الموت زائر لا يستأذن أحد منا فلكل أحد منا موعد محدد مع الموت لا يعلمه لا هو ولا غيره آنفا عندما أقرأ منشورا علي الفيسبوك لإعلان وفاة أحدهم لا يبعد عني كثيرا في السن أشعر بدقة ذعر بقلبي وكأنني أستشعر في كل لحظة بهول شبح الموت حقا كل نفس ذائقة الموت لكن يجب علينا أن لا نستهين لإشارات أجسادنا حتى ولو قمنا بالإستهانة بها
كثر الموت بين الناس وهذه سنة الحياة ومن مات له عزيز يصدم ويتألم كثيرا وهناك من ينهار نفسيا وجسديا ولذا على الإنسان أن يهيء نفسه لمثل هذه الحالات ويكون مستعدا لاستيعابها فالموت وصفه الله عز وجل بالمصيبة فهو قاهر العباد وهادم اللذات ومفرق الجماعات والاحباب والاعزاء
قال النبي محمد عليه الصلاة والسلام “أتاني جبريل فقال يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به”
ففكرة الموت مخيفة خاصة حين يمر الشخص بتجربته أكثر من مرة لموت الاعزاء وحين تدرك أن الإنسان برحيله من هذه الدنيا خسر كل شيء وأصبح في خبر كان وبلا أي شيء إلا من عمله تقف أمام الميت مفكرا كيف كان يهز الأرض وكيف أصبح جثة هامدة البارحة كان يضحك ويغني ويخطط للمستقبل وفجأة مات وانقطع كل شيء وهذا الشخص غادر الى العالم المجهول وتستعرض حياتك كلها معه في لحظة وكأنه لم يكن
تستعرض ذكرياتك معه الحلوة والمرة فجأة هذا الانسان الذي كان معك قبل لحظات او ساعات او ايام الان قد انتهى وانتقل الى عالم آخر. يا لها من صدمة مؤلمة وتشعر ان الحياة قد توقفت ويصعب عليك استيعاب هذا الحدث الجلل
وبعد موت الأعزاء تختلي بنفسك وتبدأ تفكر بالموت وأهواله وفي قرارة نفسك تعرف انك سوف تمر انت في هذه التجربة المخيفة عاجلا او آجلا وتموت لانه لن ينجو احد من الموت تتذكر من رحلوا من الاهل والاقارب والاصدقاء وفجأة تزهد الحياة وتجدها فارغة لا قيمة لها خساراتنا في هذه الحياة كبيرة جدا فتشعر ان الألم والحزن جزء من هذه الحياة لم نكن نفكر بذلك التفكير الجدي والمهم حين كنا صغارا لاننا لم ندرك حقيقة هذه الحياة أن كل نفس ذائقة الموت وكل شيء زائل الا وجه الله تعالى رحم الله امواتنا جميعا وأدخلهم فسيح جنانه
زائر يخطف الأحباب من الأحضان ويتفنن في جرح القلوب وكسر الخواطر زائر أبدع في تجفيف المدامع وسرقة الابتسامة من الشفاه عصف بنا وتركنا حطاماً تتقاذفنا الأيام كما الريشة في مهب الرياح ضيف لم نحسن استقباله ولم نخطط لوصوله يداهمنا في مخادعنا على غفلة منا السقيم والسليم عنده سواء والكبار والصغار عنده سيان لا براءة الطفولة ولا عنفوان الشباب تشفع لنا عند ذلك الضيف المباغت وحتى الشيوخ الركع السجود لا يسهو عنهم زائرنا ولا تسقط أسماؤهم سهوا من سجله أحزاننا وحرقة قلوبنا لا تحرك به ساكنا ولا تثنيه عن مباغتتنا زائر خلف وراءه أمهات ثكلى وآباء مفجوعين يتجرعون لوعة الفراق وأطفالا يتامى تائهين في دروب الحياة وزوجات قصم ظهورهن وأوهن عظامهن المصاب الجلل وعظم المسؤوليات ولم تبق لنا إلا الذكريات الحزينة كالجمر تكوي فؤادنا وتسكب عبراتنا زائر يطرق كل الأبواب ويجوب كل الطرقات في لمح البصر يسكت الشفاه ويقطع الأنفاس وتلتف الساق بالساق زائر نتناساه لكن هو لا ينساك إنه الموت وهو حق على كل العباد (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) فهل أعددنا العدة وشحذنا الهمة واستبرأنا الذمة وأخلصنا النية للقاء الموعود؟
لا تضحك ولا يطول بك الأمل فاليوم عبدالله هو المحمول وغدا أنت المحمول حري بنا أن نعد العدة لسفر لا رجوع فيه والنهاية إما إلى جنة وإما إلى نار حاسب نفسك يا عبدالله قبل فوات الأوان واجعل جمع الحسنات هوايتك كما أن هواية بعض الناس جمع العملات والمقتنيات القديمة واجعل الإحسان شعار حياتك وديدنك فاعبد الله كأنك ترأه فإن لم تكن ترأه فإنه يراك وتعامل مع الخلق بكمال إنساني منقطع النظير لله وبالله
ولو تحدثنا عن مجالس العزاء في زمننا هذا فحدث ولا حرج الناس قست قلوبهم ولم يعد للموت رهبة وعظة بل أصبحت مجالس العزاء مجرد برستيج ودعوة للتفاخر لدرجة أن المعزين في واد وأهل الميت في واد آخر من الحزن والصمت ولوعة الفقد ترى المعزين في المقبرة وبعد دفن الميت مباشرة يتحدثون عن العقار والأسهم والمضاربات كأنهم في قاعة البورصة وكأن الميت لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد
وللأسف مجالس عزاء النساء أدهى وأمر حيث ظهرت فيها ظواهر سلبية دخيلة حيث تجد النسوة والبنات يتفاخرن بملابسهم وحياتهم واباحة أسرار الناس دون خجل ولا حياء وترى البنات يصبغن وجوههن بمكياج العزاء كما يسميه أصحاب الصالونات النسائية والمشاهد والملحوظ عرض الأزياء للعبايات والأحذية الماركة أعزكم الله وأكرمكم
ومن البرستيج الملموس على أرض الواقع أن المعزية تضع رجلا على رجل لتظهر جمال عباءتها وماركة حذائها أعزكم الله وأكرمكم وفي مجالس العزاء تكثر مشاريع الخطبة والزواج لأن البنات يكن على حقيقتهن لا تكلف في اللباس ولا المكياج اللهم مكياج العزاء
ومما يزيد الطين بلة التكلف في بوفيهات الغداء والعشاء حتى يصاب أهل الميت والمعزين بالتخمة وفي أيام العزاء وعلى موائد الطعام تعلوالضحكات والتشره العتاب والجدال العقيم بين الحضور دون احترام لحرمة الميت ولا مراعاة لمشاعر أهله ناهيك عن انقطاع أهل العزاء عن أعمالهم ومصالحهم إلى جانب ترك أقارب الميت لمنازلهم لساعات طويلة منذ الصباح حتى المساء مشاركة منهم لأهل الميت
ما سبق ذكره لم يكن من ضرب الخيال إنما واقع مؤلم نعيشه يحتاج منا إلى وقفة جادة وتوعية واسعة فالذي رحل إنسان وليس بقط أو شاة جمعتنا معه جلسات ومواقف ومشاعر وصلات فلذلك هو يحتاج منا إلى الدعاء والاستغفار والذكر الطيب وأهله يحتاجون منا إلى مواساة صادقة وحميمية متدفقة خالية من البهرجة والمجاملات
فهل من متعظ؟
لا تنتظروا الموت لتعبروا عن مشاعركم لمن تحبّون عبروا عن حبكم واطلبوا رؤية من تشتاقون إليه اعتذروا لمن تعتقدون أنكم خدشتم شيئا في روحه يوما ما لا تؤجلوا اتصالًا هاتفيا ولا تتراجعوا عن كتابة رسالة نصيّة تبوح بالكثير من المشاعر التي تتراقص داخل قلوبكم فقد يباغتكم الموت فجأة ويخطف منكم من تحبون هذه الدنيا أقصر مما نعتقد أقصر بطريقة مخيفة رفقا بقلوب أحبابكم فالموت لن يستأذن قبل زيارتكم ولن ينفع ندمكم وقتها
رحم الله أرواح أحبابنا التي تعانق التراب وجعل قبورهم روضة من رياض الجنة
اللهم آمين يارب العالمين وصلى الله وسلم علي رسول المراسلين
التعليقات مغلقة.