مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

إجبار الفتيات على الزواج.. وأثره في زيادة حالات الطلاق

 

بقلم – د هند مكرم عبد الحارس :

منسق عام المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي بمحافظة أسيوط

يعد الزواج من ضمن السنن الكونية التي أنزلها الله على الكرة الأرضية، وعلى البشرية ولا تستقيم الحياة البشرية إلا في منظومة الزواج والأسرة، وهي سنة إلهية موجودة منذ خلق الله عز وجل أدم وحواء، وانهيار الأسرة هو انهيار للحضارة، يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[ سورة الروم: 21]

فحين خلق الله سيدنا آدم جعل معه شريكة وهي زوجته السيدة حواء التي خلقت من ضلع آدم، وهذا الخلق جاء ليكون دلالة قوية على أنها جزءا منه وشريك له، يأنس بها وتحتمى به، ويُظهر هذا جليا الحكمة من الزواج القائم على الرحمة والمودة والسكينة بين الزوجين بهدف تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي والعاطفي والروحي، فإذا تم الزواج على أسس صحيحة سينعم المجتمع بالاستقرار الاجتماعي وإذا لم يتم على أساسي اجتماعي سليم يؤدي إلى التفكك الأسري والانفصال

وكما يقال دوام الحال من المحال؛ فلا تستمر الحياة داخل البيت في نعيم وسعادة تامة على الدوام، فقد يتعكَّر الجو، وقد تجد المعوقات والمشاكل لعدة أسباب، قد تكون إقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية، فالراحة التامة نوع من الوهم، ومن العقل توطين النفس على قبول ذلك؛ حتى لا تتوقف الحياة الزوجية. فحين يتعذر العيش تحت سقف واحد، وإذا بلغ النفور بين الزوجين مبلغًا يصعب معه الاستمرار، فعليهما أن يتفرّقا بالمعروف والإحسان، كما أمرنا الله عز وجل؛ لذا شرع الله عز وجل الطلاق والمقصد الشرعي فيه هو ارتكاب أخف الضررين عند تعسر استقامة المعاشرة بالمعروف، فكان شرع الطلاق لحل آصرة النكاح، وقد أشار إلى ذلك الله عز وجل في قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (سورة البقرة، آية: ٢٢٩) فالطلاق كلمة، لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة الزوجين إليها، وقد أباحه اللَّه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانًا، ولكنه يتنافى مع العديد من القيم، لما يترتّب عليه من تبعات سلبية. ومن هنا يكشف لنا القرآن الكريم أنّ الطلاق الذي شرّعه الإسلام هو حالة استثنائية غير محبّبة؛ ولكنّها آخر الدواء عندما تعجز سائر المحاولات عن حلّ المشاكل الزوجية والخلافات التي تحدث داخل الأسرة ولا ينفع معهاعلاج سواه

قد يهمك ايضاً:

بعد الفوز على الداخلية…عيد لاعبي طنطا رجالة ونسعي…

ونحن حين نتحدث عن المرأة الصعيدية في هذا الصدد نجدها تميزت بالعديد من المزايا التي جعلتها صامدة وراسخة كالجبال، كي تستطيع تحمل مشاق الحياة، وتستطيع مواجهة التحديات التي فرضت عليها من المجتمع الذكوري، حيث الكلمة الأولى والأخيرة للرجل، مع تفشي التفسيرات الخاطئة بالنسبة لتعليم المرأة وتبني المورثات الدونية وفكرة النقص الأنثوي، وكذلك انتشار الأفكار والمعتقدات المعادية للمساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالحرمان من الميراث، والحرمان من التعليم، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعدى الأمر إلى حرمة جسدها بفرض الختان الجائر عليها، وكذلك إجبار الفتاة على الزواج المبكر من شخص يكبرها بمراحل، وقد تم تجسيد ذلك في بعض الأعمال الدرامية المصرية التي تناولت المرأة الصعيدية بكافة صورها، فنجدها تارة تجسد المرأة الصعيدة بالقوة والجبروت والتسلط وأنها أشد قسوة من الرجال، ونجدها تارة تجسدها بأنها ضعيفة مغلوبة على أمرها لا تملك حق الرد أو الرفض أو الإعتراض على رأي الأسرة

وقد أكدت نتائج العديد من الدراسات التي تمت عن مظاهر القهر التي تم ممارستها على المرأة الصعيدية بشكل خاص إلى ميل أهل الصعيد إلى حرمان النساء من ميراثهن في الأراضي الزراعية بالدرجة الأولى، يليه حرمانهن من إرثهن في البيوت والعقارات. ويبلغ القهر منتهاه حين تتزوج الفتاة من زوج لم تختره ولم يكن لها في زواجها أي رأي ، بل ربما تتزوج من شخص لم تره من قبل ولم تعرفه قط، وقد تصل العلاقة في النهاية إلى حد الانفصال بالطلاق لتعود الزوجة إلى بيت أبيها تجر أذيال الخيبة، فقد أصبحت على حد قولهم “بضاعة بايرة”،أي كسدت الفتاة وقلت قيمتها.

ومن هنا تبدأ المعاناه للفتاة التي تجد نفسها فجاءة مطلقة وأم لأطفال في مواجهة متطلبات الحياة الطاحنة وأخ مشارك فيما يحدث لأخته من متاعب بإهداره لحقوق أخته وممارسة التسلط عليها وهي صغيرة لا يحق لها التعليم مثل أخيها ولا المطالبة بالميراث وأخذ حقها الشرعي من أبيها وأخيها. طمع الدنيا جعل الأخ بدلا من أن يكون سندا لأخته من أشد أعدائها

كما أن نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة نظرة غير سوية؛ حيث يشير إليها بأصابع الاتهام ويضعها دائما موضع شك وريبة. وهذا نوع آخر من القهر المجتمعي الذي تُعانيه المرأة ليس فقط في ذلك المجتمع الصعيدي، وإنما ما زال يسود مجتمعنا اليوم رغم هذا القدر الهائل من التعليم والفكر والثقافة، فالمرأة المطلقة تحيا في مجتمعها في مناخ من القلق والتوتر ؛ حيث تشعر بشيء من العنت والقهر والقمع من ذلك المجتمع على اختلاف أطيافه وتعدد طبقاته؛ حيث ينجح ذلك المجتمع في إزكاء الشعور بالنقص والدونية لدى المرأة المطلقة، وأنها دون غيرها من النساء مما يُقلل فرص زواجها مرة ثانية

وعندما تطالب المرأة بميراثها الشرعي الميراث الثابت في التشريعات السماوية والقوانين المصرية تتهم بعدم التربية، لذا تلجأ بعض الأسر إلى كتابة أملاكهم في حياتهم باسم أبنائهم الذكور حتى لا تقاسمهن فيها البنات بعد وفاة الآباء.

ورغم وصول المرأة الصعيدية إلى مناصب قيادية عديدة في الدولة كفلها لها القانون والدستور، فصعيد مصر يحتاج لعمل مستمر من الباحثين والمسئولين، وسن القوانين التي تضمن للمرأة بصفة عامة حقوقها في جميع مناحي الحياة، وتغيير ثقافات وقناعات البعض الخاطئة عن المرأة الصعيدية

التعليقات مغلقة.