استخدام الطاقة النووية فى الطب
بقلم – الدكتور على عبد النبى:
بعض العناصر الكيميائية لها نظير أو أكثر. وهناك نظائر مستقرة، بمعنى لا يصدر منها إشعاع، ونظائر غير مستقرة، وهى التى يصدر منها إشعاع.
النظائر المستقرة يستخدمها الباحثون فى جميع أنحاء العالم فى تشخيص المرض، ولفهم مسارات التمثيل الغذائى فى الإنسان، والإجابة على الأسئلة الأساسية في الطبيعة. وأمثلة على العناصر المستقرة المستخدمة في نظائر الطب النووى، مثل الكربون 13 والنيتروجين 15 والأكسجين 18 بالإضافة إلى نظائر الغازات النبيلة.
أما النظائر المشعة، فهى عناصر كيميائية، لديها طاقة زائدة فى نواة ذراتها، مما يجعلها غير مستقرة. ولكى تصل الذرات الغير مستقرة إلى حالة الاستقرار، لابد من أن تتخلص من الطاقة الزائدة فى شكل إشعاع. وتسمى عملية التخلص من الإشعاع “الاضمحلال الإشعاعى”.
عموما هناك حوالى 3800 نظير مشع. وفى الوقت الحاضر هناك ما يصل إلى 200 نظير مشع يستخدم بشكل منتظم، ومعظمها يتم انتاجه صناعيا. وهناك ما يقرب من مائة من النظائر المشعة تستخدم فى التشخيص أو العلاج أو الاستقصاءات فى الطب النووى، والتى ينطلق منها أشعة بيتا (أو بوزيترون) أو جاما.
يمكن تصنيع النظائر المشعة بعدة طرق. الأكثر شيوعاً هو التنشيط النيوترونى في مفاعل نووى. يتضمن هذا التقاط نيوترون بواسطة نواة الذرة مما يؤدى إلى زيادة النيوترونات. كما يتم تصنيع بعض النظائر المشعة في سيكلوترون (معجّل)، حيث يتم ادخال البروتونات إلى النواة مما يؤدى إلى نقص النيوترونات.
وأمكن الاستفادة من الإشعاع الصادر من النظائر المشعة فى الطب، لتوفير معلومات تشخيصية حول كفاءة وظائف أعضاء معينة فى جسم الإنسان أو لعلاجها. وحاليا أصبحت الإجراءات التشخيصية باستخدام النظائر المشعة روتينية.
الإشعاع عبارة عن طاقة، وإذا زادت شدته عن حد معين، يستطيع إتلاف الأنسجة الحية فى جسم الإنسان، مما يعنى أن الإشعاع إذا كانت لديه طاقة كافية، فيمكنه التفاعل مع جسم الإنسان، وكل عضو من أعضاء جسم الإنسان له حساسية خاصة بالنسبة للإشعاع. ويمكن استخدام الإشعاع لعلاج بعض الحالات الطبية، وخاصة السرطان، وذلك باستخدام الإشعاع لإضعاف أو تدمير خلايا السرطان. كما يستخدم الإشعاع فى تعقيم المعدات الطبية.
نحن نتعايش مع الإشعاع فى كل لحظة من حياتنا “من الميلاد حتى الممات” فبداخلنا يوجد إشعاع ومن خارجنا يحيط بنا الإشعاع. ويختلف التعرض للإشعاع الطبيعى من مكان إلى مكان اعتماداً على جيولوجية المكان وارتفاع المكان عن سطح البحر. والجرعات الإشعاعية التى نتعرض لها من الطبيعة غير ضارة تماماً.
تحت الإشراف الطبى لا يوجد خوف من استخدام الإشعاع فى حالات الكشف أو العلاج بالمواد المشعة، فإن كمية الإشعاع التى يتعرض لها الجسم تكون ضئيلة جدا بحيث لا يتسبب عنها أى ضرر.
الطب النووى، هو فرع من علوم الطب، يستخدم الإشعاع لتوفير معلومات حول عمل أعضاء معينة من جسمالإنسان أو لعلاج المرض. فى معظم الحالات، يتم استخدام المعلومات من قبل الأطباء لإجراء تشخيص سريع ودقيق لمرض المريض.
يتم ادخال المواد المشعة لجسم الإنسان بكميات محددة عن طريق الحقن فى الوريد أو يتم تناولها عن طريق الفم. نوع المادة المشعة وكميتها تختلف من مريض لمريض وطبقا لعمر المريض، وكذلك نوع المرض ومكان المرض. ويتم تتبع سريان المادة المشعة فى جسم الإنسان أو فى العظام أو فى أجهزة جسم الإنسان مثل الكلى أو المرارة أو الرئتين، وعندما تصل المادة المشعة للمكان المراد فحصه، يتم التقاط صور أو فيديو للإشعاع الصادر من المواد المشعة وبكاميرات خاصة. ومع أجهزة التصوير التى تسجل أشعة جاما المنبعثة من داخل الجسم، يمكنهم دراسة العمليات الديناميكية التى تحدث فى أجزاء مختلفة من الجسم. عند استخدام جرعات محددة من الأدوية المشعة للتشخيص، يمكن دراسة النشاط فى العضو إما كصورة ثنائية الأبعاد أو باستخدام التصوير المقطعى كصورة ثلاثية الأبعاد.
بواسطة النظائر المشعة يمكن تصوير الغدة الدرقية والقلب والكبد والعديد من الأعضاء الأخرى بسهولة، وكشف الاضطرابات في وظائفها. ولا يقتصر دور الأشعة على تشخيص الأمراض بل لها دور كبير فى علاج الأمراض، وتستخدم فى معالجة بعض السرطانات جنباً إلى جنب مع العلاج الكيميائى والهرمونى. كما تستخدم فى معرفة ما إذا كان هناك نزيف أو ورم فى الدماغ أو بقية أعضاء الجسم بالإضافة إلى الكثير من الأمراض التى يعانى منها الإنسان. وكذا تشخيص التهاب المرئ والمعدة والإثنى عشر والتهابات القولون، وتشخيص حجم ووظيفة الكلى والحالب والمثانة والحصوات التى بها، وتشخيص حالات الانسداد فى الأوردة والشرايين.
كما أن النظائر المشعة تستخدم على نطاق واسع لتشخيص حالة العظام والفقرات والمفاصل وعظام الجمجمة، وتوضح ما بها من أمراض وعلل كالكسور وبيان تكلسها والتئامها، وتشخيص حالات التهابات أو تسوس وهشاشة العظام.
اليوم، يعتبر التكنيشيوم-99، مع نصف عمر 6 ساعات ، هو العمود الفقرى للطب النووى. يتم استخدامه للدماغ والعظام والكبد والطحال والكلى وتصوير الرئة والغدة الدرقية وكذلك لدراسات تدفق الدم.
مثال، عند إجراء مسح إشعاعى للعظام، يتم حقن المريض بنظير عنصر التكنيشيوم المشع، الذى تنبعث منه أشعة جاما، ويتم تصوير الجسم بكاميرا تلتقط أشعة جاما المنطلقة من الهيكل العظمى، وبذلك يمكن اكتشاف الأورام وتحديد موقعها بدقة، وكذلك يمكن الكشف عن التكلس الحادث فى العظام.
اليود المشع (نظير اليود 131)، مع نصف عمر 8 أيام، يستخدم لتشخيص وعلاج اضطرابات الغدة الدرقية. فالعلاج باليود المشع ناجح جداً لدرجة أنه حل عملياً محل جراحة الغدة الدرقية.
هناك دور فعال للغاية للنظائر المشعة فى الطب النووى، وهو استخدام بواعث البوزيترون قصيرة العمر، مثل الكربون 11C أو نيتروجين 13N أو الأوكسجين 15O أو الفلور 18F، فى عملية تعرف باسم التصوير المقطعى بالانبعاث البوزيترونى (PET)، وهى مدمجة فى مركبات كيميائية تتجه بشكل انتقائى إلى أعضاء محددة فى الجسم، ويتم التشخيص عن طريق الكشف عن أشعة جاما من الطاقة المنبعثة عند إبادة بوزيترون وإلكترون لبعضهما البعض. بهذه الطريقة يمكننا دراسة الجانب الوظيفى للعضو مثل الدماغ البشرى.
حدث تطور فى هذا المجال وأصبح التصوير المقطعى بانبعاث البوزيترون (PET) هو المستخدم حاليا، وهو تقنية أكثر دقة وتعقيداً، وتستخدم النظائر المنتجة فى السيكلوترون. يتم إدخال النويدات المشعة التي ينبعث منها البوزيترون، عادة عن طريق الحقن، وتتراكم في الأنسجة المستهدفة. وعندما تتحلل ينبعث منها بوزيترون، والذى يتحد بسرعة مع إلكترون قريب، مما يؤدى إلى انبعاث متزامن لأشعة جاما محددة فى اتجاهين متعاكسين. ويتم الكشف عنها بواسطة كاميرا التصوير المقطعى بانبعاث البوزيترون (PET) وتعطى مؤشرات دقيقة للغاية عن أصلها. التصوير المقطعى بانبعاث البوزيترون (PET) مهم جدا فى علم الأورام، وخصوصا مع الفلور-18، حيث أثبتت أنها الطريقة الأكثر دقة للكشف عن معظم السرطانات وتقييمها. كما أنها تستخدم بشكل جيد فى تصوير القلب والدماغ.
أما فى العلاج الإشعاعى للسرطان، فيتم قصف الورم السرطانى بالإشعاع المؤين، فى شكل حزم من البروتونات أو النيوترونات أو جسيمات ألفا أو بيتا، والتى تعطل نمو السرطان.
النظائر المشعة المستخدمة فى المجال الطبى لا تعتبر ضارة، فهى لا تستقر فى جسم الإنسان، حيث يتخلص جسم الإنسان من هذه النظائر عن طريق البول. فائدة استخدام النظائر المشعة عن الطرق الأخرى فى الكشف، فى أنها تحدد الكفاءة الوظيفية للعضو المصاب إلى جانب تركيب العضو. كما تساهم النظائر المشعة فى الكشف عن الإصابة بالأورام الخبيثة وعلاجها.
ومن مميزات استخدام المواد المشعة عن أشعة أكس أو الأشعة المقطعية أنها أكثر سلامة على المريض حيث يكون النظير المشع داخل الجسم محدود الانتشار ويتم توجيهه إلى العضو المصاب تحديدا، لكن فى حالة الأشعة السينية، نجد أنها ممكن أن تصيب أعضاء أخرى غير الأعضاء المراد فحصها.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.