الطلاق والتفكك الاجتماعي. كما أن البطالة تعد سببًا رئيسيًا لانتشار الفقر والجريمة، حيث يعاني الشباب العاطلون من ضغوط نفسية واقتصادية تجعلهم عرضة للانحراف والسلوكيات العنيفة.
الحلول المطروحة لمعالجة أزمة البطالة في المغرب تتطلب إعادة نظر شاملة في السياسات الاقتصادية والتعليمية. يجب على الدولة أن تركز على تطوير قطاعات إنتاجية قادرة على خلق فرص عمل مستدامة، مثل الصناعة والزراعة والتكنولوجيا. الصناعة يمكن أن توفر العديد من فرص العمل للشباب، خاصة إذا تم توجيه الاستثمارات نحو المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تلعب دورًا حيويًا في دعم الاقتصاد الوطني. كما أن الزراعة، إذا تم تحديثها واعتماد التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج، يمكن أن تصبح قطاعًا رئيسيًا لتوفير فرص العمل ليس فقط في المناطق الريفية، بل أيضًا في المدن.
إلى جانب ذلك، هناك حاجة ملحة لإصلاح النظام التعليمي بشكل جذري، حيث يجب أن يتم تطوير مناهج التعليم لتتوافق مع احتياجات سوق العمل. يجب أن يُمنح الطلاب التعليم العملي والمهني الذي يمكنهم من اكتساب المهارات التقنية والفنية التي تجعلهم أكثر تنافسية في سوق العمل. كما أن التكوين المهني يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من النظام التعليمي، بحيث يتم تحفيز الشباب على تعلم الحرف والمهن التي تحتاجها البلاد بدلًا من الاقتصار على التعليم النظري فقط.
لكن رغم كل الحلول الاقتصادية والتعليمية التي يمكن طرحها، يبقى الأهم هو توفير بيئة مناسبة للشباب تمكنهم من الإبداع والابتكار. الشباب المغربي مليء بالطاقة والإمكانيات، لكنه يحتاج إلى توجيه ودعم. الحكومة يجب أن تتبنى سياسات تُشجع ريادة الأعمال وتوفر التمويل اللازم لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة. هذا من شأنه أن يخلق بيئة عمل جديدة ومستدامة، ويساعد الشباب على أن يكونوا جزءًا من الحل وليس جزءًا من المشكلة.
كما أن السياسات الحكومية يجب أن تركز على تشجيع الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار، حيث يمكن للتكنولوجيا أن تكون محركًا قويًا للنمو الاقتصادي. ففي عصر العولمة، أصبحت التكنولوجيا مفتاحًا رئيسيًا لخلق فرص العمل وتحقيق التنمية الاقتصادية. يمكن للشباب المغربي أن يلعب دورًا مهمًا في تطوير قطاعات مثل البرمجة، والتصميم الرقمي، والصناعات الإبداعية، إذا ما تم توفير التدريب والدعم اللازمين.
من ناحية أخرى، يجب على المجتمع المدني أن يلعب دورًا مهمًا في مواجهة أزمة البطالة. الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية يمكن أن تكون وسيلة فعالة لدعم الشباب وتقديم التدريب والمساعدة لهم. يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دور الوسيط بين الشباب وسوق العمل، من خلال تنظيم ورش عمل وتدريب مهني للشباب العاطلين عن العمل. كما يمكن أن تكون هناك مبادرات اجتماعية تهدف إلى دعم المشاريع الصغيرة للشباب وتشجيعهم على العمل في المجالات التي تفتقر إلى الكوادر البشرية المؤهلة.
يمكن القول إن البطالة في المغرب هي أزمة معقدة ومتعددة الأبعاد، ولكنها ليست مستحيلة الحل. التحدي الكبير يكمن في ضرورة وجود إرادة سياسية قوية، بالإضافة إلى تعاون وثيق بين الحكومة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص. الحلول موجودة، لكن تنفيذها يتطلب تخطيطًا طويل الأمد ورؤية مستقبلية تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة. الشباب المغربي يستحق الفرصة، وإذا تم توفير الظروف الملائمة، سيكون قادرًا على تحقيق التغيير والمساهمة الفعالة في بناء وطنه.
لكن إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن خطر تفاقم البطالة يظل ماثلاً، مع ما يحمله من تهديدات جدية للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
التقرير يظهر أن سوق العمل بين الفصل الثالث من سنة 2022 والفصل الثالث من سنة 2023 شهد تغييرات ملحوظة. تم تسجيل فقدان في مناصب الشغل بواقع 297 ألف منصب. هذه الخسائر توزعت بين الوسط الحضري بواقع 29 ألف منصب، والوسط القروي بواقع 269 ألف منصب. القطاع الأكثر تأثراً كان الخدمات، حيث شهد هذا القطاع فقدان 297 ألف منصب شغل. في المقابل، قطاع الفلاحة والغابات والصيد عانى من فقدان 297 ألف منصب أيضاً، وكانت هذه الخسارة مركزة بشكل كبير في الوسط القروي. قطاع البناء والأشغال العمومية شهد فقدان 2000 منصب، بينما قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية شهد أدنى خسارة بفقدان 14 ألف منصب شغل.
فيما يخص البطالة، ارتفع عدد العاطلين عن العمل ليصل إلى 1.625 مليون على المستوى الوطني، وهو ما يمثل زيادة بواقع 181 ألف عاطل في الوسط الحضري. معدل البطالة ارتفع من 11.4 في المئة في سنة 2022 إلى 13.5 في المئة في سنة 2023 على المستوى الوطني. في الوسط الحضري، ارتفع من 15 في المئة إلى 17 في المئة، وفي الوسط القروي، ارتفع من 5.2 في المئة إلى 7 في المئة.
فيما يتعلق بمعدل النشاط، شهد هذا المعدل تراجعاً ملحوظاً من 45.8 في المئة إلى 43.2 في المئة على المستوى الوطني بين السنتين، في حين أن معدل التشغيل انخفض من 41.9 في المئة إلى 39 في المئة.
التعليقات مغلقة.