مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب: حتي لا تسرقنا الأيام

 

قد يهمك ايضاً:

التنمية المستدامة وتحدي تغير المناخ

نسرق أنفسنا من أنفسنا ويسرقنا الزمن فى أيام وساعات وسنين لنصبح كلنا لصوصا فرادى أو فى عصابات فى هروب وعودة وحنين لنكمل رحلة التعذيب الكل يعلم الحيلة وأصول اللعبة والفارق هو اليقظة ليباغت غيره نفتقر حقائقنا المجردة اغتررنا بسرية السطو وتناسينا محاكمات معلنة حتما سيأتى بها القدر نلهث ويعلو ضجيج التزاحم على الغنائم ويخفت وقت التقسيم راكضين وراء أطماع استعمرت نفوسنا فابتلعتنا الأيام وسرقت أعمارنا ليصبح الكل خاسرا فيما كان يكفيه سوى القليل من كل شيء
نتساءل كيف تتعرض حياتنا للسرقة وهل نسرق ونسرق؟ وهل يسرقنا الزمن فى لهثنا وراء أحلامنا وانتظارنا لتحقيقها أم أننا من نسرق أنفسنا ونتعبها فى رحلة الشقاء فتنهدم طاقاتنا وتتهالك عافيتنا أم أننا من نسرق من غيرنا ما يكمل نواقصنا لنحقق أطماعنا وتكتمل الصورة؟ فى الحقيقة أن كل ذلك يحدث ونمر به ويلهينا نهمنا فنغفل الزمن ذلك البعد الذى يمر وتتناقص معه أعمارنا لنسقط فى فخ الحياة تحركنا غريزة البقاء لننخدع نحو الهلاك ونحو النهاية ونختلف فى درجات النهم والطمع فمنا من يسعى وراء أمور مستحيلة وآخر من الغباء من يسعى نحو أمور لا تستحق أن يضيع عمره فى البحث عنها بل هناك من يحترف خسارة قيمة كل الأشياء الكبيرة فيضيع كل ما هو قيم ليجد نفسه فى النهاية محاطا بكل ما ليس له قيمة فيصاب بالحسرة والندم على ما أهدره من عمره لكنه لا يصل لهذه القناعة إلا بعد ما تأتى كلمة النهاية وحينها يشعر بضخامة ما سرق منه
حكمة حركة الحياة أن تفاصيلها تمر سريعا حتى أننا نتذكرها كأنها لحظة على الرغم من أن البعض يشعر فى وقت حدوثها بالرتابة لكنه شعور شخصى نسبى يختلف من أحد لآخر فتمر بنا سريعا لنشعر بأننا أضعنا أسمى المعانى ولم نكن من الفطنة أن نسعد بتلك اللحظات التى أهدرناها ولم يجد الزمان بمثلها أو حتى قابلناها بحزن لا تستحقه أو اندفعنا فى تفاصيل مبتذلة دمرت حياتنا فكثير منا لا يقدر المسافة الصحيحة بينه وبين ما يريد فقد تكون قريبة منه ويهدرها وتذهب عيناه لما بعد عنه فيضيع سنوات عمره للوصول لوهم منشود والبعض منا تتوقف عجلة الزمن داخله فيتمسك بأمور فشل فى تحقيقها فى مراحل عمرية سابقة رغم أن عمره تخطاها وهنا لابد أن ننتبه لصراع الإنسان النفسى الداخلى باعتباره الذى يحركه خارجه فى محيط مجتمعه فإما يكون صراعا صحيا بمعنى أن يتوحد مع نفسه لمواجهة الواقع بقسوته أو ينفصل بداخله عن خارجه وهنا المشكلة التى تواجه العديد منا عند سن معين فيحتفظ بمشاعر وأحاسيس وحتى ذكريات معها يرفض الواقع المتغير فلا يفيق إلا على صدمة فيختل توازنه ويحيا معاناة مع واقع يرفضه ويلقى باللوم عليه أنه من سرق منه أجمل لحظات حياته وينكر أنه كان يحيا الوهم بكل ما أوتى من زخم ليشبع نفسه الجانحة نحو ماض انتهى لكنه يجد فيه سعادته وأحيانا أخرى تأخذنا دوامة الحياة بصراعها القاسي تقذف بنا يمينا ويسارا تطحنا آلة الزمن التى لا ترحم فى سبيل سعينا وراء لقمة العيش وذل الحاجة فنهمل أمورا كثيرة كنا نرى فيها التفاهة والسذاجة وتمر علينا الأيام محرومين منها لكننا ما نلبث أن نعشقها ونشتاق إليها ونلوم أنفسنا على تقصيرنا فى حقها بحرماننا من الاستمتاع بمتع الحياة وقد لا نتمكن من هذه المتع بعدما مضى وقتها
والغريب أننا جميعا نحيا هذه الحياة ونحن نحمل فى نفوسنا وجعا فالكل مصاب ولا يخلو من انكسار قلب أو جرح مشاعر لكن عليه أن يكمل المسيرة ولو حتى بنفس كسيرة وروح حزينة يحاول أن يرممها أو يحتفظ بها فى سراديب نفسه لكننا نحاول دائما أن نداوى جروحنا على حساب الآخرين لنتمسك بأنفسنا وننجو من هزائم الحياة فنهاجر من هنا لهناك وبالعكس لكن من الغباء أن نتخيل أننا نغافل الحياة لنأخذ غير ما سمحت لنا به هى فقط تمنحك الفرصة كى تقف على قدميك لمعاودة نزالك مرة أخرى لتكمل بأطلال ما تبقى من عمرك رحلة الوجع
فتسابقنا الأيام وتتابعنا ولا تمهلنا أن نخلع ثوب حتى نرتدى غيره دائما تحاصرنا الأحداث فنلاحق بعضنا البعض تنادى علينا دائما لنجيبها طائعين بعدما أنهكت قوانا مستسلمين لهزائمنا راجين أن تقبلنا فى فريقها السعيد المحظوظ الذى تسوق إليه الصدف السعيدة فى مراكب الأقدار المبهجة وتقضى أعمارنا فى جولات ما بين هزيمة ونصر ومعها يزداد تمسكنا وتشبثنا بالأيام التى لا تقبل منك سوى التسليم والولاء واعترافك بالتقصير فى امتلاك الحيلة لتقوم بدورك فى لعبة الحياة ولا تقبل الاعتزال أو الخروج من اللعبة فمازالت تحتفظ بحقها فى كلمة النهاية ولسان حالها اذهب وارتد عباءة تناسبك لتعاود الجهاد والمسير ولا يهم كم تبقى لك من العمر فالآجال لا يعلمها إلا الله فى لعبة كل يختار عباءة ما يحلم به وقد لا تليق به وتكون سببا للفشل لكن مازال الأمر الوحيد المسموح به أن تختار شكل عباءتك لتخوض لعبتك مع الآخرين فما تبقى من عمرك ينتظرك فى رحلة نحاول فيها إثبات وجودنا قد تحاصر ولا تملك الرحيل لتختنق فى خانة التعذيب حيث يعاندك القدر فتذهب لتنام وتحلم بقدر يسوق لك أمانيك أو حتى كابوسا يطاردك فيه الفشل وقد تعتاد العذاب وتحتفظ بها فى صندوق عذاباتك ليكون اللص السارق لسعادتك فكم أهلكنا عقولنا وقلوبنا فى رحلات التيه فتبعثرت نفوسنا وسرنا نحمل أشلاء تزاحم بعضها بعضا داخلنا نحيا كائنات باحثة عن الراحة والطمأنينة قد تدفعنا للسطو على غيرنا فى أحاديث زائفة وحيل للنصب والتحايل نعلم سرقتنا لبعضنا بعضا وسرقتنا لأنفسنا لكننا آمنا أنها الحيلة وسنة الحياة لنحيا جميعا كل منا يضع يده فى جيب الآخر يحلو له ما فى يد غيره ويظلم أخيه بسؤال نعجته بعضنا يبحث عن أشياء صغيرة فى قناعة وآخر لا يرضى إلا بالتهام كل ما حوله حتى ينتفخ ويحيا فى تسلط وتجبر كل منا يمتلك حكاية
فى الهبش والتغفيل تحركنا الطرق المشروعة وغير المشروعة يغرينا الممنوع ليصير مرغوبا فى رحلة الإنسان ونفسه التى ألهمها الله فجورها وتقواها لا ضابط وحاكم لها إلا بالرادع الذى يكبح غرائزها الدفينة
لكننا متى نضجنا واستيقظت عقولنا اكتشفنا كم كان إيماننا بأنفسنا غير حقيقي وكم كنا مشوهين مجرد حقائق ناقصة لا تكتمل إلا بحقائق أخرى حصلنا عليها طواعية أو قسرية وكم ارتكبنا من أخطاء فى حق أنفسنا وحق غيرنا وكم كان ثمنا باهظا تكبدته أعمارنا كم سرنا فى حلقات يائسة فى هروب وعودة وبدايات ونهايات بحثنا فيها عن أوطان وبيوت نسكنها ومع ذلك نحن من هدمناها فى رحلة الخسارة والتعدى على الآخرين وقبلها على أنفسنا فى رحلة البحث عن المطلق طمعنا في الخير كله فبحثنا عن الصدق وكنا أول المخادعين والأمانة ونحن الخائنين والحق والعدل ونحن الظلمة الحب الكبير والحضن الكبير وكنا أول المهاجرين والعطاء وجبلت أنفسنا على الشح والنجاح الأسطورى وكنا أول الفاشلين لنتعلم جميعا أننا ما كنا نحتاج سوى القليل من كل شيء حتى لا تسرقنا الحياة وتسرقنا أنفسنا فقليل من الحب والجنون والعقل والفرح والحزن والتفاهة كان كافيا أخطأنا حينما أردنا أن نكون كل شيء فأصبحنا لا شىء بحثنا عن الحب الخالد والملك الذى لا يبلى ونسينا أن البقاء والدوام لله بحثنا عن حقائق الأشياء ودقائقها ونسينا أن حكمة راحتنا ألا تبدو لنا فتسوؤنا وأن من قبلنا هلكهم كثرة السؤال أضاعنا أعمارنا تائهين فى منعطفات الحياة ننتظر أجوبة نهائية تحتاج معها أسئلة جديدة فلا عمر عشنا ولا بلغنا فى مسعانا مبتغانا

التعليقات مغلقة.