مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب : عالم بلا حب

46

 

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب موت رئيس …إستمرار نظام !

البحرين والقمة العربية في ظل التحديات الإقليمية

فى الماضى كان الحب صادق وليس تضيعا الوقت كانت العاطفة جميلة فى الماضى عاطفة فطرية وليست مصطنعة وكان الحب يقوم على الثقة والإخلاص ولا يرتبط بالماديات وكان بيت الزوجية يبدأ من لاشئ ويظل على مدى سنوات لا يمتلأ بأجهزة مادية وانما بعواطف وحب وثقة ولهفة وأطفال ولذلك استمر أباؤنا وأمهاتنا فى حب متفاهم الى اخر العمر
لا اريد النيل من زمنا الحالى فهو أيضا عصر الحب ولكنه ليس حبا مثلما كان فى ماضينا ولكن أصبح الحب كلمة رخيصة وتقال فى أى وقت ولمرات عديدة فى اليوم الواحد بل فى الساعة الواحدة أصبحت بلا معنى أو مشاعر تقال عبر وسائل السوشيال ميديا فالكلمة يقولها الشاب أو الفتاة صباحا وظهرا ومساء وينقلب الوضع فى اليوم التالى ليكون بداية نكد وعصبية لينتهي اللقاء حتى بدون كلمة وداع ربما يكون السبب وسائل التواصل الاجتماعي فهى قربت المسافات بين المحبين فالحب فى زمننا كانت له مشقة وعناء فى المسافة ومسكن الحبيب ولكن كنا لا نشعر بأى تعب ولكن حب هذا العصر طغت عليه المصالح والماديات والحياة الالكترونية والرتم السريع للحياة الذى جعل الحب يأتى سريع وينتهى اسرع لقد عهدنا فى زماننا الجميل كيف ينفجر الحب وينابيعه لتظل تلك الينابيع تسقى الحب بأعذب الكلمات والعواطف الصادقة فكانت مياة الحب لا تنقطع ابدا فى الزمن الجميل كان العشاق يتغلبون على أوجاعهم الحياتية ولم نكن نسمع كلمات مثل الحب الذى بينا انتهى لأن الحب لا ينتهى ويظل رافدا العواطف بين المحبين رغم كل مشكلات الحياة اليومية ولكن فى عصرنا هذا أصبح زمن الحب يمر بكل ألوان الطيف فى الساعة الواحدة وربما فى الدقيقة الواحدة تتغير مشاعره من حب إلى غضب إلى غيرة إلى كره إلى هجران إلى نسيان فى الزمن الجميل كانت العيون هى لغة الحب ام الان أصبحت المادة والمصالح والنفاق هى لغة الحب وما نشهده اليوم في عالمنا من تجويف للقيم الخلقية في عالم مادي لا روحاني في عالم تتصاعد فيه الدوافع والمصالح الإقتصادية والنرجسية و تغزو فيه القيم المادية الإستهلاكية والتنافس لجلب أقصى ما يمكن من الشهوات لإشباع الملذات والنزوات ولا سيما العالم الخارجي الذي فتح لهم باب الاستهلاك من نافذة وسائل الإعلام على تزيين ما طاب ولذ لما تبثه في الأفلام والمسلسلات من دناسة بل لم تحترم قداسة البراءة للطفل لما تنشره من قيم عبر مختلف القنوات التي تشجع على الصراع والفوضى والعنف والهمجية لا على المحبة والتسامح والتراحم وكان المآل طبعا عالم لا يعرف إلا الحروب و القتل والتدمير والفساد والإرهاب ويجهل الحياة والفرح والحب والشرف والضمير
نحن بحاجة إلى حب يسري في عالمنا ولا يمكن اختزال الحب للعلاقة بين الرجل والمرأة أو ما نقرأه سوى في الروايات بل الحب كقيمة روحية تروم للإصلاح الجذري والداخلي للأذهان والقلوب نحو اتحاد مجتمع عالمي بقلوب متآلفة متحابة لأن الحب جبلة في الخلق وفطرة في النفوس فكل قلب يخفق بحب ولكن شتان بين حب وحب فإن فتنة الحب اليوم ليشغل قلوب الإناث للإناث والذكور بالذكور تلك هي الطامة الكبرى إلى أين نحن نسير؟ وما هي نهايتنا ؟ أصبحت قيمنا هشة متبعثرة فاقدة لمنهج وسطي

قال رسول الله ﷺ: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى
فالحب أيقونة الطريق إلى الله مروراً بالقلب وبالناس منارة للتائهين عن السبيل إلى سعادة البشر وفرح الوجوه انطلاقة للأغاني من أفواه الصغار انعطافة امرأة لحظة دفء إنساني بكاء رجل في لحظة صدق وتغريد طير وجد على الأرض بقايا لبشر أخذوا حاجتهم قبل قليل وتركوا له ما يكفي لمعاودة الطيران وعزف أنشودة حب في سماء تظلل البشر
إلى أين يسير هذا العالم المجنون فى هذا الزمن الاغبر زمن القهر والتحديات كثيرا ما أسال نفسى ما نهاية هذه الحياة المستعمرة بالخوف والقلق والأوجاع
ما نهاية هذا العالم المنخور بالهموم والمعاناة ؟
ما مصير الإنسان فى زمن سقطت فيه كلمة إنسان من قواميس الرحمة والإحساس ؟؟
أشياء كثيرة تعذبنى كإنسان أراها واحسها اعيشها ولا أملك حيالها إلا عقلا مشتعلا بالافكار وبعض كلمات مغسولة بالدموع أمراض وحروب وعداوات وأزمات اقتصاديه وصراعات العالم يقذف بعضه بقنابل الحقد والبغضاء ليزرع فى صفوفه التمزق والتفكك الأنانية هى شريعة الأرض ولسان الحقيقة شئ مزر تماما ان يتصارع الإخوة بالالسن والأيدى ويملأوا قلوبهم بالحقد
أرى دمعة الطفل الوحيد الذى يشعر بصدق وشفافية وهو يبحث عن كسرة خبز يابسة يسد بها رمقه الملتهب بين أشلاء الرعب المنثور فى قلوب المسلمين المعذبين فلا يجد غير سعير الحرمان يعلن عليه التحدى واحساسا متجددا بالذل والإنكسار والضعف وفى نفس الوقت أرى دمعة أخرى لطفل يتألم من التخمة طفلان دمعتان تعبيران مشتركان واحساسان متفاوتان معادلة غير متكافئة أليس كذلك
مشكلتنا اننا مصابون بقصر شديد فى النظر الإحساس بالغير بضاعة عتيقة لا تدخل فى حساب الحياة المترفة المنقلبة على ذاتها التى نعيشها فى بروجنا العاجية مأساتنا أننا تطورنا فعلا لكن من الخارج فقط اما من الداخل فمازال الكثير منا يعيش ويفكر ويتصرف بعقلية إنسان ما قبل التاريخ إنسان الغابة إنسان القوة المستبدة إنسان الأنانية إنسان اللا إنسانية
المادة أصبحت كل شئ فى حياتنا الإنسانية كلمة شفافة لا تحمل الذهب ولا إغراء الملايين لذلك الكثير منا نسوها أو تناسوها الأخلاق الفضيلة المبادئ للأسف أصبحت مجرد كلمات رومانسية سحقتها مدينة العصر تحت عجلة الصخب والضجيج والجنون عالم ملئ بالاوساخ عالم بلا رحمة بلا حب بلا قلب ومازال السؤال عالقا فى جوفى فى طرف قلمى وفى صمام قلبى وفى إرتعاشة صوتى إلى متى وإلى أين يسير هذا العالم المجنون ؟
أي عالم هذا المليء بالموت في كل مكان صراع بين الأعداء على الأرض أو صراع بين المختلفين على الحكم أو صراع بين التجار على المال ووحدهم الفقراء والطيبون والسذج والبسطاء من يشكلون مادة الجوع والموت لدى أولئك الذين يعتقدون أن الله قد أورثهم كل شيء بما في ذلك حق إنهاء حياة البشر أيا كانوا ماداموا لا يخدمون مآربهم الدنيئة عالم من النار عالم من الحقد والجميع يدعي أن سلاحه نظيف أن أهدافه نظيفة وأنه يسعى للخير كل الخير لجميع الناس يتحدثون عن السلام وأيديهم تضغط على الزناد لتنشر الموت والرعب ولتزرع البؤس والشقاء في كل ناحية وحدهم الذين يعرفون عظمة الحب لجميع البشر وحدهم المجردون من نجاستهم ومن خبثهم ومن أنانيتهم وحدهم الذين يعتقدون أن الأرض والقمح والخبز ملك لكل فم حي فوق الأرض ومن حقه وحدهم هؤلاء قادرون على صياغة غد أفضل لهذه البشرية المنكوبة
تعلمت أن الثورة تبدأ حبا وتعيش حبا وتثمر حبا ولا أدري كيف تمكن بعضهم من جعلها تثمر كراهية وحقدا وموتا لأبنائها إنها مهزلة عصر الانحطاط وصعود زمن القتلة والجلادين الذين يساوون دم البشر نقداً في خزائنهم وكأنهم مفوضون بأكل الناس وقوتهم من دون ذلك ومن دون أن يسود الحب وحاملوه لن تكون على الأرض سعادة ولن تقرع أجراس السماوات فرحاً ببني آدم ما داموا يمتهنون مصادرة الفرح من عيون الآخرين

التعليقات مغلقة.