مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

إعتذار

بقلم فتحى حجير:

الساعة الآن،العاشرة صباحا،عروة (مدرس الرياضيات) يسير بسرعة وفي رأسه عمليات حسابية جارية ،ظاهرة بحركات شفتيه،هي كما يلي :

سبعة دروس في “المدارس الخاصة ” وخمسة عشر درسا في “المنزل” ،وإذا ضربنا سبعة ب “س،سين” وخمسة عشر ب “ص،صاد” يكون المجموع” ن، نون” وأضيف عليه راتب الحكومة “ك ،كاف” مع إنه ليس بكاف يصبح المبلغ ..( فجأة يصرخ عليه أحد السائقين أن انتبه ،وابتعد عن الطريق ) فيقفز خوفا ورعبا فتسقط من ذهنه وتضيع كل حساباته .

المهم أنه يقطع الطريق ثم يعود من جديد يجمع ويضرب،يقسم ثم يسبح إلا أن وصل المدرسة المقصودة، عندها أوقف حساباته عنوة واتجه لها .

قد يهمك ايضاً:

الصف :التاسع

المادة : اللغة العربية .

تلك الجمل هي ما كتب على السبورة اليوم،عروة دخل الصف .وأمامها وقف هو خلف الكرسي يداه ممدوتان ممسكتان بها، رأسه مرفوع خمسة وأربعون درجة عن خط الأفق، عيناه منتصب فوقهما جفناه كخيمتين عتيقتين صغيرتين، يخترق نظرهما زجاجتي نظارته المستندة على أسفل أرنبة أنفهه، فيهما غضب وانتظار وضجر .جسمه مشدود للأعلى وكأنه قوس بلا سهم ولا وتر ، وتظنه يراقب ما خلف خلف الجدار. أما التلاميذ الداخلون للتو من بعد “الفرصة” فلا زالت أصواتهم عالية ويصاحبهم الشغب ، ثوان مرت ،منهم من ترجم بذكاء وقفة المدرس هذا فصمت ، ومنهم من ترجمها ولم يصمت، لكن ،بشكل عام،الضجيج بدء يتلاشى ويرحل، حالا محله الهدوء،إذ ما زالت بعض الوشوشات تصدر من هنا وهناك .

قال الأستاذ عروة : وجوهكم اليوم غريبة ، فملامحكم عجيبة هي ليست كالتي أعرف! ربما السبب هو شغبكم هذا !ألا يكفي! ألم تكونوا قبل قليل في الباحة !أما انتهت أحاديثكم ! اتعرفون كم من الوقت قد قتلتم !؟ عشر دقائق!(وبدأ صوته يعلو) ،عشر دقائق ولت! ،طارت من وقتكم . إن درسي هو خمسة وأربعون دقيقة، ها أنتم دفنتم منها عشر دقائق! ،ولو حسبنا الوقت الذي يهدر من قبلكم في السنة، فسيكون مرعبا !إذ كيف سأنهي المنهاج المقرر ،إن أنتم أضعتم من كل درس عشر دقائق!و…….(هنا أحد الطلاب)دمدم قائلا :- وأضعت أنت نصف ساعة!فضحك من سمعه ،أما الأستاذ فتقلص وجهه فأزال نظارته عن عينيه ووضعها على الطاولة وتابع متجاهلا ما سمع فقال:هذا لا يجوز مطلقا هل أنا مخطئ؟أم رأيي هو الصحيح !هيا أجيبوني ؟! قال(نفس التلميذ الذي علق قبل قليل) ودون استئذان : كلامك صحيح والله يا أستاذ ، فأجابه : إخرس و(بلاش فلسفة )وتابع بصوت منخفض :أبنائي، يجب أن نتعلم كيف ندير الوقت،في هذه الأثناء قرع الباب وظهر هناك تلميذ يستأذن بالدخول قال له الأستاذ :أهلا أهلا أين كنت حضرتك؟ ! أجاب التلميذ :كنت أغسل وجهي وتأخرت! أنا أعتذر . قال له الأستاذ : قبح الله وجهك فلا أهمية لاعتذارك! ،أغلق الباب من الخارج وانصرف!عندها( تكلم أحدهم مع جاره في المقعد ) فانتبه الأستاذ عروة له وقال : قم أنت! ماذا تقول لزميلك؟ ها ،ماذا تقول له؟وقف التلميذ المقصود وقال: لم أقل له شيئا .قال الأستاذ : قم أنت (قاصدا الآخر )،ماذا قال لك زميلك؟ أجاب مبتسما وعيناه كالرادار تدوران في كل اتجاه: لم يقل لي شيئا يا أستاذ ، هنا قال الأستاذ عروة : اذا الصوت الذي سمعته أنا ،جاء من السماء ! تعال إلي،تعال،ما اسمك ؟ أجاب: عامر ثم خرج من المقعد واتجه للمدرس ورأسه متدل يحمل ابتسامة يحاول إخفاءها ، قال عروة :إن لم تقل لي ما قلته لرفيقك! ،سأستدعي ولي أمرك !وأطردك من درسي حتى نهاية السنة ،أتفهم ها، هيا قل! . قال عامر : سأقول ،لقد قلت له : هل ،نحن مكلفون بوظيفة؟ عندها وضع الأستاذ عروة إصبعين على خده الأيمن وأمال رأسه مرسلا نظراته من أسفل جبهته للتلاميذ جلهم واضعا يده اليسرى على كتف عامر وقال : جميل ! بل رائع منك يا عابد! قال عامر : اسمي عامر قال الأستاذ عروة ياعامر يا لك من مجتهد! الآن! أنت تسأل إن كنت مكلفا بوظيفة أم لا؟! الحقيقة أنت مثال للطالب المتفوق، أحسنت.ثم خاطب التلاميذ قائلا: صفقوا له .فصفق الطلاب دونما تأخير ، فصرخ عروة: ويحكم! تصفقون لهذا الفاشل ! أنا أسخر منه! فأقول لكم صفقوا له! ونظر إليه قائلا :الآن إن سألتك لماذا لم تكتب الوظيفة ؟ستجيب : نسيت. وسأقول لك:هل نسيت أن تأكل ؟وربما تقول لي :أنا لم أنتبه يا أستاذ بأنك أعطيتنا وظيفة ، وسأجيبك: أين عقلك؟! هل تهت !ثم نظر إليه طويلا وقال: أدخل،أدخل لمكانك،أدخل ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، ورفع صوته قائلا :ركزوا ركزوا وانتبهوا ،(والله إن العقل زينة)!

عموما،اليوم،لدينا درس” المثلث” ،هيا أخرجوا الأدوات الهندسية ، فرفع أحد التلاميذ يده وأنزلها أكثر من مرة مشيرا للمدرس كي يسمح له بالكلام ، انتبه إليه الأستاذ عروة ،وقال له بحدة : قم، ماذا تريد ؟قال التلميذ :أستاذ ،اليوم هو الأربعاء ، وفي هذا اليوم ،درس الرياضيات هو آخر حصة وليس الآن ،ثم هل أنت أستاذ الرياضيات الجديد ؟!نظر عروة الى السبورة ثم أعاد النظر إليه ثم إلى السقف وإليه وقال : أي جديد! ما هو درسكم الآن؟ أجاب الجميع (بعشوائية وبنغمات مختلفة ) : اللغةالعربية ،لغة عربية ، عربي ، أدب عربي ، قال عروة : يكفي يكفي ! وأين المدرس ؟ أجابوا هو مريض ،لم يأت منذ أربعة أيام .قال : إذا أعيدوا أعيدوا أدواتكم ، وخرج من الصف مهرولا ، ما لبث أن عاد كي يأخذ نظارته ويرجع متجها للمدرسة المجاورة ليعتذر لمديرها وتلاميذها عن الدرس الذي ضاع .