مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

إلقاء الضوء على نقطة هامة في مشروع محطة الضبعة النووية

بقلم الدكتور  – على عبد النبى:

هل نشترى محطة الضبعة النووية الروسية على أنها محطة نووية غربية ؟ ، سؤال هام ، فحينما تشترى سيارة “لادا” روسى ، فأنت على علم بسعرها المنخفض، بمعنى انك على علم بالتكنولوجيا الروسى وجودتها وبإمكانياتها المحدودة ، لكنك بهذه السيارة “اللادا” تستطيع تلبية احتياجاتك الضرورية والشاقة منها، ويكفى فخرا أن السيارة “اللادا” منتشرة فى مدينة الاسكندرية ، وهذا دليل على الثقة الكبيرة فى إمكانيات إستخدامها كتاكسى. لكن حينما تريد شراء سيارة ذات جودة وإمكانيات أعلى فهذا يستدعى أن يكون سعرها أعلى بالضعف أو أضعاف عن سعر السيارة “اللادا”.

ومصر لها تجارب مع التكنولوجيا الروسية سواء فى التسليح أو فى الصناعة أو فى السيارات والمركبات أو فى مجال الطاقة النووية ، ففى مجال الطاقة النووية مصر تمتلك مفاعل أبحاث روسى قدرته 2 ميجاوات حرارى ، ومصر امتلكت معجل شحنات “فان دى جراف” روسى وكان يستخدم فى تسريع الإلكترونات أو البروتونات ، كما وأن مصر تمتلك معجل (سيكليترون) روسى جديد ، ولنا هنا وقفة فقد إستطاع الانسان المصرى أن يتوائم مع إمكانيات التكنولوجيا الروسية المحدودة ويطوعها ويستخدمها فى صناعة انجازات أبهرت العالم.

أنا لا اشكك فى التكنولوجيا الروسية ولا اعيب عليها فى شئ ، ولكنى أقول أن لكل رتبة ودرجة من رتب ودرجات جودة التكنولوجيا ولها سعر، ولك ان تختار لتلبية أحتياجاتك طبقا لامكانياتك المادية ، فالسوق مفتوح أمامك ، وفى بعض الأحيان تلعب السياسة دور هام فى إختيارك لتكنولوجيا معينة ، وهذا ينطبق على المحطات النووية لتوليد الكهرباء ، فالعامل السياسى أدى الى إتجاه مصر الى روسيا  والشراء منها بالأمر المباشر ، وذلك بعد التجارب المريرة التى خاضتها مصر مع أمريكا والتى امتنعت مرتين عن تزويد مصر بمحطات نووية عام 1964 وعام 1974 ، ثم قيامها بهدم الاتفاق بين مصر وفرنسا للشراء بالأمر المباشر ، ثم  نسف محاولة بناء محطة نووية ألمانية فى الضبعة بعد اختيارنا للعرض الألمانى فى مناقصة 1983.

نتيجة تبنى روسيا البلد الفقير للفكر الشيوعى أدى الى تأخر التكنولوجيا الروسية فى زمن كانت فيه الدول الرأسمالية تنطلق الى الأفاق ، والسبب فى ذلك يرجع لقلة الأمكانيات المادية فكان الصرف على البحث والتطوير شحيح وبالتالى أدى الى عدم الارتقاء بالمواصفات القياسية والأكواد والمعايير المستخدمة فى تحديث التكنولوجيا الروسية ، وأصبحت التكنولوجيا الروسية لا تستطيع منافسة التكنولوجيا الغربية.

وحتى تستطيع روسيا الخروج بمفاعلاتها النووية للسوق العالمى ، فكان لزاما عليها الاستعانة بالتكنولوجيا الغربية فى مفاعلاتها ثم توطين هذه التكنولوجيا فى مصانعها ، وكان لزاما عليها أيضا ان ترتقى بالمواصفات القياسية والأكواد النووية الروسية الى مستويات مثيلاتها الغربية .

ولنا ان نعلم ان روسيا تستعين بالتكنولوجيا الغربية فى بناء مفاعلات نووية داخل روسيا ، وعلى سبيل المثال فهناك 6 مفاعلات من نوع مفاعل الضبعة AES2006-VVER1200 يتم بنائها فى موقع ليننجراد ونوفافوريتش وبالتك ، ويتم الاستعانة بالتكنولوجيا الغربية فى بنائها.

هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء أعدت مواصفات محطة الضبعة النووية ، وهذه المواصفات مطابقة الى حد كبير مع المواصفات الغربية ، وهناك عدم تطابق فى نقاط كثيرة فى المواصفات بين محطة الضبعة والمقدمة من روسيا وبين مواصفات الدول الغربية ، وعدم التطابق هذا يأتى فى صالح المواصفات الغربية من ناحية الأداء والجودة ، خاصة وأن فلسفة ودوائر الأمان هى أخطر جزئية فى المحطة النووية ، ويجب أن تكون مستوفية ومتطابقة مع المواصفات التى طرحتها هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : فاجعة الموت

محمد حسن حمادة يكتب: الكلب البلدي إللي نشط السياحة في بلدي

أنا لا أستطيع تغطية جميع نقاط الإختلاف فى مقالة واحدة لأنها تحتاج الى صفحات كثيرة ، كما اننى لا أستطيع سرد تفاصيلها لأنها لا تهم القارئ العادى ، فهى تحتاج الى متخصصين فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء وهم عدد محدود داخل مصر.

عندما نقول ان المواصفات القياسية الغربية للمحطات النووية تتفوق على مثيلاتها الروسية ، فهذا ليس سر ، وهو منشور ومتاح للسادة القراء على مواقع وصفحات النت المتخصصة ، وروسيا تعمل جاهدة للوصول بأكوادها القياسية المستخدمة فى تصنيع محطاتها النووية لتتطابق مع المواصفات الغربية.  لكن وطبقا لإمكانيات المحطة النووية الروسية فلابد وان يكون هناك فرق فى السعر ، ولابد وأن تكون المفاعلات الروسية أرخص من المفاعلات الغربية ، ولكننا نرى ان هناك قرض روسى مقداره 25 مليار دولار يغطى المكون الأجنبى وهو يمثل 85% من ثمن 4 محطات نووية ، أى أن سعر محطات الضبعة هو  29.5 مليار دولار ، وبذلك يكون سعر المحطة الواحدة 7.35 مليار دولار ، وهو سعر مرضى ومقبول ومناسب مقارنة بأسعار المحطات النووية الغربية ، ولكنه ليس سعر لقطة أو بيج ديل، لأننا لو قارنا بين أسعار المحطات النووية التى تمت فى الاتفاق بين تركيا والصين وفى الأتفاق بين إيران وروسيا نجد أن مشروع الضبعة أغلى فى السعر.

لإجراء مقارنات بين اسعار المحطات النووية ذات القدرات الإنتاجية المختلفة، يتم إستخدام حساب التكاليف من حيث التكلفة بالدولار لكل كيلووات $/KW . هذه الحسابات تسمى Overnight Cost  التكلفة بين عشية وضحاها ، وهى تكلفة بناء محطة نووية بدون فوائد أثناء التنفيذ، كما لو تم الانتهاء من المشروع “بين عشية وضحاها ” ، وتتضمن أيضا تكلفة أول شحنة وقود نووى.

وعندما نتحدث عن مشروع 4 محطات نووية بالضبعة من جانب تكلفة تنفيذ المحطات ، نقول أن هناك سعر للمحطات وهو يساوى 29.4 مليار دولار ، وهذه المحطات تعطى 4800 ميجاوات. وبالتالى فإن 29.4 مليار دولار مقابل 4800 ميجاوات كهربى من محطات نووية. وهنا نقول ان الـ 1000 ميجاوات تساوى 6.2 مليار دولار ، بمعنى ان كل كيلووات يساوى 6200 دولار.

لكن فى المقابل فإننا نجد أن تركيا اتفقت مع الصين مؤخرا على بناء محطات نووية صينية فى تركيا ، وكان السعر المعلن هو 25 مليار دولار فى مقابل 5000 ميجاوات كهربى من محطات نووية. وهنا نقول ان الـ 1000 ميجاوات تساوى 5 مليار دولار، بمعنى ان كل كيلووات يساوى 5000 دولار. كما اتفقت إيران مع روسيا مؤخرا على بناء محطات نووية روسية فى إيران ، وكان السعر المعلن هو 10 مليار دولار فى مقابل 2000 ميجاوات كهربى من محطات نووية.  وهنا نقول ان الـ 1000 ميجاوات تساوى 5 مليار دولار ، بمعنى ان كل كيلووات يساوى 5000 دولار.

وبسرعة نستطيع أن نقول أن الأتفاق بين روسيا وإيران والأتفاق بين الصين وتركيا لبناء محطات نووية يعتبر أرخص من الأتفاق بين روسيا ومصر لبناء 4 محطات بموقع الضبعة ، والفرق هو 1200 دولار لكل كيلووات، فمن يتحمل هذا ؟

المشكلة تكمن فى أننا ارتبطنا بالسعر قبل أن نرتبط بالمواصفات الفنية ، وبالتالى لا تستطيع إدخال تعديلات جوهرية فى مواصفات المحطة كما فعلت الهند والصين مع روسيا، وهى تعديلات تصب فى صالح مصر ، لكنك أصبحت مقيد والتعديلات ستكون فى أضيق الحدود.

هناك إجراءات تمت من بداية التعامل مع شركة “روس أتوم” الروسية وحتى تاريخ تصريح وزير الكهرباء والذى اعلن فيه “الانتهاء المفاوضات بالكامل مع روسيا لإنشاء محطة الضبعة” ، وهذا يؤكد ان العقود الأربعة وهى “عقد المحطة النووية وعقد الوقود الجديد وعقد الوقود المستنفذ وعقد التشغيل والصيانة” ستكون جاهزة للتوقيع بعد مراجعة مجلس الدولة لها.

ورأيى الشخصى كمتخصص فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء ، أنه يجب مراجعة جميع الإجراءات التى تمت فى مشروع الضبعة النووى مع الجانب الروسى من قبل شيوخ وفقهاء المحطات النووية الفنيين المصريين والذين تم استبعادهم ولم يشاركوا فى مشروع الضبعة ، ويجب مراجعة البنود المالية التى يتضمنها العقد بواسطة المتخصصين فى وزارة المالية، وذلك قبل إرسال العقود لمجلس الدولة وتوقيع العقود، اللهم انى قد بلغت اللهم فأشهد.

اترك رد