مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب: غياب الأخلاق

31

 

قد يهمك ايضاً:

الدارك ويب

بقدرما أنا أعرفه عن نضج الإنسان المصري وزيادة وعيه وتشبثه بدينه وبالخصوص الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء برسول عظيم حمل معه رسالة إتمام مكارم الأخلاق التي تعد المرتكز المتين لمعاملات المرء السوية مع الآخرين فبها تصير حمولته السلوكية متوافقة مع ما يتبناه من أفكار ومبادئ وتعظم الحاجة إليها كلما تقدم الزمن وكثرت فتنه وانحرف التصرف الإنساني عن جادة الصواب فالأخلاق بمثابة الضابط الداخلي الذي لا يكفي لوحده والناس ليسوا كلهم أسوياء وواعون بما يفعلونه لذا تعين أيضا استحضار القوانين سواء التي أتى بها الشرع أو التي وضعها البشر باعتبارها ضابطا خارجيا ملازما لتصرفات الفرد والمجتمع ومما لا يدعوا للشك أن الأخلاق تنحط بتجاوز القانون الإلهي أو البشري وعدم إعطائه أي اعتبار لردعه وزجره لكل مخالف لما نص عليه فلا يمكن لأحد أن ينكر دور الأخلاق في تكوين شخصية الإنسان السوية والرقي بالمجتمع إنسانيا وإيمانا بأهمية هذا الدور سوف نتحدث عن الأخلاق في إطارها الزماني الحالي وهذا ما يحتم علينا طرح مجموعة من الأسئلة التي تحتاج لنظرة فاحصة ممزوجة بالنقد لكي تتم الإجابة عليها بشكل مدقق وفق نسق حيادي متجرد من الأهواء والميول الذاتية والأغراض الشخصية ما هي طبيعة الأخلاق السائدة في مجتمع اليوم وما حقيقتها؟
وهل هي ثابتة أم أنها تظل نسبية تتغير بتبدل بعض المتغيرات الحياتية
فنحن نعيش زمناً تسود فيه التناقضات والمخالفات والمنكرات وغرائب التصرفات والأخلاق ونعيش زمناً ضاعت فيه المبادئ وتاهت وغرقت في خضم وعمق النفاق وأشكال المجاملات وألوان الكذب ونعيش زمناً فقدنا فيه معنى الصدق وجماله وثقل الأمانة وحكمة العقل واتزانه نعيش زمناً لا أثر للإنسان بغيابه يبقى ولا مكان لمفردة وحروف الوفاء في الأعماق يبقى نعيش زمناً غدت الابتسامة عصية وغريبة على الملامح أن تبديها وترسمها وعلى الأرواح أن تحملها وتكتسيها نعيش زمناً الصادق غدا فيه كذوباً والكاذب غدا فيه صدوقاً
نعيش زمناً اعتادت النفوس على أشكال المنكر والفساد لتقبله وترضى به وجوداً دون إنكار ورفض لتظن بعض العقول أنه واقع وحقيقة وأصل التعامل والوجود
نعيش زمناً ضاعت فيه جمال الملامح الحقيقية وبراءتها خلف أقنعة تبرج وعمليات تجميل لينسى الإنسان حقيقة ملامحه نعيش زمناً أن يكون الإنسان مؤدباً وخلوقاً مرفوضاً وشاذاً في جموع عديمي الأخلاق والمبادئ نعيش زمناً عدمت فيه معاني الرضا والقناعة ونور الصبر وجماله خلف أطماع ولهث خلف أشكال ملذات نعيش زمناً غابت فيه الشخصية الواثقة وغدت فيه الشخصيات التابعة والمهزوزة والضعيفة المتحركة والمتواجدةعلى رأس المجالس والمناصب
نعيش زمناً ضعفت فيه الرؤية وفقدت فيه البصيرة وضاع فيه الفهم وغابت الحكمة عن رؤوس الرجال نعيش زمناً غابت فيه معاني الرجولة الحقة رجولة الموقف ورجولة الكلمة ورجولة الثقة ورجولة الأمان نعيش زمناً غابت فيه الأنوثة والحياء خلف نماذج فارغة ونماذج تافهة وملابس كاشفةلتكون قدوة لأمهات المستقبل ومربيات الأجيال نعيش زمناً غاب فيه السؤال لأجل الشوق والسؤال و غاب فيه افتقاد الإنسان ومكانه وحضوره وتفقد أحواله وظروفه نعيش زمناً غريباً وحركة الأيام والشهور السريعة تتحرك فيه بعجلة رهيبة وسريعة نفتقد فيها معنى الذكرى واللحظة نعيش زمناً نشتاق لصور التقطت بحب ولذكريات فرح لمواقف تبقى بالذاكرةوتسكن القلب لصدق جمالها نعيش زمناً براءة الطفولة غابت خلف هرولة أجيال تتسابق مع غيرها من أجيال وبراءة روح أطفال تاهت مع أنانية أمهات وآباء نعيش زمن المظاهر الزائفة والبهرجة الزائدة والمبادئ الضائعة نعيش زمناً غدافيه الإنسان غريباً ووحيداً ومتألماً كونه إنسانا بروح إنسان ضمن بشر لايرون جيدا ولايدركون فهماولايشعرون إحساساً ولا ينطقون صدقا ولا يتذكرون وفاء ولا يقفون احتراماً ولا يبتسمون حباً ولا يعرفون معنى الشوق والانتظار والسؤال ولا يدركون جمال اللحظة وصدق المشاعر ومعنى أن تكون إنسانا والناظر في أحوال الناس اليوم لا يرى أي تعاظم للمنظومة الأخلاقية في نفوس الآخرين أمام المغريات المادية والمصالح الشخصية والمنافع الذاتية فالتبجح بخلق الأمانة على سبيل المثال ليس أبدا دليلا كافيا على حسن الائتمان في ظل غياب بوادر الصمود أمام شدة الحاجة لما تم الائتمان عليه لهذا نعاين في هذاالزمن تراجع الناس معنويا وروحيا في كل شيء له ارتباط بالضمير والحس الإنساني ربما يكون هذا الحكم قاسيا نوعا ما وقد يبدوا لكم أنه يحمل شيئا من السلبية والسوداوية لكننا في الحقيقة لا نستطيع أن نكون أكثر من هذا وإلا وقعنا في المحظور أخلاقيا ونحن نتحدث عن هذا الجانب الجوهري الحساس في الإنسان ولا يحتاج كلامنا لدليل أكبر من الواقع المعاش حاليا لذا قررنا ألا نقيسه إلا بمقياس الأخلاق بالرغم من أننا في زمن المظاهر ولو أن منطق الحياة المعاصرة يفرض علينا أن نحسب حساباتنابمقاييس أخرى بعيدةعن الأخلاق إلاأنه لا يمكننا أن ننفصل بشكل نهائي عنها ولن نستطيع وإن أردنا ذلك بالقوة فمهما ابتعدنا عنها في واقعنا إلا وأدركنا جيدا في عمق أنفسنا أن العودة إليها حاصلة ولو بعد حين فلا يمكن بالمطلق تجاهلها وعدم وضعها في الحسبان حتى وإن اختارت غالبية البشرية الابتعاد عنها طواعية أو أجبرت على ذلك بالإكراه وعلى كل واحد مناأن يعود إلى نفسه وأن يسألها عن حقيقة الأخلاق التي تحملها ومدى صدقها وثباتها بعدم اقترانها بالمظاهر والجوانب المادية والمصلحية وغيرها من المتغيرات الزائلةوأن يكون جريئا معها في تحديد طبيعة أخلاقه ليصبح قادرا على أن يبين لها تبعات اختياراته الأخلاقية عليه وعلى من حوله ابتداء من محيطيه الشخصي الضيق وانتهاء بمحيطه المجتمعي الأوسع وقد نتفاجأ من كون الكثيرين منا لا يعرفون حقيقة أنفسهم وربما يرجع ذلك بالأساس لعدم صدقهم مع ذواتهم وغياب مصداقيتهم معها فالتمكن من هذه النقطة الحساسة بالذات هو المفتاح لكي يدرك الشخص حقيقة منظومته الأخلاقية ويتعرف على أعطابها ويحدد مكامن خللها لإصلاح عيوبها لتصبح متوافقة مع سلوكياته وتصرفاته الخفية والظاهرةوينبغي أن يتذكر الإنسان دائما على أن الخسائر المادية قابلة للتعويض مهما كان حجمها في حين أن الخسائر الأخلاقية لا يمكن تعويضا أبدا وإن كان أثرها على الأمد القريب ضعيفا

التعليقات مغلقة.