بقلم – د .إســـلام جــمـال الـديـن شـــوقـي
خبير اقتصاديات تغير المناخ
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
تعتبر التغيرات المناخية ظاهرة طبيعية، ولكن حين النظر إلى النشاطات البشرية المتزايدة أدى ذلك إلى تسارع حدوث تغير المناخ، وهناك خلط كبير لدى العامة بين التغيرات المناخية و الاحتباس الحراري والفرق بينهما كبير فالتغيرات المناخية بحسب تعريف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (unfccc) تلك التغيرات في المناخ التي تعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري، الذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ على مدى فترات زمنية مماثلة.
أما ظاهرة الاحتباس الحراري هي الارتفاع التدريجي في درجة حرارة الطبقة السفلى القريبة من سطح الارض (الغلاف الجوي المحيط بالأرض)، وسبب هذا الارتفاع زيادة انبعاث الغازات الدفيئة أو غازات الصوبة الخضراء(greenhouse gases) وأهم هذه الغازات مجموعة الكلوروفلوروکربون التي تتسبب في تآكل طبقة الأوزون، وغاز الميثان، وثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروز.
وهناك أمثلة كثيرة للأنشطة التي تؤدي إلى انبعاثات الغازات الدفيئة التي تتسبب في تغير المناخ فعند استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني ويؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، وتعتبر مدافن القمامة مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات غاز الميثان. ويُعدُ إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني من بين مصادر الانبعاث الرئيسية.
التغيرات المناخية قضية بيئية ولها تأثيرات كبيرة على الأفراد:
إن مسببات تلوث الهواء هي نفسها المتسببة في تغير المناخ حيث يُمثل تغير المناخ على سبيل المثال تهديدًا مباشرًا لقدرة الأطفال على البقاء والنمو، وقد أخذت الظواهر الجوية مثل الأعاصير وموجات الحر، تتزايد في تواترها وشدتها، وهي تهدد حياة الأطفال والكبار على السواء. كما تتسبب الفيضانات بإضعاف مرافق المياه والصرف الصحي، مما يقود إلى انتشار أمراض من قبيل الكوليرا، وهي تمثل خطرًا داهمًا على الأطفال بصفة خاصة.
ويؤدي الجفاف والتغيّر العالمي في نسق سقوط الأمطار إلى فشل المحاصيل وزيادة أسعار الأغذية، مما يعني انعدام الأمن الغذائي والحرمان من الأغذية للفقراء، وهذا قد يؤدي إلى تأثيرات تمتد مدى الحياة، كما يتعرض الأفراد الذين يعيشون في الدول الجزرية الصغيرة والدول النامية إلى ظروف سيئة مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتسلل المياه المالحة إلى درجة اضطرت فيها مجتمعات بأكملها إلى الانتقال، كما أن فترات الجفاف الطويلة تعرض البشر لخطر المجاعة في المستقبل، إضافةً إلى تدمير سبل العيش، وزيادة الهجرة والنزاعات، ومن المتوقع أن يرتفع عدد “اللاجئين بسبب المناخ”.
وهناك مقترحات تبناها البنك الدولي للحد من أسباب التغيرات المناخية وأيضًا للتكيف معها:
1- تسعير الكربون:
تفرض تداول الانبعاثات – أو برامج تداول الحد الأقصى لانبعاثات الكربون – حدودًا للكمية المسموح بها من انبعاثات الكربون، سواء على المستوى الدولي أو داخل كل دولة. ويتم تقسیم هذا المقدار أو الحد الأقصى بين قطاعات اقتصاد الدولة من خلال منحهم تصاريح لإنتاج كمية معينة من انبعاثات الكربون، ويتم انشاء سوق لتداول هذه التصاريح. ويجب على الذين يطلقون انبعاثات أكثر من المسموح بها لهم شراء تصاريح إضافية من الآخرين، الذين لديهم مخصص أكبر مما يحتاجون إليه. وتكون تكلفة شراء التصاريح هي سعر الكربون. ويقدم تداول الانبعاثات حافزًا لتقليل الانبعاثات، بحيث يضطر الملوثون إلى شراء تصاريح أقل، وإطلاق انبعاثات أقل مما هو مسموح به، وذلك يمنحهم تصاريح فائضة للبيع للآخرين.
وتُعدُ تعويضات الكربون من الطرق التي تستخدم لتقليل النفايات وتوزيع الثروة على الدول الفقيرة للمساعدة في تقليل انبعاثاتها. ويعطي إشارة إلى الشركات بخلق حوافز للحد من السلوكيات المتسببة في التلوث وللاستثمار في خيارات الطاقة النظيفة وابتكار أساليب منخفضة الانبعاثات. وتتشابه هذه الطريقة مع تداول الانبعاثات، حیث أنها تجعل تكلفة الانبعاثات جزء من صنع القرار الاقتصادي للملوث. فتعويضات الكربون تقدم حوافز للملوثين لتقليل انبعاثات الكربون، أو للملوثين المحتملين لتجنب إنتاج انبعاثات الكربون. وإذا كان على الملوثین شراء تعويضات للتعويض عن انبعاثاتهم، فإن لديهم حافزًا لتقليل الانبعاثات بحيث يحتاجون إلى شراء تعويضات أقل.
2- إنهاء دعم الوقود الأحفوري:
يتم ذلك عن طريق الإلغاء التدريجي للدعم على الوقود الأحفوري الضار، ويمكن للدول المختلفة إعادة تخصيص مواردها عن طريق تحديد أكثر المجالات احتياجًا والأكثر فعالية دون الاخلال بمساندة المستهدفين من الفقراء. فعلى سبيل المثال تم تخصيص حوالي 550 مليار دولار لدعم الوقود الأحفوري على مستوى العالم سنة 2013 ليخصم بذلك نسبة ضخمة من إجمالي الناتج المحلي لبعض الدول من أجل الخفض المصطنع لأسعار الطاقة.
ولقد ثبت بالدليل القاطع أن دعم الوقود الأحفوري لا يحمي الفقراء على الإطلاق. فالدراسات تثبت أن نسبة 20% الأكثر ثراء من السكان يحصلون على منافع من دعم الوقود الأحفوري بما يزيد ست مرات عن 20% الأشد فقرًا. إن عملية إصلاح الدعم ليست سهلة على الاطلاق فالأفراد غالبًا لا يدركون التكلفة الحقيقية للطاقة ويجب البدء في زيادة المساندة للفقراء مع الإلغاء التدريجي للدعم. وهناك صندوق يقدر حجمه ب 20 مليون دولار يقوم عن طريقه البنك الدولي بإصلاح دعم الوقود الأحفوري عن طريق مساعدة الدول في تصميم وتنفيذ برامج لإصلاح الدعم وما يصاحبها من أنظمة للحماية الاجتماعية.
3- بناء مدن منخفضة الكربون:
هناك معدل نمو سريع للمدن وبصفة خاصة في الدول النامية، ويعيش حوالي نصف سكان العالم في الحضر ومتوقع بحلول عام 2050 أن تضم المدن ثلثي سكان العالم، ويجب وضع معايير لكفاءة استخدام الطاقة، وبالتخطيط الدقيق للنقل واستخدامات الأراضي، يمكن بناء مدن بأساليب تحول دون الوقوع في أنماط غير مستدامة. ويمكن أن تحد من تلوث الهواء وتتيح فرص للفقراء.
ويمثل تمويل هذا النمو كي يصبح مستدامًا تحديًا كبيرًا لذلك عن طريق البنك الدولي يعمل على مساعدة الدول على تحسين وضعها الاستراتيجي وتصحيح مقوماته المالية التي ربما تحول دون حصولها على الائتمان.
4- زيادة كفاءة استخدام الطاقة
عن طريق مبادرة الطاقة المستدامة للجميع، يساند البنك الدولي 3 أهداف حتى عام 2030: تعميم الطاقة الحديثة على الجميع، مضاعفة نسبة التحسين في كفاءة استخدام الطاقة، ومضاعفة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي.
يُعد الحد من انبعاثات غازات الدفيئة وتخفيف التغير المناخي هو أحد الأسباب الرئيسية الدافعة وراء الطلب المتزايد للبحث عن تكنولوجيا للطاقة المتجددة. وفضلًا عن امتلاكها لإمكانيات ضخمة للتخفيف من حدة آثار تغير المناخ، تستطيع الطاقة المتجددة أن تقدم منافع أوسع قد تسهم إذا ما نُفِّذت بشكل ملائم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والحصول على الطاقة، وتوفير إمداد آمن من الطاقة، وتخفيض الآثار السلبية على الصحة والبيئة.
كما أنه يمكن عن طريق الاقتصاد الأصفر المعتمد على الطاقة الشمسية في ضمان إمداد نظام التنمية الحالي بمصدر موثوق ومستدام للطاقة من خلال الاعتماد على قاعدة اقتصادية متنوعة تتيح إطالة أمد الاستثمارات القائمة على موارد كالنفط والغاز وزيادة مساهمات القطاعات المتجددة في الناتج المحلي الإجمالي، والحفاظ على مكانة الدول في أسواق الطاقة العالمية وتعزيز نمو الاقتصاد الوطني.
5- التوسع في الغابات وتطبيق ممارسات الزراعة المراعية للمناخ
يمكن التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها عن طريق ممارسات الزراعة المراعية للمناخ حيث تساعد المزارع على زيادة إنتاجية المزرعة وقدرتها على الصمود في مواجهة آثار تغير المناخ مثل الجفاف، وفي الوقت نفسه تصبح بمثابة خزانات لامتصاص الكربون تساعد على الحد من الانبعاثات، وتعدّ الغابات أيضًا خزانات مفيدة لامتصاص الكربون وتخزينه في التربة والأشجار والأوراق.
إجراءات باهظة الثمن للتكيف مع التغيرات المناخية
يتعين على اقتصاديات الدول ككل أن تكتسب قدرة أكبر على الصمود في مواجهة التأثيرات المناخية، وبالنظر إلى حجم التغيرات المناخية، خاصةً أنها ستؤثر على العديد من المجالات في الحياة العامة، يجب أن يتمّ التكيف معها أيضًا على نطاق أوسع، مما سيتطلب جهودًا واسعة النطاق، وسيتعين على الدول تنسيق العديد منها. في الوقت الذي نحتاج فيه إلى بناء الطرق والجسور بحيث تكون مكيّفة لتحمل درجات الحرارة المرتفعة والعواصف الأكثر قوة. وقد تضطر بعض المدن الواقعة على السواحل إلى إنشاء أنظمة لمنع الفيضانات في الشوارع وبناء منشآت النقل تحت الأرض. وقد تتطلب المناطق الجبلية إيجاد سبل للحد من الانهيارات الأرضية والفيضانات الناجمة عن ذوبان الأنهار الجليدية وهناك بعض الدول الجزرية تحتاج إلى الانتقال إلى أماكن جديدة لأنه من الصعب عليها التكيف مع التغيرات المناخية.
وقد تبدو كل هذه الإجراءات باهظة الثمن، وهي كذلك – لكن الاستثمار في التكيف يبدو أقرب إلى المنطق من مجرد الانتظار ثم محاولة الاستدراك لاحقًا، ولنضرب مثال على ذلك خلال جائحة كوفيد-19. إن حماية البشر الآن ستنقذ المزيد من الأرواح وتقلل من المخاطر في المستقبل. وسيكون ذلك منطقيّ من الناحية المالية أيضًا، حيث إنه ستزداد التكاليف أكثر كلما انتظرنا أكثر.
إن الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر والبنية التحتية المقاومة للتغيرات المناخية وتحسين الأساليب الزراعية وحماية غابات المنجروف على طول السواحل عبر العالم واستحداث موارد مائية قادرة على الصمود، يمكن أن يجنبنا الكثير من التكاليف وجني العديد من الفوائد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. كما أنه يمكن عن طريق الوصول إلى أنظمة الإنذار المبكر تحقيق فوائد تصل إلى 10 أضعاف التكلفة الأولية. وإذا تم تطبيق الاقتصاد الأصفر عن طريق قيام المزيد من المزارع بتركيب أنظمة ري تعمل بالطاقة الشمسية، وتم استخدام أنواعًا جديدةً من المحاصيل، وعن طريق الوصول إلى أنظمة إنذار جديدة بشأن الطقس واتخاذ تدابير تكيفية أخرى، فإن دول العالم المختلفة ستتجنب انخفاض المحاصيل الزراعية العالمية بنسبة قد تصل إلى 30% بحلول عام 2050.
التعليقات مغلقة.