أوربا وعصور الظلام
بقلم دكتور- هشام فخر الدين:
لا شك أن التاريخ حافل بالعديد من الحقائق فهو ذاكرة الأمم، وما يدعو للحزن هو الأجيال الحالية والتي خوت عقولها وفرغ فكرها وعز وجود المثقف في زمن عزت فيه الثقافة والقراءة والاطلاع، والتفكر والاستفادة من دروس وعبر التاريخ والحضارات وكيف وصلت المجتمعات إلى ما هي عليه الآن. ولنا عند عصور الظلام أو العصور الوسطى في أوربا وقفة، تلك التي امتدت أكثر من ألف عام، والتي امتدت من القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر الميلادي. حيث بدأت بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية.
واستمرت حتى عصر النهضة والاستكشاف، وتعتبر تلك الفترة هي الفترة الثانية بين التقسيمات التقليدية للتاريخ الغربي، الفترة القديمة، والوسطى، والحديثة. وتنقسم العصور الوسطى نفسها إلى ثلاثة فَترات، الفترة المُبكّرة، والمتوسّطة، والمُتأخرة، حيث انتشر في تلك الفترة الجهل والخرافات والتعصب الديني والحروب الدموية، مع انعدام بالكلية للإنجازات العلمية والفكرية
وخلال العصور القديمة، هيمنت الإمبراطورية الرومانية على أوربا إلا أنها سقطت خلال القرن الرابع وسيطرت القبائل الجرمامية البربرية على أوربا بما فيها روما، كما سيطر القوط على إسبانيا وإيطاليا، والسكسون على بريطانيا، والفرانكيون على فرنسا، وقسمت أراضى الإمبراطورية الرومانية إلى إقطاعيات كبيرة كانت تسمى بالضياع.
ومن ثم تم تمزيق جسد الإمبراطورية الرومانية إلى ممالك وضياع يمتلكها السادة والنبلاء، يعمل بها فلاحون بالسخرة يسمون أقنان، وتحولت أوربا إلى النظام الإقطاعي. وكان لكل من النبلاء جيشه وفرسانه؛ لذلك كثرت الحروب بينهم وتحولت أوربا إلى ساحة حرب.
وقد استمرّت هذه الحالة في بدايات العصور الوسطى، وقد أقام الغزاة البرابرة، بالإضافة إلى العديد من الشعوب الجرمانية، ممالك جديدة على ما تبقى من الإمبراطورية الرومانية الغريبة المنهارة. ويطلق المؤرخون عليها عصور الظلام؛ لانحطاط مستوى التعليم والثقافة وسيطرت المعتقدات القائمة على الخرافات والأساطير لاستعباد البشر.
وبنيت الأديرة على نطاق واسع كحملات لتنصير أوربا الوثنية، كما ظهرت في أواخر القرن الثامن وبدايات القرن التاسِع الإمبراطورية الكارولنجية من سلالة الكارولنجيون الإفرنج، وقد شملت معظم أراضي أوروبا الغربية، ولكنّها انهارت على وقع الحروبِ الأهلية إلى جانِب الغزوات الخارجية من الفايكنج في الشمال، والمجريون من الشرق والسارسيون من الجنوب.
وقد تزايد عدد سكان أوروبا بشكل كبير خِلال الفترة المتوسطة التي بدأت بعد عام 1000 ميلادياً؛ بسببِ الابتكارات التكنولوجية والزراعية التي سمحت بازدهار التجارة متصاحبة بحقبة القروسطية الدافئة التي سمحت بازدياد المنتج الزراعي.
وقد تخللت تلك الفترة كذلك ما يُعرف بالحملات الصليبيّة، وكانت بداية التبشير بها 1095، وقد تأثرت الحياة الفكرية بالفلسفة القائمة على ربط العقل بالإيمانيات، واتسمت الفَترة المُتأخرة من العصور الوسطى بالمصاعِب والمعاناة والكوارِث، فالمجاعات والطاعون والحروب قد هددت تعداد السكان في أوروبا الغربية.
فبين عامي 1341 – 1350 حصد طاعون الموت الأسود حياة ثُلثِ سكان أوروبا، كما لعب الصراع والهرطقة والانشقاق داخِل الكنيسة الكاثوليكية والحروب الأهلية وثورات الفلّاحين في الممالك، دورا في الانتقال من عهد إلى عهد جديد وإعادة تشكيل المجتمع الأوروبي، مما أسدل الستار عن العصور المظلمة معلنة بداية العصر الحديث.
التعليقات مغلقة.