بقلم دكتور -محمد عسكر:
مستشار تكنولوجيا وخبير أمن المعلومات
يبدو أن الخيال العلمي نفسه لم يعد قادرًا على مجاراة التطورات التكنولوجيه المتلاحقه على أرض الواقع، فهناك عجز حقيقي في الأفكار التي يتم طرحها، سواء في الكتابات أو حتى في أفلام هوليود، عن شكل الحياة البشرية في المستقبل القريب، وكيف يمكن أن تؤثر عليها هذه التطورات التكنولوجية ، خاصة على المستوى الإنساني والاجتماعي، وذلك لأن التقنيات الذكية التي تم ابتكارها ويتم تطويرها بإستمرار قد تتعدى قدرة العقل أحيانًا على تخيل تبعاتها وتداعياتها على شكل الحياة البشرية. العقل الجمعي للذكاء الاصطناعي سيكون عن قريب أذكى وأسرع من العقول البشرية بملايين المرات، وبمجرد إدراكه هذه الحقيقة سوف يتعامل مع البشر بدونية شديدة، فهم أقل منه ذكاءً ومهارة، ويرى البعض بأنه لا سبيل للحفاظ على الإدراك البشري إلا من خلال تطوير القدرات البشرية كي تساير قدرات الذكاء الاصطناعي، من خلال زرع شرائح ذكية داخل العقول والأجساد البشرية تُحسّن من أداء عملها ووظيفتها في مواجهة قدرات الذكاء الاصطناعي، وبذلك نضمن عملية استمرار بقاء الجنس البشري في مواجهة الذكاء الاصطناعي.
لقد اقترب الوقت الذي سيكون فيه الإنسان هو “التقنية” أو “الأداة” التي ستخضع قريبا للتطوير والابتكار، فالوتيرة التي تسير بها الثورة الصناعية الرابعه متسارعة للغايه بصورة أكبر مما كنا نتوقع. وعلى ما يبدو أن هذه الثورة التي بدأت منذ عقد من الزمان مدفوعة بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والويب والاتصالات اللاسلكية قد أوشكت على الانتهاء، وأصبحنا على أعتاب ثورة صناعية خامسة، أرى أنها ستكون الثورة الأخيرة في هذه الحقبة من الحضارة الإنسانية لتعلن بذلك نهاية عصروبداية فجر جديد لحضارة مختلفة تماما عن سابقتها تسمى حضارة السايبورج ، تلك الحضارة التي تختلف تماماً عن الحضارات السابقة التي عرفتها الإنسانية، فقد ينتج عن الانسجام التام بين الآلات وبعضها، وبين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي نوع جديد من المعرفة (البشرية – الاصطناعية)، يولد أنواعا مختلفة من الفنون والآداب والموسيقى والعادات والتقاليد. هذه الحضاره الجديد ستكون الغلبة فيها بلا شك للإنسان الهجين، ذلك الإنسان المزيج بين البشر والذكاء الاصطناعي من خلال دمج شرائح ذكية في مخ الإنسان تعمل على تطوير قدرات العقل البشري وإكسابها مهارات لم تكن موجودة من قبل.
ومن هنا تبدأ مرحلة جديدة من الحياة “النصف بشرية”، يعامل البشر فيها أنفسهم معاملة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، ويتم تصنيفهم لأجيال حسب خصائص وقدرات الشرائح الذكية المدمجة فيهم، كل حسب شريحته الذكية والتي يتحكم فيها في النهاية قدرات هذا الشخص المالية على شراء الشريحة الأحدث والأسرع.ولعل الهدف الرئيسى من هذه الثورة الصناعية الخامسة المستقبلية المحتمله هو دمج البشر والتكنولوجيا معا بعناية، ما يضمن أن كليهما يعملان بشكل وثيق ما يمهد الطريق لظهور نسخ معدلة تكنولوجيا من البشر، تلك النسخ الهجينة التي تندمج فيها التكنولوجيا بالأعضاء الحيوية للإنسان فتصبح مكونًا رئيسيًّا من الجسد البشري، يختلط فيه اللحم بالسيليكون، والعقل بالأسلاك، والإدراك بحالة شحن البطارية فيظهر لدنيا جيل جديد من البشر يستطيع أن يتذكر أدق التفاصيل ، ويعمل أطول فترة ممكنة دون كلل أو ملل، جيل لا تتأثر قراراته بالعواطف أو المشاعر، ولا يشعر بالإرهاق أو الألم فى حالة مستجدة على الوجود الإنساني.
ولكن أسئله كثيره تجوب فى خاطرى عن مدى إمكانية أن يحقق التطورالتكنولوجى تقدما حقيقيا في تعديل الجنس البشري عن طريق الشرائح الذكيه المدمجه بالعقل البشرى لكي يصبح الأنسان خارقا بالفعل. كما تراودنى أسئله أكثر حول كيفيه تأمين هذه الشرائح من الأختراق وما هو الحال إذا تم اختراقها بالفعل وتمت سرقة جميع الأفكار والذكريات والمعلومات الموجودة في عليها فى رأس أحدهم؟ وهل ستترك جميع المعلومات محفوظة فقط بالرأس البشري أم إننا سنحتفظ بنسخة إحتياطيه منها على خوادم خارجيه بداعي التطوير والتحسين وهل يمكن أن يتم ذلك دون حتى أن نستأذن صاحبها؟ وما هى من الضمانات أن الشركات المطوره لهذه الشرائح لن تتجسس على الشريحة بنفسها وتسرق أفكارنا؟ أسئلة أخلاقية وتنظيمية كثيرة تثير مخاوفى، قبل أن تكون أسئلة علمية، لا بد من الإجابة عنها أولًا، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، كيف يمكن حذف مشاعر معينة من قائمة خياراته بهذه السهولة؟ وهل تتحمل طاقة الإنسان النفسية هذا الكم الرهيب من الذكريات والأفكار والنظريات والإدراكات ؟ وماذا يحدث إذا استطاع مجموعة من البشر امتلاك هذه التقنية الثورية، هل سيتركون الباقي يتمتعون بالحق في اقتنائها؟ أم سيتم حرمانهم منها بدواعٍ أخلاقية مزعومة كي يستأثروا منفردين بالسلطة؟
التعليقات مغلقة.