ربما يشكو البعض من عدم شعوره بالسعادة
او ان السعادة لا تقترب منه رغم ثرائه وغناه
او جاهه وهنا تكون المأساة أشد فبعضهم ثري وصاحب سطوة وجاه ومع ذلك نراه يقول دائما انه لا يشعر بالسعادة ولم يكن يوما سعيدا وعيب هؤلاء انهم لم يفكروا في معنى السعادة وان فكروا اعتقدوا انها لا تخرج عن المال أو الجاه الخ
ولم يخطر ببال ممن لا يشعرون بالسعادة في حياتهم او الذين تمر حياتهم بلا معنى ان السعادة الحقيقية بين يديهم لكنهم لم يروها او يدركوها
وللسعادة قوانين اولها ان مصدرها القلب وليس الرصيد او منصب ولهذا كانت السعادة معنى وشعورا خاصا بالإنسان وحده لا يشاركه في ذلك بقية المخلوقات فالسعادة معنى لأنها ترتبط بالنفس والقلب والشعور وليس الاموال المختزنة بالبنوك والسعادة نعمة ميز بها المولى عز وجل الإنسان عما سواه
وهذا دليل على ان الثروة لا تجلب السعادة للإنسان وإنما ربما تكون سعادة الإنسان في ان يقدم خدمة لأسرته ولجاره ولصديقه ولهذا نقول ان المال والمنصب والجمال والحسن والجمال لا ينعم اصحابهم بالسعادة
ولكننا نرى اسعد الناس أنفعهم للناس ولهذا نجد ان هذه المنفعة تتلخص في كلمة واحدة هى العطاء
فالعطاء قمة السعادة فما أروعه العطاء الذي يمنح صاحبه هذا الشعور الراقي فتلك الصفة تجمع معها صفات كثيرة مهمة مثل ان يكون الإنسان مثابرا وطموحا ودؤوبا وصفة العطاء تقرب صاحبها من الله وتجعله تقيا فهو يعطي وهو في امس الحاجة لمن يعطيه وربما يضيء شمعة للآخرين حتى لو حاولوا اطفاءها ولهذا فان العطاء يعلم صاحبه الصبر فهو يعطي بلا عطاء او نظير ولا ينتظر المقابل فالعطاء كما اسلفنا صدق وإخلاص وتقدير واحترام وذكر للجميل والإنسان المعطاء يعطي بكل الحب ويمنح ما يملك من أحاسيس ومشاعر ويعطي وهو في أمس الحاجة لمن يعطيه وحين يفعل الإنسان ذلك فهو إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى لأنه ترجم الإنسانية هنا الى صفة رائعة وهى العطاء وتلك الصفة التى وهبنا الله إنسانية كاملة بان اذا اعطيت ما تملك لمن لا يملك سيجعلك فعلك انسانا سعيدا بعطائك مسرورا به
والسؤال.. كيف نحرص على العطاء؟ فهذا يأتي عبر الصبر لان العطاء يعلمنا الصبر ايضا وعدم انتظار المقابل لان ايثار النفس من معاني العطاء وكم رأينا كثيرين يدعون انهم يعطون بلا حساب ولكنهم للأسف لا يشعرون بالسعادة وهؤلاء يعتقدون أن العطاء يقتصر على العطاء المادي الملموس فقط وهذا لا شك مخطئ لان العطاء المادي وحده مخالف لشريعة الإنسانية فالعطاء المادي قد يفرح قليلا ويسعد قليلا ولكن قد يقصر مدى تأثيره على النفس بعكس ذلك العطاء الذي يحتاجه البشر وهو العطاء الذي لا يشعر به المعطَى فوقعه على نفس المعطي والمتلقي كبير ذلك العطاء الذي يجعلك مدعوما بالحب والوفاء والإيثار والمشاركة الوجدانية لان الترجمة الحقيقية لهذا العطاء في هذه الحالة هو توفير غذاء للروح وبما يؤلف القلوب
والعطاء الحقيقي هو ان يكون الإنسان شمعة تضيء للآخرين كما اسلفنا ولا يهم في هذه الحالة ان نرى من ينعم بنور تلك الشمعة يحاول اطفاءها ولا يجب ان نقف عنده كثيرا فربما يحتاج شمعة مرة اخرى في حالة احلك ظلاما ويتعلم من الدرس الماضي وألا يطفئ الشمعة مرة أخرى وعلينا اضاءة الشمعة مرة أخرى لأنه ربما يكون هناك انسان اخر في امس حاجة لضوئها وليس ان نقول اننا لو اضئنا الشمعة فثمة يريد البعض اطفاءها
فطالما امتدت ايادينا لتضيء الدرب تجلي الكرب عن انسان اخر او مجموعة او عشيرة فلا يجب ان نتوقف عن العطاء
فهناك دوما من يستحقه ومؤكد انه سيناله فالعطاء حب فعلينا ان نعطي بكل حب ولا يهم اذا كان مقابل هذا العطاء الوجداني جحودا وإنكارا ولا يجب ان نتوقف عن العطاء لأنه من الخطأ ان نستسلم للجاحدين وناكري الجميل فمن يعطي لا ينتظر حمدا او شكورا او ثناء فالقاعدة تقول
«من يأخذ ولا يشبع لا يعرف الشكر ومن يعطي دائما لا يتوقف عن العطاء ابدا ومن لا يعطي مطلقا لن يهم ابدا بالعطاء»
وكلما اعطيت بلا مقابل كلما رزقت بلا توقع فاعمل الخير بصوت هادئ فغدا يتحدث عنك عملك بصوت مرتفع وهذا يمنح معنى جديدا للعطاء وهو التضحية وهذا ما يجعلنا سعداء ايضا طائعين لا مكرهين ولا ننتظر من الأخر سِوي صدقا وإخلاصا وتقديرا واحتراما وذكرا للجميل ومع هذا لا يجب ان نظلم انفسنا اذا اخطأ في حقنا من استفاد بعطائنا او منحناه وقتنا وقوتنا وخبراتنا ولا يجب ان نقول في هذه الحالة اننا اعطينا من لا يستحق ما لا يستحق ولا داعي للندم فالعطاء من ضمن قيم المجتمع ومكوناته الرئيسية
ولا يجب ان تغيب عنه كي يسود الشعور بالمحبة والأمان والطمأنينة التي غابت بغياب قيمنا
ومن ضمن اعمال العطاء المجتمعي التكافل الاجتماعي والتبرع بالدم والعدل في التعامل والتحرر من الانانية فالعطاء هو فن من فنون التعامل
ولكن ما أجمله وأطيبه وأنقاه هذا العطاء الذي يكون خالصا لمرضاه الله تعالى فنعم العطاء لله فهو الاساس ومن كان تعامله مع الله لن يخيبه ومن كان يعمل ابتغاء وجه الله فلن يقف عطاءه
في قول الله تعالى (( وَالذَِّينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) وتوضح تلك الآية عاقبة الايثار والعطاء وهو الفلاح وأن تقدم لغيرك ما تجود به نفسك والا تعيش لأجل نفسك فقط
فالعطاء هنا نهر لا يتوقف وبحر لا ينضب
نسأل الله التوفيق جميعا وان يجعل كل اعمالنا خالصة لوجهه الكريم سبحانه العاطي الوهاب فلا تعش لنفسك وعش للآخرين وقدم الخير والنفع لهم
كن شمسا مشرقة بالأمل وأضيء عتمة من هم حولك دون ان تنتظر ثناءهم وكن معطاء مثل بحر لا يجف حتى وان قوبل عطاؤك بالجحود
التعليقات مغلقة.