مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب : ويبقى الإشتياق سراً في القلب

 

 

قد يهمك ايضاً:

انور ابو الخير يكتب: تسعيرة مافيا المباني بزفتي

مدينة بلا ربا

يرتجف القلم وتدمع العين وأجد غصة في الحلق كلما هممت ان اكتب كلمات لرثائك ياأبي ويبقى الإشتياق سراً في القلب لا يشعر به أحد ننام ونستيقظ على ألحان الاشتياق ويبقى القلب فارغاً بعد رحيلك مثقوباً تتسرب منه رائحه السعادة المفقودة وتمر الأيام والسنين والرياح من خلالها لتجدد نزيف الجراح التي حاولنا أن نعالجها
ولكن اين هي الكلمات؟ وكيف ابدأ؟ فلقد كنت وما زلت وستبقى الأب والصديق حقا لا ادري من اين ابدأ؟ هل بالحديث عن ابتسامتك التي لا تفارق ناظري ام عن كلماتك التي كنت ترسم البسمة بها على كل من حولك ام اقول انه منذ ان سمعت خبر رحيلك عنا اظلمت الدنيا وفارقت البسمة وجوه الكثيرين؟
فجأة عجز القلم أمام الكلمات التي يتحدث بها عن فراق الأحبة ليصف ألم وفراق وإشتياق و عجزت الكلمات أن تواسي قلباً أثقلته الجراح في ذلك اليوم الذي طبع التاريخ ألماً وحسرة لم أطيقها ولازالت إلى اليوم أثار ذلك الكي الذي كواه الفراق والإشتياق لقلوبنا
فيوم الجمعة الموافق ١٩٩٨/٥/٢٨ هو ذكرى ألم ذكرى وفاة فقيدي وتاج رأسي والدي الحبيب رحمه الله مضت سنوات وكان اليوم كما كان بالامس باقياً بالمه ومواجعة
واشتياقنا لرؤية فقيداً بكت عليه الدار واستوحش الطريق وارتسمت الأحزان على اوراق الشجر رحلت يا والدي بجسدك عنا ولكنك بقيت فينا ما زرعته من اخلاق ومعادن الرجال بقيت فينت روحك التي تلهمنا وتشد علي ايادينا حتى نستطيع أن نواصل المسير كم هي قاسيه هذه الحياه وهي تختطف الأعزاء كم هي موجعة تلك الأشياء التي لم نعد نراها البعض نحبهم لكن لا نقترب منهم فهم في البعد أحلى وهم في البعد أرقى وهم في البعد أغلى والبعض نحبهم ونسعى كي نقترب منهم ونتقاسم تفاصيل الحياة معهم ويؤلمنا الابتعاد عنهم ويصعب علينا تصوّر الحياة حين تخلو منهم والبعض نحبهم فيكثر شجارنا معهم نسخرهم جلسات استرخاء لأعصابنا فيوم نشكو لهم ويوم نشكوهم لأنفسهم نمارس فيهم رياضة التنفيس نتدرب عليهم وبكل ما أوتينا من سلبيات نخرج إليهم واضحين كالشمس نتعرى أمامهم من معاطف الوقاية من برد المجتمع وحره وكيده نقف أمامهم بغصوننا المرهقة وأوراقنا اليابسة وثمارنا المتيبّسة يتساقط سلوكنا أمامهم نشعل ثورة معهم وحربا ضد رأيهم نشتعل معهم ولا نخشى شيئا وكلّما صحت الأجواء عدنا نكدّرها بالخلاف ولا نخاف لأننا سنعتذر في آخر اليوم ونتسامح ونتعانق ونضحك وقد نخصص لهم كنية نناديهم بها كلما انزعجنا منهم واسما نلقبهم به كلما ثرنا عليهم بل ونذكرهم بحدث غبي مر بهم أخجلهم وأضحكنا عليهم فنضحك معا رغم النقاش بل ونتعرف على بعضنا أكثر ونحب بعضنا أكثر وكم نبدو فارغين وناقصين بدونهم لا نحب أحدا أكثر منهم نغار عليهم ونبيع العالم لأجلهم ونكره أن يمسهم سوء أو أن تقترب منهم الآلام نكره فراقهم وليلة من غيابهم تساوي ألف عام نخصص مواعيد معهم في غيابهم نواجه الشوق باستذكار لحظاتنا معهم مقولاتهم أشياء أحبوها أشياء لم يحبوها أذواقهم في الطعام واللباس والعطور بل ونقتنيها وأحيانا نحتفظ بآخر قميص لهم خلفوه للغسيل نستخلصه لأحضاننا نهربه من الصابون ونخبئه في الخزانة لنعود إليه كلما لاح الحنين لا لشيء إلا لنشمهم فيه بعمق البعض نحبهم فتخطفهم يد الغياب يرحلون ويتركون لنا الذكريات في كل ركن تحكي عن الماضي ما كان فيه وما ولم يكن الذين نحبهم بشدة قد يختارهم الشجار بدقة ونادرا ما نجد مثلهم خارج البيت الذين نحبهم بشدة قدد ننتقدهم بحدة لأننا نحبهم بصدق فنقف أمامهم بذاتنا الهشة ونطلعهم على تفاصيل أحاسيسنا ومشاعرنا ودموعنا وميولنا نعود رفقتهم أطفالا ونتحول بفضلهم أبطالا لا أحد سواهم يمنحنا حق تحول كهذا ولا ندفع ثمنه عدا الحب حتى إننا نناديهم حين نرضى باسم وحين نغضب باسم وحين نتودد إليهم طمعا في شيء باسم آخر وحين يكون الأمر جادا باسمهم فهم في وقت الصحو عسل و في وقت الجدال بصل نريد حضورهم واهتمامهم كل مرة نتشارك معهم الحزن والمسرة نطلب احتواءهم كرة وكرة وكم نغار عليهم فكلما توسطنا عنصر آخر لبسنا لهم لا شعوريا ثوب الشجار ورفعنا لهم لوحة قف و تمهل المرورية لا لشيء إلا لنقول لهم إننا نحبكم فانتبهوا الذكي يفهمها والغبي يجري وراءنا في دورة الشجار حتى يمر الموقف ويتشتت بالتبرير واستجداء العفو فلولاهم لما تعلمنا كيف ندير الخلاف لولاهم لما اكتسبنا مهارات تؤهلنا للخروج إلى المجتمع ومشاركة الناس لولاهم لما فهمنا معنى الحوار والاحترام والتفاوض والتسامح والاعتذار لولاهم لما تعلمنا كيف نكف عن الشجار ونتجاوز عن الأخطاء ونغفر لولاهم لما تعلمنا الصدق ولولا وجودهم لتكونت في داخلنا العقد وفي أجسادنا الأمراض ولما عبرنا عن مشاعرنا ولما فرغنا انفعالاتنا ولما كان لنا رأي ولما عرفنا معنى الأخوة ومعنى أن يكون لك صديق كأخ هم السند هم المدرسة النفسية وهم المدرسة الفكرية هم المدرسة المعرفية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والفنية التي علمتنا معنى الاختلاف والبعض نحبهم فتخطفهم يد الغياب يرحلون ويتركون لنا الذكريات في كل ركن تحكي عن الماضي ما كان فيه وما ولم يكن عن بضعة الحروف التي كنا نكورها بأصابعنا على الورق كي تقينا من نزغ الأرق ونتقاذفها صبحا بعيدا عن منطقة العزاء وملاعب الألم عن كرة القلم تلك التي كانت تدور بيننا كركلات ترجيح لم ترجح الكفة لأي واحد منا فأمست كل ما تبقى منا عن عصا الحروف السحرية التي كانت بمفاتيحها السرية تفاجئ يومنا الرمادي فتلونه بشعور غير عادي لا يترك في قلوبنا زاوية إلا ومارس فيها طقوسه وأفرغ فيها كؤوسه عن النهايات المفتوحة التي لم يتطوع أي منا ليوصدها خلف الغياب عن لحظات الارتياب وعن الخوف الذي تملك السطر الأخير من يوميات الحروف
عن الشيء واللاشيء الذي كان بيننا عن إقالة ساعي البريد الذي جوعنا أطفاله وصادرنا دراجته وطوينا حقيبته ورفعنا عنه قبعته وحجزنا ماله عن المظاريف البريدية التي ماتت فاستبدلناها بقارورة زجاجية يستحيل أن تصل من المتوسط إلى الكورال فظلت رهن الخيال عن الحب الذي انتظرنا عند باب الحياة الخلفي ودعانا إلى دهليزها الخفي فأعرضنا عنه وأخذنا نشق الطريق بين الحجارة لنحظى بترحيبه عند باب أمامي عن المواعيد التي لم يخلق لها مستقبل عن حبات الاعتراف الذي لم يصمد وتبعثر يوم صنعنا له بالأبجدية سلة ورحنا نلتقطه من البرية ونقطفه من السحب وننقب عنه في تلة عن المشاعر التي افترستنا وخلفتنا بقايا عن زهرة الشفاء الضالة التي لم تكن إلّا في الحكايا واليوم في الذكريات
عن الأرض التي لم تعد تميل عن محورها ولم تعد تدور فرحى حول نفسها ولم تعد تحتفي بالشمس فتدور حولها لتمسي السنة فصلا واحدا يستقر فيه موسم الغياب عن المقاعد الجائعة عن العيون المائعة عن الذين تعاطيناهم دون احترام للجرعات وصرنا نتناول ذكراهم كل يوم أثناء الوجبات وقبل النوم عن الذين كانوا دواءنا فلما غابوا صاروا داءنا عن الذين كنّا في حضورهم زهرات حية فإذا بنا في أفولهم أعشاب جبلية كل من رآها حسبها العشبة الطبية الموصوفة في قصص كان ياما كان ولو أنهم علموا أوجاعها لما قصدوا المكان عن أولياء الحب الذين أجلانا الفراق عن أحضانهم الدافئة وبعثرنا في الأزقة فمن نحبّهم بشدة يختارهم الغياب بدقة لأن مثلهم لا يستحق سوى الحب ولا نملك أمامهم سوى أن نحب نرمم معهم أشياء كثيرة نعيد طلاء الحياة فأي طلاء بعدهم يلون وجه الحياة
إن أكثر ما يوجع في الفراق أنه لا يختار من الأحبة إلا الأجمل في العين والأغلى في القلب فيا له من فراق وكيف يصحو المرء من ضلال قديم تحرضه الذكريات
ما تبقى منا ليل مجنون يأبى أن يعقل ونأبى أن نرفع عنه القلم ما تبقى منا أصبح نائم أبى أن يستيقظ ونأبى أن نرفع عنه القلم ما تبقى منا طفل صغير يأبى أن يكبر فلم نرفع عنه القلم
والآن أيتها الذكريات كأطفال القمر هذي الدموع تؤذيها شمسك كأطفال القمر تخاف وشوشة النور فيك ويرهقها همسك ونكاد نحب الليل لأجلها هذا الليل الذي تباح فيه الدموع والآهات وتمضي في سبيلها دون رخصة هذا الليل الذي لم تجد سواه فرصة لتعقد معه جلسة وتعلن ثورتها وتقبل الورق خلسة هذا الليل الذي قيل إنه ستار عيوب هذا الليل الذي لطالما اقتحم القلوب وخرق فيها الجيوب فلم يدع فيها جرحا إلا وحركه بملاعق الذكرى على نارنا وصبه في وعاء الحروف هذا الليل الذي كشف جميع عيوبنا بالظروف
نخشى ألا صبح خلف هذا الظلام وكم نخشى أن يخترق الليل غلاف دفاترنا كنيزك ويسقط على سطح سطورنا بعد أن كان في حضورهم كالشهب يحترق في الجو ولا يدوس ركنا منها نخشى ألا ترسم الأيام خط الغلس في صفحاتنا فلا يتعاقب على وجهها سوى الظلام ذاك الظلام الذي لا يعرف الرياء لسنا ندري ألأنه آمن أن طقمه الأسود بحد ذاته جيب للكبرياء يقبل صريحا علينا لينهينا ماتبقى منا قلوبنا وما فيها من عواطف محكمات لا يعلم تأويلها إلا نحن الراسخون في الألم ما تبقى منا عيون نقلبها في أشياء تشبه الحياة ننقب فيها عن الغائبين نجوبها كرتين وأكثر ببصر أسير فإذا به ينقلب إلينا خاسئا وهو حسير ما تبقى منا نافذة ورقية نستعين بسلالم هي أنت لنطل عليهم عبرها نعم الذين نحبهم بشدة يختارهم الغياب بدقة وأحيانا الشجار أما عن الشجار فصنع منا المعلم والمتعلم الذي لم يفرقه الاختلاف وأما عن الغياب فما أجمل ما قيل ذات يوم عندما تعلق قلب إبراهيم بإسماعيل أمره الله بذبحه وعندما تعلق قلب يعقوب بيوسف أخذه منه يبتلي الله الذين يحبهم بما يحبون ليجعلهم مخلصين لله” نعم وقد يبتليهم ليريهم ضعفهم وقد يبتليهم ليطلعهم على نعم لم يستشعروها فيؤدبهم وقد يبتليهم ليختبر صبرهم وقد يبتليهم ليمتحن تقواهم فمن تنازل لله عوضه الله
فاللهم إرحمه وارحم امواتنا واموات المسلمين اجمعين اللهم أغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات اللهم آمين يارب العالمين
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا

التعليقات مغلقة.