كتب – محمد صبحي:
“لا مكان للأحلام الصغيرة”، هو العنوان الذي حملته مذكرات الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز، والمنشورة في 240 صفحة، والصادر يوم 12 سبتمبر الماضي، يكشف جانبا مهما من تلك التجربة، رغم الحذر الذي ينبغي أن تؤخذ به مثل تلك العينة من الكتب التي تتضمن تمجيداً لتجربة قادة إسرائيل رغم جرائمهم الدموية بحق الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية بشكل عام.
في هذا العمل، الذي انتهى قبل أسابيع فقط من رحيله، يقدم بيريز دراسةً متعمِّقة لنقاط التحوُّل الحاسمة في التاريخ الإسرائيلي، من منظور شخصٍ كان صانع قرار وشاهد عيان.
وهو على الأرجح كان يشعر بدنوّ أجله، بعد هذه الرحلة الطويلة، كما يكشف العديد من كواليس تلك التجربة، ومنها كيف أصبحت إسرائيل دولة نووية، عندما طلب بيريز من صديقيه وزير الخارجية الفرنسى كريستيان بينو ووزير الدفاع موريس بورجيس مونورى خلال وضع تفاصيل المؤامرة على مصر، وتنسيق الهجوم عليها في أكتوبر من عام ١٩٥٦ الذي عرف بالعدوان الثلاثي، عندما فاتحهما في مسألةٍ أثارت دهشتهما، وقال “جئتُ لمناقشة أحد أكبر طموحات إسرائيل: دخول العصر النووي.
ولتحقيق ذلك، سنحتاج إلى شيء من فرنسا- شيء لم يسبق لدولة أخرى في التاريخ أن قدمته لدولة أخرى”. يتابع بيريز في مذكراته: “لم يكن اهتمامنا بالطاقة النووية جديدا.
بل كان هذا الأمر يثير فضولي وفضول بن جوريون على المستوى الفكري قبل تلك اللحظة المصيرية بوقت طويل. ولم يكن أي منا خبيرا بالطاقة النووية، بل كنا- في أحسن الأحوال- مجرد شخصين متحمسين.
وكان بن جوريون يرى أن العلم وحده يستطيع أن يعوضنا عما حرمتنا منه الطبيعة: “فإذا لم تكن إسرائيل تمتلك نفطًا، وتفتقر إلى المياه العذبة الكافية، فإن بإمكان الطاقة النووية حل كلا المشكلتين.
وقد كانت دول مثل فرنسا تستخدمها ليس فقط كمصدر موثوق للطاقة، ولكن أيضا كوسيلة لتحلية المياه المالحة”.
لكن بيريز يعترف بأن العلم لم يكن هو المحرِّك الأكبر الذي دفعه في هذا الاتجاه، بل السياسة، قائلا أنه كان يسعى بهذا السلاح إلى ردع العرب، فالردع، على حد تعبيره في الكتاب “الخطوة الأولى على طريق السلام”.
ورغم افتقار إسرائيل إلى المواد الخام والخبرة الهندسية اللازمة لبناء المفاعل، إلا أن فرنسا البلد الذي أقامت معه إسرائيل الصداقة الأوثق في ذلك الحين، وأكثر البلدان تقدما في أوروبا في المجال النووي؛ كانت تمثل أيضا أفضل داعم للمشروع الصهيوني، ويقول بيريز في مذكراته: “والواقع أن الصناعة الفرنسية أنشأت فرقا من المهندسين والعلماء ذوي الخبرة الدقيقة، وكانت الجامعات الفرنسية أفضل مكان في العالم لدراسة الفيزياء النووية، وكان تحت تصرفهم كل ما تحتاج إليه إسرائيل لبناء مفاعل نووي”.
ويستطرد بيريز في وصف تفاصيل بناء المشروع النووي الإسرائيلي، والصعوبات التي واجهته، ويختتم بيريز تعليقه قائلا: أخبرتُ كثيرين بأنني بنيت مفاعل ديمونا من أجل الوصول إلى أوسلو.
ولم يكن الغرض خوض الحرب بل منعها. لقد أنفقتُ الكثير من شبابي في محاولة تأمين إسرائيل من أجل شعبها.
لكن هذا كان نوعا مختلفا تمامًا من الأمن. ويكشف الكتاب كيف صنعت إسرائيل مشاريعها الاستيطانية، وبنت ترسانتها العدوانية بمساعدة القوى الكبرى في العالم، سواء من خلال بريطانيا وفرنسا في السابق، أو الولايات المتحدة حاليا.
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالموافقة على نقل سفارة بلاده إلى القدس، والاعتراف ضمنيا بأن القدس عاصمة لإسرائيل، أثار عاصفة من الغضب العارم، لكنه كشف أيضا حجم التأثير الإسرائيلي على دولة كبرى بحجم الولايات المتحدة، وهو ما يستدعي مزيداً من الدراسة لتجربة دولة مثل إسرائيل.