مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب : رحلة الحج الي من تحب

43

 

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

قال تعالي في محكم التنزيل (( وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتينَ من كلِّ فجٍّ عميق ))
لقد هاجت مني الكلمات و أنا أكتب عن رحلة الحج والتي يخفق لها قلب إي إنسان مسلم والتي لا يهنأ قلبه إلا وهو مؤدي للركن الخامس من أركان الإسلام حتى و إن لم يدرك أبعادها النفسية والأخلاقية ولم يعرف مضامين شعائرها إلا أَن تكليفا شرعيا رحلة من أجل صفاء قلب الإنسان ومن أجل أن يعيش الإنسان معنى الإسلام في شعائر جمعت في رموزها خلاصة الأديان الحج قصد نحو بيت الله الحرام طواف حول البيت سعي بأشواط اعترافُ أمام الله بالذنب ورجاء في المغفرة والتقاء بأجناس كثيرة جاءت كلها تردد نفس الصيغة “لبَّيك اللهم لبَّيك“ حاملة في أشواقها تلك النظرة إلى الكعبة الشريفة التي تصاحبها دمعة ودعاء واستجماع لكل قوة في الإنسان كي يدعو ويبتهل ويناجي لأنه يعلم أنه أمام مكان قالوا له عنه أو قرأ عنه أن الدعاء مستجاب من أول نظرة إليه فكيف بأن يكون من المصلين في صحنه أو من الطائفين حوله ولسان حاله يلهج ليطرح حاجاتة كلها هنا ليبكي هنا ويريد أن يرجع إلى بلده بنفس القلب الذي جاء به فالحج رحلة إيمانية عظيمة ومشوقة فالحج ركن من أركان الدين وهو ركن اجتماعي وروحي فهو تهذيب للنفس وتطهير للقلب وغسل لأدران الشر وهو تلاقٍ اجتماعي وتعارف إسلامي واجتماع للنفوس المؤمنة على مودة ورحمة وروحانية في ظل البيت العتيق المقدس والمسجد النبوي الشريف وفي الأماكن المطهرة إن البلاد التي شرفها الله تعالى بأن جعلها مثابة للناس وأمنا فيها يكون التجلي الروحي والإشراق النفسي والتيقظ الوجداني وبهذه النورانية المشرقة وذلك الإشعاع تلتقي الأشباح والأرواح والأبدان والنفوس
الحج رحلة إيمانية لأن الروحانية تبتدي فتسيطر على مشاعر وأحاسيس مريد الحج عندما يبتدي بالإحرام إذ ينوي الحج في ميقاته وميقات الحج هو المكان الذي يحرم منه ويلبس ثياب الإحرام فيه وكل بلد له ميقات أي مكان معلوم وكأن هذه الأماكن التي تحيط بالحرم المقدس إحاطة هالة الشمس بها هي حدود بين متاع الدنيا وأعراضها وحياة الروح ونعيمها فهي حدود للمكان الذي جعله الله تعالى لضيافته الروحية يستضيف فيه عباده المؤمنين الذين جاءوا إليه من مشارق الأرض ومغاربها نازعين من قلوبهم وأجسامهم كل مظاهر المادية ليتجردوا بأرواحهم وينالوا شرف الضيافة على تلك المائدة الربانية وذلك الغذاء الروحي
لقد أُثرت عن النبي صلى الله عليه وسلم عبارات في نيته الإحرام يعلمنا بها كيف نتخلص من أهواء الدنيا والطبائع الأرضية في نفوسنا لنتعلق بأسباب السماء فقد أُثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في إحرامه “اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة” وقد كرر ذلك لنتعلم منه عليه السلام كيف نخلص أنفسنا من الرياء والسمعة والرياء آفة العبادة وهو الذي يبعدها عن الدرجات العالية في الروحانية وهو في ذاته الشرك الخفي
ولذا ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك”
بهذا الإحرام يدخل المؤمن في محيط الرُّةوح وفي متسع الضيافة ولذلك وجب عليه أن يعلن أنه قد دخل في هذا الوادي المقدس وادي الروح وادي الضيافة الإلهية ولذلك يقول “لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لاشريك لك” بهذا النداء الذي هو إعلان الحج أو مظهر الروحانية فيه يكون الشخص قد دخل في مقام الضيافة وانتقل من دركات الأرض إلى المنازل الروحية وكأنه بحجه قد أجاب داعي الله تعالى إذ دعاه إلى تلك المائدة المقدسة وإنه ليكرر تلك التلبية في كل مرتفع وكل منخفض ليكون في تذاكر دائم ولكيلا ينسى أنه في الحضرة الإلهية وفي الضيافة الرحمانية الحج رحلة إيمانية لأن المسلم إذ يحل في تلك الضيافة الروحية يجب أن يترك مظاهر الزينة وما اختصت به الحياة الأرضية
فلا يتطيب ولا يتزين ولا يقص شعره ولا يحلقه وذلك لأنه في حال تجرد روحي
فلا يصح أن يشغل عنه بمظاهر ماديةولأن حياة الروح توجب المساواة إذ الجميع سواء أمام عظمة الخالق ولا فضل لعربي على أعجمي ولا لقوي على ضعيف ولا لغني على فقير إن الزينة فيها مظهر من المظاهر التي تنافي المساواة إذ ليس كل الناس يستطيع أن يتخذ أسباب الزينة فكانت المساواة في المنع أجدى وأنسب وإن الخيلاء تنشأ مع الزينة والتحلي بفاخر الثياب فتذهب بروعة المعنى الروحي في الحج كما تذهب بالمساواة المطلقة التي يجب أن تتجلى أمام الله وفي ضيافته لأن الناس جميعاً سواء أمام الله فلا أثرة لأحد على آخر في حضرته الكريمة وفي تجليه في الأرض المقدسة التي بارك فيها وفيما حولها وبعد أن يقطع الحاج الفيافي والقفار وقد تجرد من الشهوات واللذات ومطالب الجسد ولم يبق له منها إلا الضروري الذي يقيم الأَود يتجه أول ما يتجه إلى البيت الحرام والمشعر الحرام والركن والمقام فتقوم في نفسه الذكريات النبوية يتذكر في هذا المقام محمداً صلى الله عليه وسلم وقد ابتدأ دعوته وجهر بها في أعلى الصفا ويتذكر محمداً وقد كان يجوس خلال تلك الديار داعياً إلى دين التوحيد وتحطيم الأوثان وأهل الشرك يؤذونه وهو يجادلهم بالصبر والحلم والرفق ويجادلهم بالتي هي أحسن ويتذكر عندما يقف عند مقام إبراهيم باني البيت وواضع قواعده وحدة الديانات السماوية التي لا تحريف فيها وأنها شرع واحد لأن منزلها واحد وهو الله الواحد الأحد الذي ليس بوالد ولا ولد عندئذ تتجلى له عظمة ذلك البيت ويتذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام إذ قال “اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة ورفعة وبرا وزد يا رب مَن شرفه وكرمه وعظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريا وتعظيما ومهابة ورفعة وبرا” وفي ذلك المنزل المبارك لا يكون بين العبد وربه حجاب إذ يتخلص من أدران الهوى والفساد ويصير خالصاً مخلصاً ولذلك بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة الدعاء في ذلك المقام الروحاني إذ قال عليه الصلاة والسلام “تفتح أبواب السماء وتستجاب دعوة المسلمِ عند رؤية الكعبة إن المؤمن إذا أتم الطواف بالبيت المعظم وسعى بين الصفا والمروة وأقام في منازل الوحي ما شاء الله تعالى له أن يقيم اتجه من بعد ذلك إلى المشهد الأعظم والمجتمع الأكبرحيث عرفة الذي أعلن من فوقه محمد بن عبد الله ختام رسالته إلى أهل الأرض في حجة الوداع وهنالك في ذلك المجتمع الروحاني المقدس تتلاقى أرواح المسلمين من كل بقاع الأرض وتتناجى ويحسون بنداء الرحمن الذين هم في ضيافته
“إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدونِ”
وكأنهم في ذلك المشهد العظيم قد علوا من الأرض إلى الملكوت الأعلى متسامين عن منازع الخلاف قد طهرت نفوسهم وألسنتهم وأعمالهم منه فإذا أتموا حجهم بعرفات وما حوله أفاضوا إلى منى حيث تكون آخر معركة بينهم وبين الشيطان وقد تسلحوا بسلاح روحاني وسموا عن الطبائع الأرضية التي ينفذ منها إلى نفوسهم وقد كان رمز الانتصار أن أخذوا يرمونه بالحصى ويقول كل واحد منهم بسم الله الله أكبر رجما للشيطان ورضا للرحمن اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكوراً ثم يتحللون لينزلوا من ذلك المقام الروحي إلى المعترك الأرضي وقد تسلحوا فيه بقوة وغسلوا نفوسهم من الذنوب كما يغسل الثوب من الدنس ويتحقق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم “من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه هذا اليوم الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطبته العظيمة التي وضع فيها قواعد وأسس العدالة الاجتماعية في الأموال والدماء والحقوق الأسرية وعظم فيه الحرمات فكان مما قاله فيها «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت؟
قالوا نعم قال اللهم اشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض
هذا اليوم الذي يشمل الله تعالى بفضله جميع عباده من حج منهم فبذلك التجلي العظيم وبالمغفرة العامة وبالعتق من النيران ومن لم يحج فعليه بمشاركته الحجاج بالتبتل إلى الله تعالى بذكره وشكره وصيامه كما صح عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له فهو دعاء وذكر اليوم فيشمل
من كان واقفاً بعرفة ومن كان في داره فالمسلمون كلهم يلهجون بذكر الله والدعاء له فيشتركون في الفضل مع حجاج بيته الحرام لاسيما وقد حجت قلوبهم ونياتهم حيث لم يستطع مريدو الحج ومستطيعوه مادياً وجسدياً أن يحققوا أمانيهم بسبب هذا الوباء العارم إلا بنياتهم فلن يحرمهم الله أجر الحج وفضله كما صح في الحديث «نية المؤمن خير من عمله» نسأل الله تعالى أن يشملنا بفضله وعفوه وعافيته

التعليقات مغلقة.