في عمق الصمت الذي يغمرنا عند هدأة الليل حيث لا شيء سوى هدوء العالم وصخب الأفكار نتساءل إلى متى يظل القلب يركض بلا هوادة؟
هل نحن نركض نحو غايات واضحة أم أننا نحيا في سباق عبثي نخاف فيه من التوقف أكثر مما نبحث فيه عن النهاية؟
فحين ننظر إلى أنفسنا في مرآة الروح نجدنا محاطين بأثقال أحلام لم تتحقق بأطياف طموحات زحفت بعيدًا عنا وأحياناً نبدو كمن يمسك بقبضته ماء ينساب من بين الأصابع فلا يكاد يبقى منه سوى أثر البلل يسكنه شعور بالعدم ترى هل ندرك أن الجري وأحيانا نحو الأهداف الخاطئة قد يكون أشد ألما من التوقف للتأمل؟
ونتساءل لماذا نحمل على أكتافنا كل تلك الأثقال من الهموم والطموحات الزائفة وكأن السعادة تكمن فقط في كل ما لم نبلغه بعد؟ وقد يغمرنا الحنين لأيام كنا فيها خفيفين لا نسأل عن الغد ولا نحمل قلقا من أخطاء الماضي وكان يكفينا أن نرى السماء وأن نشعر بنسيم المساء كي نحيا لحظة نقية كأنها سر من أسرار السكينة ففي زحمة السعي تغيب
عنا حقيقة أن القلب لا يحتاج إلى كثير ليكون هادئًا بل إن السلام ينبع من الرضا العميق بأننا هنا في هذه اللحظة بكل تفاصيلها بأفراحها البسيطة وأحزانها العابرة نعي أن كل ما هو آت سيحمل في طياته ما يناسبنا ويليق بنا وأحيانا لا نستطيع التفرقة بين ماهو غث وثمين يخيل لنا ولوهلة أننا حصلنا على كنوز الدنيا ونفاجأ أننا امتلكنا اللاشيء
أي حياة هذه التي نعيشها؟ أصبحنا كالمياه الراكدة التي لا تحرك ساكناً مياه يملأها العفن ومن المحزن أننا ألفنا هذه الحياة وارتضيناها لأنفسنا مشتتين ضللنا السبيل بل لا نعرف ما هو الطريق الذي نسلكه أهداف محطمة وشعور بالهزيمة ولكن أي هزيمة هذه لا نسمع عن الهزائم إلا في الحروب حتي أننا تجنبنا خوض هذه الحروب فتكون هزيمتنا بشرف
لعل الوصف الأدق لما نعيشه هو الانسحاب
نعم فنحن نفضل الانسحاب والهروب على أن نخوض هذه الحرب مع أنفسنا ومع العالم الذلة أصبحت من شيمنا والاستكانة أصبحت شعارنا
أصبحنا نسعى خلف تفاهات الحياة وتركنا خوض صراعاتها سقطنا في الهوة فلم نستطع الخروج بل لم نحاول حتي الخروح
أصبحنا نتواكل ونظن أننا نتوكل ونسينا الأخذ بالأسباب خلقنا لنواجه عثرات الحياة نسقط فنتعلم من سقطاتنا نعبر فيتولد لدينا طموح أعلي نقسم أن نتجاوزه أعمارنا ضاعت في لا شيء يذكر لا شيء ضاعت ونحن غير مدركين أننا سنحاسب على عمرنا فيما أفيناه
ماذا سنقول لربنا؟ لا شيء يقال فعلامات الخزي على وجوهنا ستقول كل شيء كل شيء هي حياة واحدة نعيشها لا يوجد فرص أخري لتعويض ما فقد أو لا عادة ما سلب
أتدرى ما سلب منا؟ سلبت طموحاتنا فأصبحنا في هذه الدنيا كالأنعام بل أضل سبيلا لا أحد منا يدفعه شيء للعيش في الحياة سوى البحث عن اللقمة ثم النقمة عليها وعلي من فيها لا ذنب للحياة فيما يعترينا لا ذنب لها إطلاقاً
هناك أمل وهناك قمة تحتاج إلى عمل عندما نجد أنفسنا تضيق علينا الأرض بما رحبت وعندما نجد أن أحلامنا تتأخر وتزداد عثراتنا فعلينا إذاً اللجوء إلى الله تضرعاً
الذنب نحن من ارتكبناه حين تركنا أنفسنا هائمة على وجوهها في همهمات الحياة باتت تتقاذفها الدنيا وتهوى بها في مكان سحيق كنا وما زال في أيدينا اعادتها سيرتها الأولي ولكن العجز لا زال يقيد أجسادنا بسلاسل من حديد بأيدينا أن نبقي هكذا وبأيدينا تغيير أنفسنا ليتغير العالم
قال الله تعالى في كتابه “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”
عزيمتنا قادرة على فعل كل الأفاعيل لا شيء في هذا الكون يسمي العجز إذا امتلكنا إرادتنا
أتدرون ماذا نحتاج؟
نحن نحتاج إلى انتفاضة نعم انتفاضة قوية على أنفسنا وعلي العالم نحتاج إلى لملمة شتاتنا والسيطرة على أفكارنا المبعثرة بل نحتاج إلى تغيير جذري في أفكارنا التي أصابها العفن بفعل عوامل الزمن هي قيامة واحدة بشجاعة ستغير من كل هذا الذي أصابنا
حتماً ستغير علينا الوقوف قليلا امام المرآة والنظر إلى أنفسنا والقول لها بأننا قادرين على التغيير قادرين على مواجهة الصراعات والتحديات نقول لها بأننا قادرين على فعل المستحيل من أجل أنفسنا فقط وعلينا البدء في ترتيب أفكارنا وأهدافنا والسعي إليها بكل ما أوتينا من قوة ولا نعطي فرصة للحياة بأن تذيقنا مرارة اليأس
لماذا اليأس عند كل عثرة والحزن عند كل سقطة والبكاء عند كل مشكلة
ابحث كما شئت عن طريق ممهد فلن تجد نحن من نمهد لأنفسنا الطريق سقطنا؟
لا مانع من هذا إذا كنا سنقف ثانية بكل القوة عند السقوط لا يوجد أمامنا سوي ثلاثة خيارات لا رابع لهما إما أن نظل في مكاننا دون حراك فنكون محبطين أو محبطين في آن واحد أن نعتمد على غيرنا في النهوض فنصبح مستغلين لجهود غيرنا والاعتماد عليهم للوصول إلى ما نرغب أو أن نعتمد على أنفسنا دون الحاجة لأحد فحين نصل سنشعر بنشوة النصر وتحقيق ذاتنا بأنفسنا
هناك أمل وهناك قمة تحتاج إلى عمل عندما نجد أنفسنا تضيق علينا الأرض بما رحبت وعندما نجد أن أحلامنا تتأخر وتزداد عثراتنا فعلينا إذاً اللجوء إلى الله تضرعاً علينا الصمود لرب العباد ندعوه بقلب خاشع ونحن موقنون بالإجابة بأن يعيننا على طريق الحياة ويحقق لنا ما نريد وأن يزيدنا صبراً وقوة على مواجهة العثرات
فنحن بحاجة إلى أن يقف معنا رب هذا الكون فهو أعلم بنا منا يعلم ما يسرنا وما يضرنا نحن بحاجة إلى هذا التواصل الروحي بيننا وبين خالقنا ليبث فينا الطمأنينة ويعود إلينا النشاط والهمة والطاقة من جديد
إننا في ظل ما نراه ونلمسه من خلال تعاملنا مع بعض الناس من حولنا سنجد أن هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن الساعة قد اقتربت وأن إشاراتها قد انجلت وانكشفت وأن الدعوة إلى الجلوس في منازلنا هي أفضل وسيلة لنبعد أنفسنا عما حاق بالحياة من عتمة وانطفاء للإيمان الذي هدانا الله إليه وقربه منا وأنعم به علينا فلقد اتجه الكثير من الناس إلى الماديات وتجاهلوا روحانيات الدين بما فيها من حب وسكينة وراحة واطمئنان إنهم يهرولون وراء المصالح الفانية ويتجاهلون ما أمرنا الله به من التمسك بالحق والتسامح ونبذ كل ما من شأنه أن يعكر صفو الحياة
إننا نعيش زمن ضياع الأمانة ما أدخل إلى القلوب الوجل والخوف وعدم الأمان
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة
قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»
ندعو الله بالهداية لكل من ضلّ عن طريق الحق وأن ينعم الله علينا بالراحة والطمأنينة
والسلام
التعليقات مغلقة.