مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ابن تيمية يُجيز ما يمنعه بعض أتباعه

بقلم: الشريف محمد بن علي الحسني

في أجواء الصحافة السعودية خلال أوائل القرن الرابع عشر الهجري، وتحديدًا في عام 1382هـ (1962م)، كانت جريدة الندوة المكية مساحة فكرية خصبة لحوارات شرعية واجتماعية متزنة، تعكس التنوع الفقهي الذي كان لا يزال حاضرًا في الحجاز، قبل أن تتغلب موجة أحادية في الخطاب الديني لاحقًا.

ومن بين المقالات التي حملت هذا النفس العلمي المعتدل، نُشرت مقالة لفضيلة الشيخ محمد المصطفى العلوي الشنقيطي، حول الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بعنوان لافت:

“هذا ما تقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوي.”

لم يكن المقال مجرد رأي شخصي، بل كان تأصيلاً حنبليًا نابعًا من داخل المدرسة السلفية نفسها، حيث استند الشيخ الشنقيطي إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم، مبرزًا أنه لم يُحرّم المولد بإطلاق، بل قال بصريح العبارة:

قد يهمك ايضاً:

الشريف محمد بن على الحسني يكتب: قوم بور وتجارة لن تبور:…

وكيل الأزهر يعقد اجتماعًا لتدشين اللجنة العلمية لأعمال…

“من عمل المولد، وكان فيه مصلحة راجحة، وخلا من المحرمات، فهو من البدع الحسنة، ويُثاب على قصده.”

وهذا النص – كما لاحظه الشيخ الشنقيطي – لا يمكن تجاوزه، خصوصًا وأنه يصدر من إمام يُعد رأس المدرسة الحنبلية في زمنه، والمرجع الأول الذي يستند إليه كثير من المتحفظين أو المانعين للاحتفال بالمولد في هذا العصر.

المقال لم يكن دفاعًا صوفيًا، ولا نزعة عاطفية، بل ردًا علميًا على من يجعل رأي ابن تيمية حاجزًا أمام إحياء ذكرى النبي ﷺ. وقد أكّد الكاتب أن ابن تيمية نفسه فرّق بين البدعة المحرمة والبدعة التي يُقصد بها تعظيم النبي ﷺ، والتقرب إليه بمحبة وذكر.

هنا تتجلى المفارقة الكبرى التي حملها عنوان هذا المقال: ابن تيمية يُجيز ما يمنعه بعض أتباعه. فإذا كان الإمام قد فرّق، وراعى النية، وقسّم البدعة إلى ما يُذم وما يُمدح، فكيف يستسهل بعض المتأخرين التبديع المطلق والتكفير الضمني لكل من يقيم مولدًا، حتى لو خلا من المنكرات؟

هذا المقال المنشور عام 1382هـ في جريدة رسمية سعودية، يُعد وثيقة مهمة في مسار النقاش الديني بالمملكة، ويدل على أن الوسطية الفقهية كانت حاضرة، وأن أقوال ابن تيمية لم تكن تُقرأ بسطحية أو بتحريف تأويلي كما هو الحال اليوم. بل لعل هذا المقال نفسه يكون دعوة لإعادة قراءة تراث ابن تيمية بروح التأصيل لا التصلب، وبفهم القصد لا القالب، وبمرجعية المحبة النبوية لا غلظة الفتوى.