كتب – محمد صبحي:
لا تزال أصداء إعلان ناديي الأهلي والزمالك عزمهما بناء إستادين عملاقين باستثمارات سعودية وإماراتية يشغل بال الكثيرين، ليس فقط في الأوساط الرياضية، ولكن أيضا في الأوساط الاقتصادية والجماهيرية.
ورغم أن أحدا لا يختلف على أهمية الاستثمار الرياضي في بلد مثل مصر، يتجاوز عشاق متابعة كرة القدم عشرات الملايين، فضلا عن المحيط العربي الذي لا يقل شغفا بالرياضة، وخاصة كرة القدم، إلا أن أسئلة كثيرة تثيرها خطوة قطبي الكرة المصرية، لعل أولها: من يستحق هذا الانفاق الضخم الاستادات أم اللاعبين وبناء منظومة رياضية حقيقية؟ .
وتتمتع الكرة المصرية بشهرة كبيرة على مستوى الوطن العربي في ظل المنافسة الشرسة بين الأندية الشعبية الكبرى الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري وغيرها، ووجود ملايين المشجعين لكل نادي، ورغم هذه الجماهيرية الكبيرة ماتزال الكرة المصرية متأخرة فيما يتعلق بالاستثمار الرياضي ودخول القطاع الخاص لكرة القدم لزيادة فرص الأندية في التطوير وبناء صناعة رياضية حقيقية تمثل دخلا اقتصاديا كبيرا، فضلا عن الارتقاء بمستوى التنافسية الرياضية، والدخول إلى عالم الاحتراف الحقيقي.
لكن التفكير في امتلاك استادات رياضية عملاقة، تتجاوز تكلفتها مليارات الجنيهات (استاد النادي الأهلي متوقع أن تزيد تكلفته عن ٨ مليارات جنيه)، يبدو كمن يضع العربة قبل الحصان، فامتلاك الملاعب الضخمة يمكن أن يكون استثمارا جيدا إذا ما كانت هناك منظومة رياضية حقيقية وصناعة متكاملة الأركان من حيث التدريب والتأهيل للاعبين، ومستوى احترافي للتسويق الرياضي والإعلامي، فضلا عن ثقافة جماهيرية واسعة لحضور المباريات في الملاعب وليس متابعتها أمام شاشات التلفزيون.
كل هذه الأمور تحتاج إلى دراسة، قبل أن تحظى فكرة الاستادات العملاقة بالترحيب، ويجب أن نتذكر قاعدة مهمة للغاية، وهي أن الإنفاق الكبير على الرياضة لا يعني بالضرورة صناعة التميز، فأفقر البلدان يمكنها أن تقدم مستويات متقدمة للغاية (دول امريكا اللاتينية في كرة القدم مثالا)، بل إن مصر نفسها تمتلك نموذجا يحتاج إلى الدراسة، وهي لعبة الاسكواش، التي تاتي في مرتبة متأخرة للغاية في سلم الاهتمامات من جانب الأندية أو الجماهير، كما انها لا تقارن بكرة القدم من حيث حجم الإنفاق عليها، ومع ذلك يتربع المصريون على العرش العالمي للعبة منذ سنوات طويلة، متفوقين على العديد من الدول المتقدمة والعريقة رياضيا.
وقد يرد فريق من المتابعين للقضية بأن تجربة الاستثمار في إنشاء الملاعب الرياضية ليست جديدة، فكثير من الأندية العالمية تمتلك استادات عملاقة، منها على سبيل المثال نادي الارسنال الإنجليزي الذي أنشأ ملعبه الجديد “ستاد الإمارات” بتكلفة 390 مليون جنيه استرليني عبر قروض من بنوك بريطانية ومقابل ذلك حرص على تحويل ملعبه القديم إلى تجمع سكني واستثمار بعض الأراضي الأخرى لسداد فوائد هذا التمويل، كما دشن عقد رعاية لمدة 8 سنوات مع طيران الإمارات بقيمة 100 مليون جنيه استرليني على أن يطلق اسم الشركة على الملعب لمدة 8 سنوات.
لكن في المقابل سنجد الرأي الآخر الذي يطرح السؤال، وهل صنع استاد الإمارات منظومة رياضية في الأرسنال وفي الدوري الانجليزي، أم كان بناء استاد الإمارات العملاق استثمارا لنجاح المنظومة الرياضية الانجليزية وجزءا من صناعة رائجة؟ الإجابة تبدو واضحة .. فالاستثمار في البشر يجب أن يسبق الاستثمار في الحجر.