بقلم- الدكتور على عبد النبى:
الالتحام الأول الذى جمع بين روسيا والصين فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء ، كان لبناء محطة الطاقة النووية “تيانوان 1&2” Tianwan فى الصين ، وهذه المحطة تتكون من مفاعلين كل منهما ذات قدرة 1000 ميجاوات ، وهى من نوع VVER-1000 الروسية ، ويستخدم المفاعلين تكنولوجيا مفاعل الماء المضغوط (PWR). وتصميمات المفاعلين هى طبقا لتصميمات المفاعل القياسى الروسى VVER-1000/428 ، لكن تم ادخال بعض التعديلات فى التصميم طبقا لمتطلبات الصين. بدأت أعمال الإنشاءات للمفاعل الأول فى 20 أكتوبر 1999 ، وللمفاعل الثانى فى 20 أكتوبر 2000. وبدأ التشغيل التجارى للمفاعل الأول فى 17 مايو 2007 ، والتشغيل التجارى للمفاعل الثانى فى 16 أغسطس 2007.
الالتحام الثانى الذى جمع بين روسيا والصين فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء كان الشهر الماضى وبالتحديد كان يوم 8 يونيو 2018، وكان لبناء 4 مفاعلات نووية من الجيل 3+ الروسية ، وهى من نوع VVER-1200 ، حيث قدرة المفاعل الواحد 1200 ميجاوات. والبعض يطلق عليها “صفقة القرن” ، حيث تتضمن الصفقة مساعدة روسيا للصين فى تطوير المفاعل الصينى CFR-600 قدرة 600 ميجاوات كهربى، وهو مفاعل تجريبى يستخدم النيترونات السريعة فى انشطار اليورانيوم 238 – UO2، ويستخدم الصوديوم فى التبريد، وله القدرة على توليد وقود جديد ونسبة التوليد (التكاثر) هى 1.2. كما أن الصفقة تتضمن توريد وحدة نويدات مشعة كهروحرارية لاستخدامها فى برنامج الفضاء الصينى.
هذه الصفقة هى صفقة ضخمة بجميع المقاييس ، وسيكون لها تأثير السحر على الصناعات النووية العالمية ، فحينما تتعاون الصناعة النووية الروسية مع الصناعة النووية الصينية فى مشاريع محطات طاقة نووية فهذا إثراء لتكنولوجيا المستقبل والمتمثلة فى استخدام الطاقة النووية فى مجال توليد الكهرباء.
هذه الصفقة بين قطبين نوويين ، فهى تتصف بالقوة والاتزان. قوة فى التطوير التكنولوجى وخلق فرص ابداع جديدة ، واتزان فى الفكر الهندسى وفى إدارة تنفيذ مشاريع المحطات النووية.
اتمنى ان تكون هذه الصفقة هى الصفقة القياسية العالمية التى تستند اليها دول العالم فى تنفيذ برامجها النووية لتوليد الكهرباء. واتمنى أن يصدر عن هذه الصفقة المراجع الكافية والوافية لتكون مرجع يحتذى به .
الصين تقوم بتنويع وتحديث تكنولوجياتها النووية من خلال إدخال وتوطين تكنولوجيات نووية متطورة من دول أخرى ، مثل فرنسا وروسيا وكندا قاموا ببناء محطات نووية فى الصين وأمريكا تقوم الآن ببناء محطات نووية فى الصين. كلنا يعلم أن الصين دولة صناعية كبرى، وأن الصين تقوم بتصنيع محطات نووية، وأن الصين تقوم بتصدير محطات نووية، كما أنها قدمت عرض لمصر لبناء محطات نووية صينية من الجيل الثالث فى موقع الضبعة. ويكفى أن نعرف أن الصين صنعت عدة موديلات من المفاعلات النووية. وهى: موديل CNP-300 ، وموديل CNP-600 ، وموديل CPR-1000 ، وكذا فهى الآن تقوم بتصنيع مفاعل موديلACPR-1000 وهو من الجيل الثالث، والصين تمتلك الآن 40 محطة نووية فى الخدمة و17 محطة نووية تحت الإنشاء. من خلال هذه الصفقة سيصبح موقع “تيانوان” الصينى النووى يضم عدد 8 محطات نووية وهم : عدد 4 محطات روسية الصنع موديل VVER-1000 ، وعدد 2 محطة صناعة الصين موديل ACPR-1000 ، بالاضافة الى عدد 2 محطة صناعة روسية من الجيل 3+ موديل VVER-1200.
نجاح الصفقات النووية يعتمد على قوة المشترى ، لان البائع يملك التكنولوجيا ويمتلك تطويرها. فإذا كان المشترى قوى ، فهذا يعطى للبائع فرصة تقديم كل ما يؤهله لكى يكسب رضى المشترى. لذلك فقد أدى اشتراك المتخصصين الروس والصينيين فى إدخال تطوير فى التصميم للمفاعلات النووية الى نجاح صفقة مفاعلات “تيانوان 1&2” من نوع VVER-1000 بين روسيا والصين.
الأن روسيا تتصدر السوق العالمى فى مبيعات مفاعلات الجيل 3+ . وتوقيع اتفاقية بين روسيا والصين لبناء محطات طاقة نووية جديدة من الجيل 3+ فى موقع “تيانوان” للطاقة النووية وهم الوحدات 7 & 8، لهو خير دليل على ثقة الشريك الصينى فى هذا الجيل من المفاعلات النووية الروسية المتطورة ، وخاصة وأن الصين كانت تخطط لبناء المزيد من المفاعلات النووية الأمريكية AP-1000 . واننى اعتبر هذا التحول هو تحول استراتيجى فى الفلسفة النووية الصينية ، خاصة وأنه كان متوقعا أن تقوم الصين ببناء 30 مفاعل من هذا النوع AP-1000 بحلول عام 2030 .
الآن تحتل “روزاتوم” المرتبة الأولى فى صادرات المحطات النووية لدول العالم المختلفة. وقد جاءت صفقة بيع 4 محطات من الجيل 3+ ، والتعاون فى مشروع مفاعل المولد السريع التجريبى الصينى لتأكد صدارة المبيعات النووية السلمية الروسية للماركت العالمى ، وكذا لتأكد أن سياسة دولة روسيا كانت ولاتزال تتعامل كصديق حر لشعوب العالم المختلفة ، وهدفها نشر السلام بين ربوع المعمورة ، وأنها تتطلع الى تنمية قدرات هذه الشعوب من خلال نقل التكنولوجيا النووية السلمية وتوطنها فى مصانع هذه الدول.
مفهوم “انتشار أكثر عالمية” ، الأن “روزاتوم” أصبحت تنتهجه ، وهى الآن تمتلك السوق العالمى فى تصدير التكنولوجيا النووية السلمية ، بل وأصبحت “روزاتوم” منافسا قويا لكثير من الدول وليس الشركات.
حاليا “روزاتوم” تقوم بتنفيذ 39 مشروع محطة نووية لتوليد الكهرباء حول العالم، منهم 33 محطة نووية خارج روسيا. ومن خلال “روزاتوم” تزداد ثقة دول العالم فى الصناعات الروسية ، وأصبحت تلعب دور الجوكر فى السوق العالمى للمحطات النووية ، وأصبحت الريادة لها بدليل أن الطلبات الخارجية فى مجال الطاقة النووية خلال عشر سنوات وصلت الى 135 مليار دولار. ونظرا للثقة المتزايدة فى الصناعات النووية الروسية والمتمثلة فى شركة “روزاتوم” وأصبح الأن السوق العربى مفتوح أمام “روزاتوم” لتوقيع اتفاقيات مع السعودية والجزائر والإمارات والمغرب والسودان.
دائما أقول أن قوة المشترى هى أساس نجاح التعاقد للمشاريع النووية العملاقة، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الأعتماد على الخبراء والمتخصصين فى مجال المحطات النووية والمتواجدين داخل مصر أو المتواجدين فى دول المهجر.
دائما وأبدا انبه الى الاستفادة من تجارب الدول الأخرى فى التعاقد على بناء محطات نووية لتوليد الكهرباء ، ومن المهم أن تكون التجارب أمام أعيننا ، وعلينا أن ندرس كيف قامت هذه الدول بالأستفادة من خبرائها ، وكيفية إعداد كوادرها الفنية النووية لنجاح مرحلة التفاوض وضمان كتابة عقد مُحكم. ثم علينا أن نتدارس الدروس المستفادة من مراحل ما قبل تنفيذ المحطة النووية ، ومرحلة تنفيذ المحطة النووية ومراحل التشغيل والصيانة.
وانا كمتخصص أرى أن تجربة “روزاتوم” مع الصين فى بناء محطتين نوويتين “تيانوان 1&2” من نوع VVER-1000، هو من أروع ما تم من تعاقد ، فهو نتيجة تعاون بين قوتين نوويتين وكان هدفهم الوصول الى الأمثل.
العملاقة “روزاتوم” لا ولن تبخل بشئ لأنها ستعطى بلا حدود ولكن المشكلة دائما تكون عند المتلقى للمعلومة ، وعلينا الإستفادة من “روزاتوم” لإعداد جيش من الكوادر الفنية الشابة للإشراف على تنفيذ المحطات النووية ، ويكون المطلب الأساسى من هذه الكوادر هو نقل تكنولوجيا المحطة النووية الى مراكز الأبحاث والى معاهدهم العلمية والى المصانع ، فمصر تتعاقد مع دولة روسيا لبناء محطات نووية بهدف توطين التكنولوجيات النووية المتطورة فى المصانع المصرية ، ولنجاح هذه الخطط فلابد وأن نعتمد على أهل الخبرة.