الإجراءات الجنائية الخاصة بحماية التجارة
بقلم – الدكتور عادل عامر
تقررت في التشريع الإجرائي الجنائي قواعد خاصة لمواجهة الجرائم الواقعة على التجارة خاصة ما يتصل بقواعد الاختصاص لأعضاء الضبط القضائي ، حيث تم اعتبار موظفي قطاع التجارة في تنفيذ مهامهم حاملين صفة الضبط القضائي وتكليفهم بالتحقيق ، يعتمد عليها في الإجراءات اللاحقة للتحري والتحقيق حيث يتم الاستناد إليها في مرحلة المحاكمة ، ولقد تقرر ذلك الإجراء ضد تلك الجرائم ، عبر إجراءات ضبطية تساعد على مكافحة تلك الجرائم بصورة فعالة ، ولذلك فسوف نعرض لتلك الأحكام الإجرائية في المطالب الآتية :-
المطلب الأول
اختصاص أعضاء الضبط القضائي
وسع المشرع العماني في قواعد اختصاص أعضاء الضبط القضائي بالنسبة للجرائم الواقعة على التجارة، فلقد منح موظفي الجمارك صفة الضبط القضائي لمواجهة جرائم الاستيراد والتصدير غير المشروعة، ومواجهة الجرائم الجمركية، ولذلك فقد جاء الفصل السابع من قانون الجمارك لسلطنة عمان موضحاً ومحدداً لسلطات موظفي الجمارك، حيث تم منحهم سلطة توقيف السفن والطائرات في المادة ” 96 ” وسلطة الصعود إلى الطائرة أو السفينة وتفتيشها، وذلك للتعرف على طبيعة البضائع وسلامتها … الخ.
ويجوز لموظف الجمارك أن يفتش الأماكن التي يعتقد بأنها تحوي بضائع ممنوعة أو ما شابه ذلك إذا استدعت الضرورة ذلك وله أيضاً قبل ذلك سؤال ربان السفينة وطاقمها وقائد الطائرة لمعرفة نوع البضاعة أو أي معلومات تفيد التحري عن أي بضاعة مشكوك في أمرها أو طلب الوثائق والمستندات خاصة إذا كانت هناك جريمة جمركية.
تلك السلطات لا شك تتجاوز سلطات أعضاء الضبط القضائي خاصة موضوع التفتيش، حيث أن هذا الإجراء لا يتم توقيعه إلا في مرحلة التحقيق، وأعضاء الضبط القضائي أو من يتمتعون بهذه الصفة لا يملكون القيام بهذا الإجراء إلا بإذن من المفتش العام.
غير أن طبيعة مهام موظفي الجمارك تستدعي تدخلهم في تلك المسائل خاصة وأن طبيعة التفتيش الذي يقومون به هو تفتيش وقائي وله طبيعة إدارية وليست جنائية، أما إذا أسفر هذا التفتيش عن ضبط مواد ممنوعة أو بضائع مخالفة لأنظمة الجمارك تقوم بها عناصر الجريمة فإن التفتيش كإجراء جنائي يجب أن يتم بمعرفة وإذن من المدعي العام.
ومن الجرائم التي يتطلب الأمر فيها تدخل جهات التحقيق للقيام بإجراءات التحقيق، جرائم الاستيراد والتصدير المخالفة للقانون والمواد الممنوعة كالمخدرات وما شابه ذلك. غير أن جهات التحقيق تكلف في العادة موظفي الجمارك للقيام ببعض الأعمال الإجرائية مع ضرورة تدوينها في محاضر ضبط وتفتيش، ومحاضر تحقيق إذا تطلب الأمر ذلك.
ويلزم أعضاء الادعاء العام، من تمكين موظفي الجمارك من القيام بأعمال التحقيق تحت إشراف المدعي العام، وذلك لمعرفتهم بطبيعة تلك الجرائم إضافة إلى وجود سند قانوني في قانون الإجراءات الجزائية الذي يعطي صفة الضبط القضائي لهم، حيث جاء في نص المادة ” 31 ” من قانون الإجراءات الجزائية رقم (97) لسنة 1999م بأن مأمورو الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم: –
- أعضاء الادعاء العام.
- ضباط الشرطة والرتب النظامية الأخرى بدءا من رتبة شرطي.
- موظفو جهات الأمن العام الذين يصدر بتحديدهم قرار من رئيس الجهة.
- الولاة ونوابهم.
- كل من تخوله القوانين هذه الصفة.
ويجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة الضبطية القضائية بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم.
وجاء نص المادة ” 32 ” مبيناً إنما مأموري الضبط القضائي خاضعين لإشراف الادعاء العام فيما يتعلق بأعمال وظائفهم … الخ.
يلاحظ من هذه النصوص بأن نص المادة ” 31 ف 5 ” هي التي يستند إليها في معرفة الموظفين العموميين، ممن يحملون صفة الضبطية القضائية في أماكن عملهم، غير أن هذه الصفة تكون محصورة من حيث الاختصاص المكاني لمكان العمل، وذلك يعني أن الاختصاص النوعي هو المؤثر في عمل موظفي الجمارك والموظفين في مجال التجارة العمانية، وليس لهم اختصاص شامل كما هو مقرر لمأموري الضبط القضائي الآخرين.
ويلاحظ كذلك بأن الموظفين طبقاً لقانون التجارة وقوانين المنافسة غير المشروعة والعلامات التجارية، تحدد اختصاصات ضبطية قضائية لموظفي تلك الجهات، مثل مراقبة أسعار السلع، ومكافحة الغش التجاري من خلال مراقبة الموازين والمكاييل والمقاييس، والتحري عن سلامتها وضبطها في حالات المخالفة، ولهم إجراء المعاينة والتفتيش إذا تم تخويلهم ذلك في مرحلة التحقيق.
غير أن اختصاص الموظفين في الجمارك والتجارة في الضبط القضائي ليس اختصاصاً حصرياً ، إذ أن أعضاء الضبط القضائي ممن ذكروا في نص المادة “31” من قانون الإجراءات الجزائية العماني ، يعطى لهم الحق في جمع الاستدلالات والتحريات عن جرائم الغش التجاري ، وأية جرائم تحدث أثناء المعاملات التجارية والجرائم الجمركية ، فإن من حقهم في دوائر اختصاصهم المكاني التدخل وضبط مثل تلك الجرائم ، والقيام بمهامهم كونهم يملكون اختصاصاً شاملاً في الجرائم المرتكبة في دوائر اختصاصهم المكاني ، ولذلك فإنه لا يجوز الدفع بعدم اختصاص مأمور الضبط القضائي من غير موظفي الجمارك أو دوائر التجارة في حالة ضبطه لجريمة مرتكبه من الجرائم الواقعة على التجارة والتي تم ضبطها في دائرة اختصاصه المكاني ويمارس أعضاء الضبط القضائي مهامهم وفق قواعد الإجراءات الجزائية والقوانين الأخرى المنظمة لأعمالهم خاصة فيما يتعلق بجمع المعلومات والتحريات والقيام بأعمال التحري المختلفة ويتم تدوين تلك الأعمال في محاضر ، تعرف بمحاضر التحري والتي يجب أن تدون بمعرفة أعضاء الضبط القضائي أو من يندبوهم لهذا الغرض ، ويجب أن لا يلجأ أعضاء الضبط القضائي إلى استخدام القوة بمواجهة من يجري التحـري معهم إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك .
ويتم في هذه المرحلة اكتشاف الجرائم الواقعة على التجارة بشكل عام منها جرائم الغش التجاري وجرائم التهريب الجمركي وجرائم مخالفة التسعيرة وجرائم الحاسب الآلي وتزوير العلامات التجارية وما شابه ذلك.
ويلاحظ بأن الكثير من الجرائم الواقعة على التجارة يتم ضبط مرتكبيها في حالة تلبس أثناء قيام الموظفين المختصين بأعمالهم الروتينية في التفتيش والتحري عن الأشياء المهربة والمخبأة، وحالات ضبط المواد الممنوعة وحالات تقديم الوثائق المزورة وما شابه ذلك ، ولذلك يتم القبض على مرتكبي تلك الجرائم في أماكن ضبط تلك الجرائم.
المطلب الثاني
إجراءات التحقيق
التحقيق مرحلة إجرائية مهمة يختص بها الادعاء العام ، غير أن أعمال التحقيق تجيز الندب ومن الملاحظ بأنه في الجرائم الواقعة على التجارة بأن أعضاء الادعاء العام غالباً ما يكلفون موظفي قطاع التجارة والجمارك بالقيام بعمل أو أكثر من أعمال التحقيق خاصة التفتيش والمعاينة وضبط الأشياء ، دون الاستجواب غير أن بعض القوانين الخاصة تجيز ذلك وعليه فسوف نعرض لإجراءات التحقيق التي تتم بمعرفة موظفي الجمارك ودوائر التجارة في سلطنة عمان وفقاً لقانون الإجراءات الجزائية والقوانين المنظمة للجمارك والتجارة في الفروع الآتية:-
الفرع الأول
التفتيش
يعد التفتيش عملاً مهما من أعمال التحقيق يتم بواسطته العثور على أدلة الجريمة( ) وفي الجرائم الواقعة على التجارة فأن التفتيش هو السبيل في الكشف عن تلك الجرائم غير أنه ينبغي التفرقة بين التفتيش التي تجيزه القوانين الخاصة لموظفي قطاع التجارة في قانون التجارة وقانون الجمارك الذي يعد عملاً إدارياً وليس عملاً من أعمال التحقيق يتم القيام به كجزء من واجبات الموظف وهو العمل الذي يؤدي في الغالب إلى الكشف عن جرائم مرتكبه ضد تنظيم التجارة أو نظام الجمارك ، وبالتالي تبنى عليه إجراءات تحفظ مثل القبض على المتهم أو حبسه احتياطياً .
بينما لا يجوز اعتبار هذا التفتيش عملاً من أعمال التحقيق وذلك لعدم وقوعه وفق الإجراءات القانونية المطلوبة، أي أنه للتفتيش كعمل من أعمال التحقيق شروط شكلية وأخرى موضوعية، فإن من ضمن الشـــــروط الشكلية: –
1-أن يتم التفتيش من قبل مختص بالتحقيق وهو عضـو الادعاء العام.
2-صدور أذن بالتفتيش لموظف من موظف قطاع التجارة للقيام بهذا العمل من قبل الادعاء العام.
3-أن يدون محضر بذلك وأن يتم التفتيش بحضور شاهدين ويتم تفتيش الأنثى من قبل الأنثى
أما الشــروط الموضوعية فإنها تنحصر في الأشياء والأشخاص موضوع التفتيش: –
1-أن يتم تفتيش الأشخاص للعثور على أثار مواد تدل على حيازة تلك المواد أو العثور على أوراق أو مستندات أو ما شابه ذلك.
2-اقتصار التفتيش على الأشياء المأذون البحث عنها.
ويلاحظ من ذلك بأن الشروط الشكلية لا تتوافر في موظف قطاع التجارة للقيام بالتفتيش إلا إذا تم ندبهم بمعرفة الادعاء العام تطبيقاً لنص المادة ” 36 ” من قانون الإجراءات الجزائية العماني والذي ينص على أنه (إذا رأى أحد مأموري الضبط القضائي عند قيامه بجمع الاستدلالات ضرورة إجراء تفتيش شخص أو مسكن معين تعين عليه أن يحصل على إذن بذلك من الادعاء العام).
ورغم وجود هذا النص إلا أن هناك حالات تفتيش تتم بمعرفة موظفي الجمارك والتجارة، ويتم اعتمادها كأعمال تفتيش من قبل الادعاء العام والمحاكم المختصة ورغم الدفوع المقدمة ضد تلك الأعمال إلا أن المحاكم تعتمدها في إصدار قراراتها رغم أنها لا تعد أعمال تحقيق وإنما أعمال استدلال.
ولا يقف الأمر بالنسبة للإذن بالتفتيش إلى طلب عضو الضبط القضائي ذلك من الادعاء العام، ذلك أن من حق الادعاء العام أيضاً تكليف عضو الضبط القضائي لأنه يقوم بعمل من أعمال التحقيق، وقد جاء ذلك في نص المادة ” 75 ” من قانون الإجراءات الجزائية على أنه (لعضو الادعاء العام أن يكلف أحد مأموري الضبط القضائي القيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق عدا استجواب المتهم، ويكون للمكلف في حدود تكليفه سلطة الادعاء العام، … الخ).
ولقد أجاز القانون أيضاً لعضو الضبط القضائي تفتيش المتهم إذا تم القبض عليه متلبساً فقد جاء في نص المادة ” 77 ” على أنه (لمأموري الضبط القضائي تفتيش المتهم في الأحوال التي يجوز فيها قانوناً القبض عليه، كما يجوز تفتيش غير المتهم إذا اتضح من إمارات قوية أنه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة، ويشمل التفتيش جسمه وملابسه وأمتعته. والملاحظ بأن التفتيش الذي يجريه موظفو قطاع التجارة كعمل إداري وقائي قد يؤدي إلى ضبط أشخاص متلبسين بتهريب بضائع أو تهريب مواد ممنوعة فإن هذا الحق يترتب لموظفي قطاع التجارة باعتبارهم يحملون الصفة الضبطية القضائية.
ويلاحظ في التطبيق عدم التفرقة بين التفتيش الوقائي على البضائع في الموانئ والمطارات والتفتيش كعمل من أعمال التحقيق، حيث يتم اعتماد محضر
التفتيش الذي يجريه موظف الجمارك كعمل استدلالي باعتباره عملاً من أعمال التحقيق. ونعتقد بعدم صحة ذلك إذا لم يكن التفتيش الروتيني قد أسفر عن اكتشاف جريمة ضد أنظمة التجارة والجمارك، يتيح للموظف المختص إجراء تفتيش قانوني، فالمطلوب إجراء تفتيش مستقل بعد التفتيش الإداري لأغراض التحقيق وحسب شروط التفتيش المذكورة سلفاً.
ويجري التفتيش عادة عن سلع وبضائع ومواد مختلفة في جرائم تتعلق بالتجارة أو الجمارك، مثل جرائم التهريب والغش التجارية وتزوير العلامات التجارية وجرائم الإفلاس وسوء استعمال العلامات التجارية … الخ تلك المواد أو الوثائق تدل على كونها قد وقعت مخالفة لأنظمة التجارة وشكلت تلك المخالفات سلوك جنائي تتحقق به عناصر الجريمة المرتكبة.
الفرع الثاني
ضبط الأشياء
يقصد بضبط الأشياء وضع اليد عليها وضبط المواد التي يتم العثور عليها نتيجة التفتيش، أو إذا وجدت عرضاً أثناء التفتيش وكانت حيازتها تمثل جريمة تطبيقاً لنص المادة ” 85 ” من قانون الإجراءات الجزائية والذي ينص على أنه ( على مأمور الضبط القضائي أن يقصر بحثه على الأشياء أو الآثار التي صدر بشأنها أمر تفتيش ولكن إذا ظهر له بصفة عرضية أثناء التفتيش أشياء تعتبر حيازتها جريمة أو متعلقة بجريمة أخرى وجب عليه ضبطها وإثباتها في محضر التفتيش ) .
ويلاحظ من أن نصوص قانون الجمارك وقانون التجارة تعطي للموظفين سلطة لا تقف عند ضبط الأشياء فقط وإنما إمكان مصادرتها أيضاً مثلما جاء ذلك بنصوص قانون الجمارك فقد جاء في نص المادة ” 97 ف 5 ” والتي تنص على أنه (إذا اتضح عند تفتيش أي طائرة أو سفينة طبقاً لهذه المادة أن البضائع الموجودة بداخلها ارتكبت بشأنها جريمة مما نص عليها في هذا القانون فأن تلك البضائع تكون عرضه للمصادرة).
ولذلك فأن التفتيش والضبط من الأعمال الإدارية التي يقوم بها موظفوا قطاع التجارة في سلطنة عمان، ولهم سلطات تصل إلى حد استجواب المتهم، كما هو منصوص عليه في قانون الجمارك.
الفرع الثالث
المعاينة
المعاينة إجراء من إجراءات التحقيق يمكن القيام به من قبل أعضاء الضبط القضائي ، وموظفي التجارة والجمارك في سلطنة عمان ، يقومون بهذا الإجراء للتعرف على أنواع السلع والبضائع والمواد ومواصفاتها ، فإذا كان من نتائج المعاينة التحقق من السلعة والبضاعة ليست جيدة أو ليست مطابقة لمواصفات أو عليها علامات غش أو ما شابه ذلك ، وكان هذا الإجراء يؤكد وقوع جريمة من الجرائم الواقعة على التجارة ، فإنه يتم تحرير محضر بذلك ، واستخدام نتائج المعاينة دليل بمواجهة المتهم ، ممكن أن يستخدم أيضاً لمواجهة المتهم أمام جهات التحقيق أثناء الاستجواب . غير إنه لا يتم إجراء المعاينة بدون إذن من قبل الادعاء العام إلا إذا كانت الجريمة مشهودة أي متلبساً بها.
الفرع الرابع
الاستجواب
لم يعرف المشرع العماني الاستجواب في قانون الإجراءات الجزائية غير أن المشرع اليمني كان قد عرف الاستجواب في قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لعام 1994م حيث جاء ذلك في نص المادة ” 177 ” بأنه (يقصد بالاستجواب علاوة على توجيه التهمة إلى المتهم مواجهته بالدلائل والأدلة القائمة على نسبة التهمة إليه ومناقشته فيها تفصيلاً).
ويجب على المحقق أن يكفل للمتهم حقوق الدفاع كاملة وعلى الأخص حقه في تفنيد ومناقشة الأدلة القائمة ضده، وللمتهم في كل وقت أن يبدي ما لديه من دفاع أو يطلب اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق وتثبت جميع أقواله وطلباته في المحضر.
ورغم أن المشرع العماني قد أستثنى الاستجواب دون إذن الادعاء العام لعضو الضبط القضائي فلا يجوز منحه إذن بالاستجواب إلا أن واقع الحال يشير إلى قيام موظفي الجمارك بهذا الإجراء استناداً إلى نصوص في قانون الجمارك حيث يشير نص المادة ” 100 ” منه إلى سلطة استجواب الأشخاص الذين يصلون أو يغادرون وذلك بالنص على أنه ( يجوز لموظف الجمارك أثناء تأدية واجبة أن يستجوب أي شخص أثناء دخوله عمان أو على وشك مغادرتها بغرض التعرف إذا ما كانت في حوزته أية بضائع خاضعة للرسم أو محظورة أو مقيدة سواء وجدت على شخصه أو داخل أمتعته ) .
غير أن هذه السلطة لا تعدو أن تكون سلطة تتعلق بصفة الضبط القضائي وليست سلطة تحقيق.
ونرى بأن هذه السلطة هي مجرد مهمة إدارية لا تخول صاحبها سلطة التفتيش والقبض وما شابه ذلك.
ويجرى الاستجواب في الجرائم الواقعة على التجارة بمعرفة موظفي قطاع التجارة تحت إشراف الادعاء العام، ويفترض أن يتم بشكل مباشر من قبل عضو الادعاء العام.
ويلاحظ أن حقوق المتهم في إبداء دفوعه والشكوى من الإجراءات التي تتم من قبل موظف الجمارك أو التجارة خاصة ما يتعلق بعدم قانونية التفتيش أو الضبط أو المعاينة أو الخبرة ، كل ذلك يواجه مبررات قانون تقدمها المحكمة العليا في هذا الصدد ذلك أن القوانين الخاصة بالجمارك والتجارة وما منحته للإدارة من سلطة التحري ، قد جعل لمحاضر الاستدلال المعدة من قبل الموظفين الممنوحين صفة الضبط القضائي تبدو كأنها محاضر تحقيق ، خاصة إذا علمنا أن الإذن المطلوب في مثل أداء هذه الأعمال يتوقف في كثير من الأحيان على موافقة المدير العام ولا يتم اللجوء إلى الادعاء العام إلا في حالات نادرة .
ويرى البعض بأن مثل تلك الأعمال الاستدلالية ليست ذي قيمة بالنسبة لتكوين عقيدة المحكمة لاحقاً ، وإنما قد يبنى عليها الاتهام والأعمال الإجرائية اللاحقة ، ونلاحظ عدم التمييز بين أعمال التحري وأعمال التحقيق ، حيث لا يتم التمييز بين التفتيش كإجراء إداري وقائي أو كعمل من أعمال التحقيق حيث يتم الاستناد إلى محاضر تفتيش تمت بمعرفة موظفي إدارة الجمارك ، أو إدارة التموين أو غرفة التجارة وما شابه ذلك على أنها أعمال تحقيق يستند عليها الادعاء العام وتقدم إلى المحاكم المختصة بنظر الدعاوى المتصلة بالجرائم الواقعة على قطاع التجارة .
المطلب الثالث
إجراءات المحاكمة
تطبق في شأن الجرائم الواقعة على التجارة القواعد العامة في إجراءات المحاكمة العادية ، حيث لم نجد أية قواعد خاصة تتصل بالمحاكمة في هذا الصدد ، ولذلك فأن القواعد الإجرائية المتبعة هي قواعد قانون الإجراءات الجزائية ، رغم الحاجة إلى سرعة الفصل في الدعاوى الجزائية المرفوعة من الادعاء العام في قضايا تتعلق بجرائم وقعت على التجارة ، لكي تحقق الحماية المرجوة بغية تحقيق أثر الجزاء في نفوس الآخرين ويتحقق الردع العام وذلك عبر تحذير الآخرين بواسطة الجزاء الذي يمكن تعرضهم له إذا ما أقدموا على اقترافهم تلك الجرائم وبذلك يحقق المنع أي امتناع أشخاص آخرين من الإقدام على اقتراف مثل تلك الجرائم.
وتطبق في المحاكم قواعد الاختصاص في المواد الجزائية ، حيث تختص في الجرائم الواقعة على التجارة محاكم الجنايات والجنح والمخالفات وفق قواعد علنية المحاكمة وشفهية المرافعة وضمان حقوق الدفاع للمتهم والتزام المحكمة بحدود الدعوى الشخصية والموضوعية( ) وتجري هيئة المحكمة تحقيقاً قضائياً تمكن فيه الادعاء العام من إثبات الاتهام كما هو ملاحظ في أحكام محاكم الجنايات والجنح ، حيث يقدم الادعاء العام الأدلة التي جرى جمعها في مرحلتي الاستدلال والتحقيق عن طريق محاضر الأعمال الإجرائية ، ويتم تمكين المتهم من تفنيد الأدلة المقدمة ضده عبر الدفوع التي يقدمها المتهم أو المحامي وغالباً ما تنصب تلك الدفوع في القضايا الماسة بالتجارة على عدم قانونية الأدلة التي تم جمعها بطريقة التفتيش في مرحلة الاستدلال وعبر موظفي قطاع التجارة .
ولقد وجدنا أن محكمة جنايات مسقط رفضت بعض الدفوع بسبب صحة اختصاص موظفي قطاع التجارة في القيام بأعمال الاستدلال والتحقيق عند ندبهم من قبل الادعاء العام باعتبارهم مشمولين بسلطة الضبط القضائي في قضايا تنظيم التجارة والجمارك.
ونرى بأن صفة الضبط القضائي يجب أن لا تتخذ حجة بمواجهة المتهم بصدد قانونية الأدلة حيث أن أعمال التحري لا ينتج عنها أدلة وإنما معلومات تساعد على استيضاح إمكانية توجيه الاتهام من عدمه ولقد لاحظنا وجاهة ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية عند نظرها بعض الدفوع مثل الدفع بعدم قانونية الدليل المتحصل من تفتيش وقائي إداري ، تم الحصول عليه بواسطة موظف الجمارك في جريمة تهريب جمركي لبضاعة تم ضبطها بمعرفة رجال الجمارك كما أن حالات التفتيش الروتيني التي يقوم بها رجال التموين على المحلات التجارية لا يعد عملاً من أعمال التحقيق ، ولذلك فإن أية أدلة متحصلة بهذه الطريقة لا تعد قانونية لعدم قانونية التفتيش .
ولذلك يفترض على المحاكم إما أن تحكم بالبراءة لعدم وجود أدلة ، في مثل هذه الحالات أو أن تعيد الأوراق إلى الادعاء العام لإجراء التحقيق الابتدائي وتقديم أدلة قانونية تبنى المحكمة قناعتها على أساسها وتحكم بالإدانة أو تحكم بالبراءة وتصدر المحاكم قراراتها في قضايا تنظيم التجارة ذات الطابع الجزائي ، وتكون خاضعة للطعن بالطرق المقررة في قانون الإجراءات الجزائية ، وهي الاستئناف والطعن بالنقض وتكون أحكاماً نهائية إذا حازت قوة الشيء المقضي فيه بمضي المدة المقررة للطعن وتكون أحكاماً باتة إذا صدرت من المحكمة العليا أو استنفذت فيها كافة سبل الطعن المقررة في القانون.
تجدر الإشارة إلى أن محاكم الجنح مخولة بإصدار أوامر جزائية دون سماع قضائي في بعض قضايا تنظيم التجارة مثل مخالفة التموين و التسعيرة خاصة إذا كان قانون الجزاء لا يوجب الحكم فيها بعقوبة السجن أكثر من ثلاثة أشهر أو بغرامة يزيد حدها الأدنى على مائة ريال إذا رأى أن الجريمة حسب ظروفها تكفي فيها عقوبة الغرامة فضلاً عن العقوبات التكميلية والتعويضات وما يجب رده والمصروفات ويتم ذلك من خلال طلب يقدمه الادعاء العام يطلب فيه إصدار أمر جزائي على الطلب شريطة أن يكون الطلب مستنداً على محاضر جمع الاستدلالات وأدلة الإثبات الأخرى بعد إجراء تحقيق أو سماع مرافعة .
ولا يصدر الأمر الجزائي إلا بعقوبة الغرامة والعقوبات التكميلية والتعويضات وما يجب رده من المصروفات ولا يجوز في الجنح أن تجاوز الغرامة مائة ريال ويعلن الأمر إلى المتهم والمدعي بالحق المدني، ويجب أن يشتمل الأمر على اسم المتهم والواقعة التي عوقب من أجلها ومادة القانون التي طبقت.
ويجوز للقاضي رفض طلب الادعاء العام بإصدار الأمر الجزائي إذا رأى بأن الواقعة تستوجب تحقيقاً، وعقوبة أشد من الغرامة، ويترتب على هذا الرفض الاستمرار بنظر الدعوى الجزائية. ونرى بأن الأمر الجزائي يصلح لمواجهة المخالفات البسيطة في قضايا تنظيم التجارة بينما لا يمكن قبول ذلك في الجنايات والجنح الخطرة التي تستوجب جزاءاً فعالاً يحقق أغراض العقوبة في منع الجريمة وإصلاح المجرمين .