مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

إجراءات تنظيمية مبكرة استعداداً لاستحقاق الشورى العُمانية للفترة التاسعة..وبناء نموذجها الحضاري الفريد في الديمقراطية

تقرير: أحمد تركي …. خبير الشؤون العربية والدولية

بدأت سلطنة عُمان سلسلة من الإجراءات التنظيمية المبكرة استعدادا للاستحقاق البرلماني المتمثل في انتخابات مجلس الشورى للفترة التاسعة (2019 ـ 2023)، في الربع الأخير من العام الجاري ، إذ شهد مطلع يوليو الحالي، الاجتماع الثالث للجنة العليا للانتخابات، لمناقشة آخر الاستعدادات المتعلقة بالعملية الانتخابية، بعد استحداث خاصية التسجيل الالكتروني والتي استفاد منه عدد كبير من المواطنين داخل وخارج عُمان حيث قاموا بقيد أسمائهم الكترونيا دون الحاجة الى التوجه الى مكاتب الولاة كما هو الحال في الفترات السابقة مع بقاء خدمة التسجيل الاعتيادي متاحة.

كان القيد في السجل الانتخابي قد بدأ في نوفمبر 2018، ثم استقبال طلبات الترشح الالكتروني في فبراير 2019 وصدور القرار الذي حدد قواعد ووسائل الدعاية الانتخابية واعتماد البرامج الالكترونية التي سيتم استخدامها في الانتخابات وتحديد عدد ممثلي الولايات في تلك الفترة بزيادة عضو لولاية لوى ليصبح العدد 86 مقعدا.

إجراءات تنظيمية مبكرة

وتواصل الجهات العُمانية المعنية بالعملية الانتخابية استعدادها للاستحقاق البرلماني، في إطار من الخصوصية العُمانية بكل تجلياتها ووفق استراتيجية “التدرج وفقاً للخصوصية” التي تنتهجها سلطنة عمان منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي في سياق بناء نموذجها الحضاري في الشورى والديمقراطية، مرتكزة في ذلك على مبدأ الجمع المتوازن بين مفهوم الأصالة العمانية في الحفاظ على هويتها الحضارية وتقاليدها الأصيلة، وبين مفهوم المعاصرة التي تعني الانفتاح على تجارب الاخرين واستيعاب مقومات الحضارة الحديثة والاستفادة من معطياتها في بناء الدولة العصرية الحديثة وهي دولة المؤسسات والقانون.

تكتسب انتخابات مجلس الشورى للفترة الجديدة أهمية كبيرة كونها تتزامن مع الاستعدادات ليوم النهضة في الثالث والعشرين من يوليو الحالي، والعيد الوطني التاسع والأربعين في الثامن عشر من نوفمبر المقبل والذي يتوج مسيرة نصف قرن من تجربة سلطنة عُمان في الانتقال التدريجي من المجتمع القبلي العشائري إلى دولة مؤسسات عصرية حديثة.

ووفقاً للمتخصصين في الشأن العُماني، فإن النظام القبلي أو البناء القبلي سار جنبًا إلى جنب مع التيار المؤسسي الحديث، ولكن هذه الازدواجية المؤسسية لم تشكل عبئا سياسياً في السير نحو التحديث، فمجالس الولاة ما زالت قائمة، وتحقق طموحات شيوخ وزعماء القبائل، وتعمل على خلق نوع من التوافق في المجتمع العُماني من خلال الدور الاجتماعي الذي تقوم به وحل مسائل الخلاف القبلية بشكل ودي؛ إذ إن دورها يقتصر على المشاركة في المشروعات الخدمية والإنتاجية داخل البيئة المحلية فقط، أما البناء الحديث فقائم على المؤسسات والهياكل الرسمية وفق المنهج المتدرج والسلمي. هذا البناء المؤسسي الحديث استوعب النظام القبلي، وهو الأقوى منه في إطار الرؤية العمانية الجماعية نحو مسايرة التطورات العالمية، وعدم التخلف عن ركب الدول المتقدمة.

قد يهمك ايضاً:

إعلان محتمل لوقف إطلاق النار بلبنان “في غضون…

“العاصمي”الطرح العام الأوَّلي لــ «أوكيو» يمثل…

محطات من التحديث

تجسد انتخابات الفترة التاسعة (2019 ـ 2023) المقبلة ـ ضمن تطورها الطبيعي ـ مخزونا للقيم في التشريع والممارسة لتحقيق قيم التحديث عبر مراحل متتالية مع الحفاظ على الخصوصية التاريخية والاجتماعية للواقع العماني والاخذ بأسلوب التطور التدريجي البعيد عن النظريات والثقافات والاطروحات التي لا تتناسب مع الثقافة الشوروية العمانية.

مرت مسيرة الشورى في سلطنة عمان بمحطات زمنية فاصلة، اتسمت في طبيعتها بالتطور والنمو في الصلاحيات وفي عدد الأعضاء وفي العملية الانتخابية، ليس فقط على الصعيد المؤسسي والتنظيمي تشريعياً، ولكن ايضاَ على صعيد الممارسة والدور الذي تقوم به مؤسسات  الشورى وتهيئة المناخ لمشاركة أوسع وأعمق من جانب المواطنين العمانيين في صياغة وتوجيه التنمية الوطنية.

وقد تدرجت سلطنة عمان في ممارسة الشورى، إذ تمثل هذا التدرج في آليات تطبيق منهاج الشورى العمانية من خلال تأسيس المجلس الاستشاري للدولة، الذي استمر من عام 1981 إلى عام 1991م، وكان رئيسه وأعضاؤه يرشحون بالتعيين من خلال المراسيم السلطانية، ثم الإعلان عن مجلس الشورى في عام 1991م. ومنحه الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، كخطوة جديدة في مواصلة التقدم في التجربة الديمقراطية في السلطنة.

ثم الانتقال في عام 1997 إلى إنشاء مجلس الدولة ومجلس عمان، ويضم مجلس عمان مجلسي الدولة والشورى، حيث رافق ذلك أيضاً التدرج في عملية الانتقال من التعيين إلى الانتخاب، وزيادة في عدد الأعضاء، ونسبة التمثيل ومشاركة المرأة، وفي الصلاحيات، وفي شكل الممارسة، وذلك لإثراء مسيرة التطور والبناء، وإفساح المجال للأفكار والآراء التي تخدم الصالح العام، وتسهم في توفير الحياة الكريمة للمواطنين، وتحقيق الأهداف العليا للوطن، وتم فتح الباب أمام المواطنين العمانيين لخوض انتخابات عامة يتساوى فيها الرجل والمرأة على قدم المساواة للترشح في المجلس، بحيث تمارس فيها المرأة العمانية حق الترشح والانتخاب.

ثم شهد المجلس تطورات مهمة ونوعية سواء على مستوى الصلاحيات خاصة بعد التعديلات التي أجراها السلطان قابوس بن سعيد في عام 2011 وإعطاء المجلس صلاحيات تشريعية ورقابية، أو سواء على مستوى المشاركة السياسية وتزايد أعداد من لهم حق الانتخاب والذين وصلوا إلى 611 ألف ناخب، أو سواء على مستوى دوره في إعداد القوانين والتشريعات والتعاون مع مجلس الدولة ، أو على مستوى تطور البرامج ونظام الانتخابات ، حيث أصبح التصويت الإلكتروني متاحا في الانتخابات عن طريق شاشات اللمس، وأخيراً تأتي انتخابات الفترة المقبلة الجديدة حاملة التسجيل الالكتروني لخوض العملية الانتخابية.

 

 

اترك رد