مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور آبو الخير يكتب : على حافة الهاوية

 

قد يهمك ايضاً:

إلاّ وطني – فلسطين عيني ولبنان عيني الأُخرى

ما وراء الذكاء الصناعي

هناك من تدفع بهم أقدارهم الشخصية إلى العيش بالمعنى المجازي على كتف جرف سحيق يقيمون على تخومٍ قصية من الأرض المتاحة لهم بعد ويصرفون بقية أعمارهم على حد حافة الانهدام على بعد خطوة واحدة إن لم نقل على مسافة رمشة عين من وهدة الوقوع في القعر المميت
وهناك من تستهويهم روح المغامرة ويستطيبون لذة المجازفات القاتلة فيمضون بملء إراداتهم إلى تلك الحافة الجرفية على حدها يغدون ويؤوبون برشاقة تخلع قلوب الناظرين إليهم من بعيد فيما هم يراوغون لعبة الحياة والموت ببراعة ولا يتوقفون لحظة لالتقاط الأنفاس
وبين هذين المشهدين المتماثلين في الشكل والمختلفين في الجوهر تجري حياة الناس من حولنا وتتوزع تموضعاتهم بين هاتين الحافتين المتقابلتين
هنا مقامرون تستهويهم المجازفات المميتة وهنالك مغلوبون على أمرهم انهدمت من تحت أقدامهم الأرض فلم يعد لديهم ترف الاختيار
وبين هؤلاء وأولئك توجد أكثرية كاثرة بيننا لديها هامش ضئيل للمناورة وحرية نسبية للمفاضلة بين الممكنات الضئيلة المتاحة، وهي بطبعها أكثرية تؤثر السلامة وتتحوط سلفاً ضد الأخطار المحتملة فلا تستطيب العيش إلا في مراح آمن يبعدها بعض الشيء عن كل انجرافات أرضية مفاجئة
وأحسب أن كثيرين ممن تمكنوا بفعل ظروف ذاتية وموضوعية من التموضع على مسافة آمنة من شفير الحافة معرضون في أي لحظة للانجراف تدريجياً باتجاه آخر الأرض أو قل آخر مكان متاح لهم من الأرض ومن ثم الانتقال جبراً إلى التخوم النائية وتزجية بقية الوقت والعمر على مرمى زلة قدم واحدة من قنطرة الهلاك المحقق
وبالنتيجة العملية نحن جميعاً نحيا على الحافة بعضنا على مسافة متر أو أكثر بقليل وبعضنا الآخر على بعد أقل من ذلك بكثير نتدبر أمورنا ونتكيف مع الأخطار الماثلة أمام أعيننا ونواصل لعبة الحياة بقدرية مفرطة وكأن الواحد منا بطل صغير في تراجيديا يونانية يذهب فيها إلى حتفه بعينين مفتوحتين غير أننا متفاوتون بالضرورة الموضوعية في القدرة على الاختيار بتفاوت القدرات الذاتية لكل امرئ منا ناهيك عن اختلاف الفرص وتباين الحظوظ ما يخلق كل هذا التنوع وكل هذا التفاوت بين المصائر والنهايات والقصص المختلفة باختلاف الموروثات والمكتسبات والبصائر بين الناس
وإذا انتقلنا من عالم التجريد والمطلقات إلى الواقع المعاش واسترجعنا بعضاً من فصول الحياة الشخصية أو أمعنا النظر في مجريات أيام من نعرفهم في المحيط الاجتماعي المجاور سنرى رؤية العين المجردة أن الغالبية منا تعيش على مقربة من حافة الهاوية من دون أن تدري أنها عرضة لمخاطر الانزلاق عنها بين عشية وضحاها
وبالخبرات الشخصية المكتسبة يعرف كل واحد منا أناساً كانوا أصحاب شأن وذوي مال وجاه ونفوذ انقلبت عليهم الدنيا وأدارت لهم ظهر المجن فدفعوا دفعاً إلى حافة الهاوية لا يلوون إلا على خيبات الأمل والمرارات فيقعدون مدحورين غير قادرين على التكيف مع المتغيرات ويخفقون حتى في مواصلة العيش بتماسك كبقية الناس رقيقي الحال
وليس من شك في أن هذه التجارب التي مرت بها شعوب أكثر تقدماً منا على سلم التطور الحضاري هي التي أملت عليها إبداع تأمين التقاعد وتعويضات البطالة وغيرها من التأمينات الاجتماعية والتقديمات التي تكفلت وحدها بتوسيع هامش الأمان وإبعاد حافة الهاوية عن مصائر الأفراد والجماعات المستقرة تحت مظلة واسعة من نظم الحماية والتكافل والضمان
ولعل السؤال هو إذا كانت المصائر الفردية عرضة للانجراف نحو حافة الهاوية
فماذا عن مصائر الدول والحكومات التي نرى بعضا منها قد بلغ الحافة وانزلق عنها فيما بعضها الآخر يكابر وكأن لديه هامش أمان بعد لم يستنفده منذ وقت طويل مع أنه قاب قوسين أو أدنى من لحظة السقوط

التعليقات مغلقة.