بدر شاشا
إشكالية التشغيل في المغرب ترتبط بشكل وثيق بمخرجات النظام التعليمي وأدوار الأسر والعوامل الاجتماعية التي تشكل بنية المجتمع. عندما نتحدث عن قضية التشغيل في المغرب، نجد أنها تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد نقص الوظائف المتاحة، لتصل إلى جذور متشابكة في التعليم، النمو السكاني، والسياسات الاجتماعية والاقتصادية.
الجامعات والمدارس المغربية تنتج كل عام آلاف الخريجين الذين يملؤون سوق العمل. ولكن، للأسف، يجد هؤلاء الشباب أنفسهم في كثير من الأحيان في مواجهة واقع مرير؛ حيث تتجاوز طموحاتهم وقدراتهم فرص العمل المتاحة. فالتعليم، رغم ما يبذل من جهود لتحسينه، لا يزال يعاني من فجوة كبيرة بين مخرجاته ومتطلبات سوق العمل. في كثير من الأحيان، تكون المناهج التعليمية منفصلة عن الاحتياجات الفعلية للسوق، مما يؤدي إلى إنتاج أعداد كبيرة من الخريجين الذين لا يمتلكون المهارات العملية أو المعرفة التقنية التي يتطلبها السوق.
من جهة أخرى، تلعب العقلية الأسرية والاجتماعية دورًا هامًا في تعميق هذه الإشكالية. النمو السكاني الكبير، والذي يمكن عزوه جزئيًا إلى ثقافة التكاثر داخل الأسرة، يضيف ضغوطًا هائلة على الموارد الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. الأسر التي تنجب عددًا كبيرًا من الأطفال، دون التفكير في الإمكانيات المتاحة لتوفير حياة كريمة لهم، تساهم في تضخم أعداد العاطلين عن العمل. وفي ظل هذا الوضع، يصبح من الصعب توفير فرص عمل كافية للجميع، مما يؤدي إلى تفاقم البطالة والفقر.
إذا نظرنا إلى أسرة ولدت أكثر من عشرة أولاد، نجد أنها، في ظل ظروف اقتصادية عادية، قد تجد صعوبة كبيرة في توفير احتياجاتهم الأساسية من تعليم ورعاية صحية وتغذية. ومع ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الطلب على الماء والطاقة، تزداد الضغوط على هذه الأسر بشكل كبير. وللأسف، بدلاً من أن تساهم هذه الأسر في رفع مستوى التعليم والوعي، نجد أنها غالبًا ما تنتج أفرادًا غير مؤهلين للمنافسة في سوق العمل، مما يعزز الدورة المفرغة للبطالة والفقر.
أما على مستوى المجتمع بشكل عام، فإن النمو البشري غير المتحكم فيه يؤدي إلى تزايد الضغوط على البنية التحتية والخدمات العامة. فزيادة عدد السكان تعني زيادة الطلب على السكن، المرافق الصحية، التعليم، والخدمات الأساسية الأخرى. وفي ظل ضعف التخطيط والتحكم في هذا النمو، يصبح من الصعب على الدولة تلبية احتياجات مواطنيها، مما يؤدي إلى تدهور جودة الحياة وزيادة التوترات الاجتماعية.
وعندما ننظر إلى سوق العمل في ظل هذه المعطيات، نجد أنه يواجه تحديات هائلة. النمو السكاني الكبير يؤدي إلى تزايد أعداد الباحثين عن عمل، مما يزيد من حدة المنافسة ويجعل الحصول على وظيفة مستقرة أمرًا صعبًا للغاية. هذه المنافسة القوية تؤدي بدورها إلى انخفاض الأجور، وزيادة الاستغلال من قبل أصحاب العمل، وانتشار الوظائف غير المستقرة والضعيفة.
بناءً على ما سبق، يمكن القول إن قضية التشغيل في المغرب ليست مجرد مسألة اقتصادية، بل هي قضية اجتماعية وثقافية تتطلب تدخلًا شاملًا على مختلف المستويات. إذا أردنا حقًا تحسين فرص التشغيل في المغرب، يجب علينا أن نبدأ بإصلاح النظام التعليمي ليصبح أكثر تماشيًا مع احتياجات السوق، وتشجيع الأسر على التخطيط بشكل أفضل لحجم الأسرة بما يتناسب مع الإمكانيات المتاحة، وتعزيز الوعي الاجتماعي بأهمية التحكم في النمو السكاني.
يتبين لنا أن التحكم في البنية البشرية يعد أمرًا ضروريًا لتحقيق التوازن في سوق العمل ولضمان توفير حياة كريمة للجميع. فبدون هذا التحكم، سنظل ندور في حلقة مفرغة من الفقر والبطالة وعدم الاستقرار الاقتصادي. لذلك، يتعين على الدولة والمجتمع العمل معًا لإيجاد حلول مستدامة لهذه التحديات، وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
التعليقات مغلقة.