الإيمان بالخلود في الآخرة من مصادر قوة المؤمن في الدنيا.. خطبة للشيخ شعبان رمضان
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه
اما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون وبعد :-
إن المتأمل في أحوال المسلمين يجد الضعف والخور والهزيمة قد حلت مكان القوة والعزة والنصر.
يا ترى لماذا ؟
عباد الله إن المسلمين اليوم بحاجة إلى قوة تسند ظهورهم وتشد من أزرهم وتذلل لهم الصعاب وتنير لهم الطريق ، يا ترى هذه القوة المنشودة من أين نحصل عليها وأين توجد هل هي في المال أم السلاح أم العتاد والعدة أما ماذا ؟.
إن هذه القوة ليست في كل ذلك مع أنه مطلوب لكن القوة هنا هي قوة العقيدة في رحاب الإيمان بالله .
الإيمان بالله القوي هو الذي يمدنا بروح القوة فالمؤمن لا يرجوا إلا فضل الله ولا يخشى إلا الله .
إن المؤمن بالله الواثق بنصر الله قوي وإن لم يكن في يده سلاح .
إن المؤمن بالله غني وإن لم تمتلأ خزائنه بالذهب والفضة .
إن المؤمن بالله الواثق بنصر الله وإن الرزق من عند الله عزيز وإن لم يكن وراءه عشيرة وأتباع وهو أيضا ثابت وإن اضطربت به مصائب الحياة.
فالمؤمن أقوى من البحر بأمواجه والرياح بهبوبها والجبال وثباتها وصدق النبي صلى الله عليه وسلم القائل .
((لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال ))
وجاء في حديث رواه الامام احمد قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الله لما خلق الأرض مارت وتحركت فثبتها بالجبال فتعجبت الملائكة وقالت يارب هل خلقت خلقا أشد من الجبال قال نعم الحديد يفتت الجبال فقالت الملائكة هل خلقت خلقا أشد من الحديد قال نعم النار تذيب الحديد فقال الملائكة يا رب هل خلقت خلقا أشد من النار قال نعم الماء تطفئ النار فقالت الملائكة هل خلقت خلقا أشد من الماء قال نعم الرياح ، فقالت الملائكة يا رب هل خلقت خلقا أشد من الرياح قال نعم المؤمن إذا تصدق بالصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه هو عندي أقوى من ذلك كله)) .
الله اكبر الله أكبر .
عباد الله
: كم نحن بحاجة الى المؤمِنُ القوِيّ الذي يتماسَك أمامَ المصائبِ ويثبُت بين يدَيِ البلاء راضيًا بقضاء الله وقدَره، وقد صوَّر هذا رسولُنا صلى الله عليه وسلم بقوله: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرّاء صبرَ فكان خيرًا له)) رواه مسلم
كم نحن بحاجة الى القوّة في ضبطِ النفسِ والسّيطرة عليها، قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشّديدُ بالصّرعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسَه عند الغضب)) رواه البخاري
كظمُ الغيظِ قوّةٌ، قال تعالى: ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ)) آل عمران:134.
كم نحن بحاجة إلى الفرد القوي بدينه القوي بإيمانه الواثق بنصر الله وتأييده المؤمن بأن الرزق والأجل ليس بيد أحد إلا الله .
قال جل وعلا:
((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ))145آل عمران
إن لكل نفس كتابا مؤجلا إلى أجل مرسوم . ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم . فالخوف والهلع ، والحرص والتخلف ، لا يطيل أجلا . والشجاعة والثبات والإقدام والوفاء لا تقصران عمرا . فلا كان الجبن ، ولا نامت أعين الجبناء . والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد !
بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس ، فتترك الاشتغال به ، ولا تجعله في الحساب ،.
وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص ، ، في صبر وطمأنينة ، وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده .
ثم . . إنه إذا كان العمر مكتوبا ، والأجل مرسوما . . فلتنظر نفس ما قدمت لغد ؛ ولتنظر نفس ماذا تريد ..
وشتان بين حياة وحياة ! وشتان بين اهتمام واهتمام ! –
عباد الله اعلموا أن الذي يعيش لهذه الأرض وحدها ، ويريد ثواب الدنيا وحدها . . إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام ! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . والذي يتطلع إلى الأفق الآخر . . إنما يحيا حياة “الإنسان” الذي كرمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . . وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا . .
عباد الله
لسنا بحاجة إلى الضعفاء المهازيل الخائفون من هبة ريح أو عاصفة هو جاء الذين لا ينصرون صديقا ولا يخيفون عدوا ..
لا نريد الجبان الذي إن أحس بعصفور طار فؤاده وإن طنّت بعوضة طال سهاده يفزع من صرير الباب إن نظرت اليه شزراً أغمي عليه شهراً يحسب خفوق الرياح قعقعة الرماح .
اسمعوا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ))
كيف لا و((أفضل الشهداء حمزة ورجل قال كلمة حق عند سلطان جائر ))
أمرنا الله أن نعد ونستعد بالقوة والعتاد والجند والسلاح قوة الإيمان وعتاد الأخوة وجند التكافل وسلاح الدعاء مع العمل بالأسباب المادية.
قال تعالى
َ((وأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ))الانفال60
وأعدُّوا – يا معشر المسلمين – لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم, وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه
عباد الله : إن الزمان قد تغير على المسلمين فانكمشوا بعد امتداد ووهنوا بعد قوة هذا كله لإننا ضيعنا مصادر قوتنا فالإيمان لم يعد هو المسيطر على أنفسنا والموجه لإخلاقنا .
أصبحنا غثاء كغثاء السيل في ذل وهوان .
أحبينا الدنيا وكرهن الموت فيا ترى ما هي مصادر قوتنا وأسباب عزتنا؟
أولا :
الإيمان بالله : فالمؤمن قوي لإنه يستمد قوته من الله العلي الكبير الذي يؤمن به ويتوكل عليه وهو عزيز لإنه يستمد عزته من العزيز ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ))فاطر10
من كان يطلب عزة في الدنيا أو الآخرة فليطلبها من الله, ولا تُنال إلا بطاعته, فلله العزة جميعًا, فمن اعتز بالمخلوق أذلَّه الله, ومن اعتز بالخالق أعزه الله, إليه سبحانه يصعد ذكره والعمل الصالح يرفعه
إنّه ينبغي أن لا يَنسَى العبد ربَّه في كل حال ، فإنّ العوائقَ جمّة، والحاجة إلى عونِ الله وتوفيقِه في كلِّ لحظةٍ وآن، وفي محكمِ التنزيل: ((لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ)) الكهف:39،
وقال عزّ وجلّ في دعاء نوحٍ بعد أن كذّبه قومه وبذلَ جميع الأسباب: ((فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)) القمر:10
وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام في وصيّته لقومه بعد أن هدَّدَهم فرعونُ بقتلِ أولادهم: ((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) الأعراف:128،
المؤمن يعتقد ان الله معه وإنه ناصره ورافع رايته متى ما نصر دينه ورفع رايته قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))محمد7 والقائل(( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ))الصافات173
قال أحد التابعين عجبت لمن خاف من أي شيء ولم يفزع إلى قوله تعالى :
(( حسبنا الله نعم الوكيل )) لإني قرات بعدها قوله تعالى(( فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ))ال عمران174
وعجبت لمن مكر به ولم يفزع إلى قوله تعالى :
((وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))غافر44
فإن الله يقول بعدها
((فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ))غافر45
وعجبت لمن أصابه كرب ولم يفزع إلى قوله تعالى : ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))لأنبياء87
فإن الله يقول بعدها
((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ))الأنبياء88
عباد الله
من مصادر قوتنا ثانيا الإيمان بالحق : فالمؤمن يستمد قوته من الحق الذي يومن به ويعمل له فهو لا يعمل لشهوة عارضة ولا لمنفعة شخصية ولا لعصبية جاهلية لكنه يعمل للحق الذي قامت له السماوات والأرض : ((وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ))الإسراء81
هذا الإيمان هو الذي جعل مجموعة من الفتية الشباب أصحاب الكهف يواجهون بعقيدتهم ملكا جبارا مع قلة العدد وانعدام القوة المادية لكن معهم القوي الجبار
(( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ))الكهف13
لإنهم تجردوا من كل حول وقوة إلا حول الله وقوته .
هذا الإيمان هو الذي جعل أطفالا وشبابا على ارض الأقصى على ارض الجهاد يحملون أحجارا يهزون الدبابات والطائرات ، هؤلاء الفدائيين على أرض الأقصى الذين لا تقف أمامهم طائرات ولا أي أسلحة لإنهم باعوا أنفسهم في سبيل الله وهم واثقين بأنهم على الحق وأن ماتوا على هذه الدنيا فهم أحياء
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ))آل عمران169
من مبادئنا الأصيلة ومن تعاليم ديننا الجليلة أن نفخر بهذا الدين ونتشرف بأن جعلنا مسلمين وأنزل إلينا أحسن كتبه وهو القرآن الكريم وأرسل إلينا أفضل رسله محمد صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى (( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ))آل عمران139
فلا تخافوا ولا تضعفوا وأنتم الأعلون مبدأ الأعلون منهجا الأعلون سندا فمبدؤكم المبدأ الأصيل وقرءانكم الكتاب الجليل وسندكم الرب الفضيل فكيف يهن ويضعف من كان الله سنده ومولاه وكيف يهن ويضعف من كان محمد رسول الله قدوته ورسوله .
عباد الله : الشرف كل الشرف والقوة كل القوة ليست في الدور ولا القصور ولا الأموال ولا في الهيئات .
الشرف والعز أن تكون عبدا لرب الأرض والسماوات .
ومما زادني شرفا وذخرا * وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي * وأن صيرت أحمد لي نبيا
ما أحسن القوة في الحق تنطلق برد وسلاما لرد المظالم وإقامة الحدود و لا يعرف أهمية هذه القوة الا من عاش تحت وطأة الطغيان دهرا طويلا.
ما أحسن القوة يوم ترشد الضال وتدل الحيران وتشجع الجبان.
ما أجمل القوة عندما تحق الحق وتبطل الباطل وهي القوة التي أمر بها الإسلام.
ثالثا : من مصادر قوتنا وأسباب عزتنا الإيمان بالخلود : فالمؤمن يستمد قوته من الخلود الذي يؤمن به فحياته ليست هذه الأيام المعدودات إنها حياة أخرى سرمدية أبدية قال تعالى(( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ
وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))آل عمران14-15
إنه موت واحد وحياة واحدة لكن تعددت الأسباب والموت واحد فهل يموت الإنسان ذليلا هينا أم يموت موت عز وقوة وثبات يبيع نفسه من الله عز وجل .
((إنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))التوبة111
ها هو عمير بن الحمام بعد أن سمع المصطفى يقول في بدر قوموا على جنة عرضها السماوات والأرض فقال يا رسول الله بخ بخ قال ما حملك على قول بخ بخ قال يا رسول الله رجاء أن أكون من أهلها قال أنت من أهلها فأخذ تمرات من حجره وأكل بعضها وقال إنها لحياة طويلة حتى أكلها فرماها وانطلق يخترق الصفوف ثم استشهد الله أكبر
ما أجملها من ميتة .
اسأل الله ان يقوي إيماننا وان يرفع درجاتنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.