اقتصاد الفقاعة
د / إسـلام جــمال الـدين شـــوقـي
خبير اقتصادي
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي
الفقاعة هي دورة اقتصادية تتميز بالصعود أو الارتفاع السريع لقيمة السوق، لا سيما في أسعار الأصول؛ أي تضخم سريع يتبعه انخفاض سريع في القيمة، يشار إليه أحيانًا باسم “الانهيار” أو “انفجار الفقاعة”؛ وهو ما يمكن تشبيهه بالبالون المنتفخ الذي يتمدد حجمه، إلى أن يصل إلى أقصى حد ممكن تحمله من ضغط الهواء ثم ينفجر.
وينطبق الشيء نفسه على الارتفاع الجنوني للأسعار الذي قد يحدث بسبب المضاربة على سلعة فيرتفع سعرها بشكل مبالغ فيه جدًا بما لا يقبله عقل ولا منطق، ثم عادةً ما يتبعه هبوط مفاجئ وحاد في السعر؛ ما يشبه انفجار الفقاعة.
وهناك عدة مسميات للفقاعات: الفقاعة المالية، وفقاعة الأصول، وفقاعة المضاربات، ولكن جرت العادة على اختصارها إلى كلمة واحدة فقط هي “فقاعة”، والتي لها أمثلة كثيرة من بينها: العقارات، والفضة، والذهب، والأسهم والسندات، وهناك فقاعة السلع كالزيت والسكر والقطن.
وقد اختلف الاقتصاديون على أسباب حدوث الفقاعة؛ فمنهم من يرى ارتباطها بالتضخم فتكون أسباب حدوثها نفس أسباب التضخم، ومنهم من يرى أنها تحدث عادةً نتيجة ارتفاع أسعار الأصول متجاوزةً قيمتها الحقيقية بفارق كبير؛ حتى تصل إلى نقطة السقوط الحر، ثم يتبعها انفجار الفقاعة لترجع إلى قيمتها الأساسية مرة أخرى؛ وهو ما يرجع إلى تغيير في سلوك المستثمر.
وعادةً ما يتم تحديد أسباب الفقاعات ودراستها في وقت لاحق بعد حدوثها، أو بمعنى أدق بعد حدوث انخفاض كبير في الأسعار ورجوعها إلى أصلها مرة أخرى.
أمثلة على الفقاعات
كانت أول فقاعة تم تسجيلها في القرن السابع عشر في هولندا بين عامي 1634 و1637، والعجيب أن نتائجها تنطبق وتُدرَّس في العصر الحديث، فليس عبثيًا القول بأنه يمكن لزهرة أن تؤدي إلى انهيار اقتصاد بأكمله! وهذا ما حدث في هولندا، عندما بدأت تجارة نبات التوليب بالمصادفة، عندما أحضر عالم نباتات بذور وبصيلات من القسطنطينية وزرعها من أجل عمل أبحاث علمية. وبمرور الوقت تحولت زهرة التوليب إلى رمز للتفاخر والرفعة؛ إذ سُمِّيَت أصناف محددة من النبتة بأسماءً مميزة، اشْتُقَّ بعضها من أدميرالات البحرية الهولندية.
وقد وصل سعر النبتة الواحدة في ذلك الوقت إلى 1000 فلورينة؛ تلك العملة التي كانت مستخدمة حينها، فيما كان متوسط الدخل السنوي للفرد نحو 150 فلورينة ولم يقتصر الأمر على شراء التوليب بالنقود، بل أصبح هناك مقايضة مقابل الأراضي والبيوت والمواشي.
وبحلول عام 1636 دخلت التوليب أسواق المال في كثير من مناطق هولندا ليتم تداولها هناك؛ ما شجع فئات المجتمع كافةً على المضاربة عليها بأموالهم وممتلكاتهم؛ فحقق البعض أرباحًا ضخمة، وخسر البعض الآخر.
ولقد تسبب هوس التوليب في جعل الثروات تتجمع بين عشية وضحاها؛ ما أدى إلى إنشاء بورصة للعقود الآجلة؛ حيث تُباع زهور التوليب وتُشترَى من خلال عقود بدون تسليم فعلي؛ ما دفع الأسعار إلى المضاربة، ثم انفجرت الفقاعة عندما رتب أحد البائعين عملية شراء كبيرة مع مشترٍ، ففشل المشتري في إظهار النبات.
وكان واضحًا أن ارتفاع الأسعار غير مستدام؛ ما أحدث ذعرًا تصاعد في جميع أنحاء أوروبا، فانخفضت قيمة النبات، ثم تدخلت السلطات الهولندية لتهدئة الذعر؛ بالسماح لأصحاب العقود بالإفراج عن عقودهم مقابل 10% من قيمة العقود؛ ما تسبب في خسائر للأفراد العاديين والنبلاء على حد سواء.
وفي العصر الحديث، فقاعتان مهمتان للغاية: فقاعة “الدوت كوم” في تسعينيات القرن الماضي، وفقاعة “العقارات” (أزمة الرهن العقاري) خلال عامي 2007 و2008.
فقاعة “الدوت كوم”: تميزت فقاعة “الدوت كوم” بارتفاع أسعار الأسهم في أسواق المال التي غذتها الاستثمارات في مجال الإنترنت والشركات القائمة على التكنولوجيا؛ ما أدى إلى نشوء مزيج من الاستثمار المضارِب مع وفرة مفرطة لرأس المال الاستثماري الذي ذهب إلى الشركات الناشئة.
ولقد بدأ المستثمرون في التسعينيات ضخ أموالهم في الشركات الناشئة عبر الإنترنت، على أمل الأرباح؛ إذ مع تقدم التكنولوجيا وبدء تسويق الإنترنت، ساعدت الشركات الناشئة في الإنترنت في تغذية الطفرة في سوق الأسهم التي بدأت عام 1995؛ حيث تشكلت الفقاعة من خلال الأموال الرخيصة ورأس المال السهل، ولكن مع بلوغ السوق ذروته، ساد الذعر بين المستثمرين؛ ما أدى إلى خسارة حوالي 10 % في سوق الأسهم.
وبمرور فترة زمنية قصيرة، أصبحت الشركات ذات رأس المال السوقي الضخم عديمة القيمة، ثم مع نهاية عام 2001، انهار جزء كبير من شركات الإنترنت.
فقاعة العقارات: وتحدث بشكل دوري في أسواق العقارات، سواء المحلية أو العالمية؛ بسبب الزيادة السريعة في سعر العقارات حتى تصل إلى مستويات غير مستدامة، ثم تنخفض.
ومن الأمثلة عليها؛ فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة التي كانت أثرت على أكثر من نصف الولايات المتحدة في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ حيث بدأت قيم العقارات في الارتفاع بشكل مبالغ فيه، وبدأ الطلب على ملكية العقارات ينمو بمستويات مقلقة؛ نظرًا لانخفاض أسعار الفائدة؛ إذ كان هناك تسهيلات كبيرة من جانب المُقرِضين؛ ما أتاح لأي شخص امتلاك منزل، كما خفضت البنوك متطلباتها للاقتراض بخفض أسعار الفائدة، فتوفرت القروض العقارية وخيارات إعادة التمويل من ثلاث إلى خمس سنوات.
ولقد أقبل كثير من الأفراد على شراء منازل بغرض تحقيق الأرباح، ولكن عندما بدأت سوق الأسهم في الارتفاع، ارتفعت أيضًا أسعار الفائدة بالنسبة لأصحاب المنازل، وبدأت إعادة التمويل ترتفع نسبتها أيضًا بمعدلات أعلى، ثم تراجعت قيمة هذه المنازل؛ ما أدى إلى بيع الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري؛ ما جعل البعض يطلقون على هذه الفقاعة ” الرهن العقاري”.
وبدأ كثيرون يتخلفون عن سداد الرهن العقاري بملايين الدولارات؛ ما تسبب في إحداث الأزمة المالية 2007-2008 التي بدأت في الولايات المتحدة، ثم انتقلت إلى دول أخرى.
ولقد ساعد سلوك المضاربات في أسواق المال وسوق الأراضي والعقارات على ظهور الفقاعات الاقتصادية وتفاقمها في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة؛ ما نتج عنه ما يُسَمَّى بالأرباح القدرية؛ أي تلك التي تُجنَى بدون إنتاج فعلي أو جهد مبذول؛ ما يسهم في حدوث ازدهار دورات إنفاق إضافية تؤدي إلى مزيد من الترويج الاستهلاكي، مُسببةً ازدهارًا لاقتصاد الفقاعة.
وتؤدي المضاربات إلى حدوث تضخم في أسعار بعــض الأصول الاقتصادية التي تؤدي بدورها إلى ارتفاع أسعار الأسهم والعقارات، مُحدِثةً حالة من الاقتصاد الوهمي.
وتظل نظريات عالم الاقتصاد الأمريكي “هايمان فيليب مينسكي” تحت المجهر لفترات طويلة إلى أن جاءت فقاعة الرهن العقاري أو العقارات في عام 2007 والتي جددت الاهتمام بصياغات نظريته التي تساعد كثيرًا في تفسير بعض أنماط الفقاعات؛ إذ حدد “مينسكي” خمس مراحل لدورة ائتمانية نموذجية؛ وهي: التحول، والازدهار، والنشوة، وجني الأرباح، والذعر؛ إذ ليس سهلًا معرفة متى تنفجر الفقاعة، فإذا انفجرت، لا تنتفخ مرة أخرى، ولكن يمكن لأي شخص التعرُّف على علامات الإنذار المبكر للفقاعة؛ فيستطيع تحقيق أرباح وفيرة ببيع الأصول التي بحوزته عند هذه النقطة الفارقة، محققًا الربح المراد.
التعليقات مغلقة.