كتب / سمير عبدالشكور
لم يغب الوجود العُماني عن إفريقيا يوما ما، بل كان وسيظل مستمراً بفضل الروابط الحضارية والانسانية المشتركة التي تكرست عبر التاريخ، فكانت أفريقيا بوابة التجارة والاستثمار العُماني منذ قدم التاريخ واستمر حتى اليوم.
وتجسيداً لتلك العلاقة التاريخية بين عُمان وأفريقيا، يتجه الاستثمار العُماني مُجددا نحو إفريقيا؛ تلك القارة الواعدة التي من المتوقع أن تشهد خلال العقود المقبلة ارتفاعًا في النمو، بفضل سوقها الضخم ومواردها المتنوعة.
الاستثمارُ هذه المرة يقُوم به صندوق الاحتياطي العام للدولة، بعدما وقَّع مذكرة اتفاق مع هيئة الموانئ والمناطق الحرة في دولة جيبوتي؛ بهدف إقامة تعاون استراتيجي في تطوير الموانئ والاستثمار فيها، وتشغيلها وإدارتها.
هذا التحرُّك العُماني المميز يفتح الباب أمام استثمار أكبر في هذه الدولة؛ بما يضمن إتاحة المجال أمام مزيد من المنتجات العمانية للوصول إلى أسواق القارة السمراء، فضلا عن فرص تطوير المرافق اللوجستية الأخرى في جيبوتي.
إنَّ تعزيزَ الاستثمارات الخارجية للسلطنة من شأنه أن يدعم خطط التنويع الاقتصادي، ويعزز فرص وصول المنتج العُماني للأسواق الأجنبية، لاسيما في القارة الإفريقية.
وتؤكد الدراسات التاريخية أن جمهورية جزر القمر المتحدة، كانت موطئًا لحركة عبور واتصال وتواصل وامتداد من عُمان إلى زنجبار مما جعلها شاهدا على التراث الزاهر والإنجاز الحضاري العماني الممتد عبر المراحل التاريخية المختلفة، حيث تعزز الحضور العماني في إفريقيا والتواصل مع سكانها مع ظهور الإسلام، ما أعطى لهذه العلاقات مزيدا من الزخم والمكانة في ترسيخ جذور التواصل ومشاعر الألفة والمحبة والتسامح، فتوسعت دائرة اهتمام العمانيين بإخوانهم في الساحل الشرقي الإفريقي، عاكسة الصورة الحقيقية لطبيعة الشخصية العمانية من حيث المواقف النبيلة والمبادئ السامية الرفيعة لحسن التعامل وثوابت المواقف ومد يد المحبة والسلام ونشر الطمأنينة والأمان.
لقد كانت سلطنة عُمان على مدى القرون الماضية واحدة من أهم دول العالم في نقل الحضارة، بفضل ما تمتلكه من حرص عميق على نشر القيم الأصيلة وبث المعرفة في مختلف الأقطار، وقد زاد ذلك الحرص مع قيام العُمانيين بنشر الدين الإسلامي الحنيف، والعمل على تأسيس ثقافة تقوم على الاحترام والسلام بين المجتمعات.
يبقى التأكيد على أن التاريخ والتراث البحري العريق لسلطنة عُمان عاد يتجدد في الوقت الراهن بفضل حكمة السلطان قابوس بن سعيد وإيمانه بأهمية إقامة علاقات قوية ومتينة مع مختلف بلدان وشعوب العالم المعاصر، ومن ثم أعاد للرحلات البحرية العمانية الجماعية والفردية، ولأدوار العمانيين تألقها التاريخي.
كما تؤكد الدراسات التاريخية أن علاقة عُمان بزنجبار والساحل الشرقي لإفريقيا، علاقة تاريخية موغلة في القدم من خلال استدلال المؤرخين على أن الوجود العُماني العربي في زنجبار سبق ظهور رسالة الإسلام لأن هجرة حاكم عُمان سليمان بن عباد بن عبد الجلندي وأخيه سعيد إليها بعدتهما وعتادهما لا بد أن يستند على وجود سابق له يأمنان فيه على حياتهما وأموالهما وذويهما وقبل ذلك على دينهما.
وبعد هذه الهجرة، بدأ الوجود العماني في الجزيرة يتوطد أكثر وأكثر خصوصا في عهد دولة اليعاربة (1624-1741م) ثم حكم الدولة البوسعيدية، وبلغ هذا الوجود أوجه في عهد سعيد بن سلطان البوسعيدي (1806-1856م) الذي جعل من زنجبار بدءا من عام 1832م حاضرة لسلطنته وأصبحت لاحقا مركزا هاما في تجارة العالم.
يبقى القول أن الاهتمام العُماني بإفريقيا ليس وليد اللحظة، بل يمتد لجذور تاريخية منذ أن وضعت الإمبراطورية العُمانية موطأ قدم لها، رسَّخ من مكانتها الحضارية بين شعوب القارة الإفريقية، وأوجَد علاقات قوية ووشائج قربى بين العُمانيين والأفارقة، خاصة في منطقة القرن الإفريقي.