بقلم – محمد المسلاتي -ليبيا:
ظل صامتًا حينما دفع به ابنه الكرسي المتحرك بعد صلاة العصر ، ليضعه عند مدخل الفيلا المهيبة التي كانت لا تخلو لحظة من الزوّار ،الأصدقاء، والولائم ، هاهو الآن كل يوم يتكوم وحيدًافي المكان نفسه بعد انصراف ابنه ، ليختلس من الشمس لذعة دفء تفتقد إليها أطرافه نصف المشلولة ، يتنفس هواء الشارع ، يملأ عينيه بوجوه بشر كاد ينسى ملامحهم . سبحان الله ، لا يصدق نفسه ، كل هذه الأموال ،العقارات ، الأولاد ، البنات ، والأحفاد ، ليس له سوى هذا الكرسي المتحرك ، أدرك أن كل ما يملكه مجرد ورق ، مستندات ، دفتر شيكات ليس أكثر ، قال لنفسه ، مهما امتلكت من ملايين فلا تحمل إلاما تتسع له جيوبك ، ابتسم بشفتيه الكسولتين ، ثم أضاف ، ولن تتسع لك كل المساحات إلا بحجم جسمك ، حيزك مجرد فراش ، أوكرسي متحرك ، هذه الفيلا ليس لك منها الآن إلا بقعة هذا الكرسي . سرح نحو الماضي ، أيام العنفوان، والسلطان ، والقوة ، كيف كان يشرف على البناء وكلما اقترح عليه المهندس تصميمًا، طلب منه أن يزيد مساحات الحجرات ، تتسع الرغبات ، تتقلص الأمكنة ، تتسع الأمكنة ، تتقلص الرغبات. تأمل يده الممددة الملتصقة بذراع الكرسي ، وكفه المنفرجة ، شدّ انتباهه ضجيج أطفال ، بعضهم من أحفاده الذين لا يحفظ أسماءهم .. البعض الآخر من أطفال الشارع ، تحسر على طفولته ، وشبابه، وكهولته ، هاهو العمر مرق في لمحة بصر ، فجأة اقترب منه طفل ، ألقى في راحة يده المشلولة نصف دينار معدني ، وركض بسرعة مواصلًا لعبه مع سرب الأطفال ، دمعت عيناه وهو يرمق العملة المعدنية عاجزًا عن القبض عليها ، أوإزاحتها بعيدًا عن يده