الم تعد الحياة تدهشني فمتى تفرغ جعبتها من المفاجآت؟ قد يشعر البعض بالراحة لو يصبح المستقبل متوقعاً ومعروفا ولكن أجزم أنه لن يكون مقبولاً بمرارته وفرحه
أحيانا يكون نبض قلوبنا يحاكي نبض الحياة المتسارع وغالبا تتباطأ مشاعرنا وتتأخر أحاسيسنا خلفها حتى تنقطع أنفسنا من اللهث ورائها محاولين عبور تلك الجسور القصيرة من أقصى محطات الحزن إلى أقصى محطات السعادة ونجتهد في أن نصالح الزمن ونعاكس كل التيارات الجارفة لنا
تساؤل هل أحلامنا نحميها ولا ندع أحداً على الإطلاق يحبطنا أو يقلل معنوياتنا بإخبارنا بأنه لا يمكن فعل شيء ما فعلا إذا أردنا شيئاً فلننهض ونحميه
فنحن نواجه الأحداث الروتينية ونصارع تلك الرتابة ربما نجد الحياة هي الميناء وهي السفينة وأحيانا هي البحر وهي الغرق مليئة بالخفايا قدر المكشوف ومكشوفة الزوايا قدر المخفي فيها من المألوف مثل المستغرب وبها من الغريب مثل المعروف وفيها من الوضوح قدر الغموض ومن الغموض قدر الوضوح هي أقرب للتناقض وأدنى من التآلف تلك الحياة التي نعرف أننا لا نعرفها وندرك أن الله وحده عز وجل خالقها هو من يدركها
من الحقائق الثابتة أن الحياة ليست لطيفة
ولا رقيقة على الدوام كما أنها لا تعاملنا كزبائن محل تجاري يجب إرضاؤهم جميعاً
بل إن قسوتها محتملة في أي وقت حتى وإن كانت تقدم لنا بعض الترضيات بين وقتٍ وآخر لذا عليكَ بالصبر والقناعة وعدم اليأس والوقوف في وجه الفساد والفاسدين وهذا يتطلب صبراً وإيماناً بالطبع فقد يكون المفتاح الأنسب هو الأخير في سلسلة المفاتيح وكثيراً ما تأتي الفرص عندما نتوقف عن طلبها وانتظارها هكذا هي الحياة تعطينا ما نريد حين نيأس منه وكأنها تريد أن تعلمنا أن أجمل أنواع السعادة هي تلك التي تأتي على غير انتظارٍ أو توقع
في الواقع الحياة الحقيقية لا شبه أياً من ذلك فالجريمة قد تفيد واللص في كثير من الأحيان يظل طليقاً إلى أن يموت والقتلة في الغالب ينجون بفعلتهم دون عقاب الحياة في المجمل ليست عادلة ولا يفترض بها أن تكون عادلة فهي اختبار مليء بكم هائل من التناقضات والأسئلة التي لن تتسع أعمارنا الصغيرة بما يكفي لنحصل لها على إجابات شافية ومريحة وكل محاولة منا لفهمها أو فك طلاسمها ستكون عبثية ولا طائل منها فالبعض يحاول جاهداً إعطاء ثقة زائفة لمنظومة العدالة البشرية التي لدينا هنا مع علمه اليقيني أنها معطوبة بافتراض ساذج أن ربط الجريمة بالعقوبةولو على سبيل المجاز المحض والكذب المنمق كفيل بإبعاد الناس عنها والحياة على حقيقتها خالية تماماً من أي وضوح أو شفافية وإنما مجرد طرق ضبابية موحشة لا نرى لها نهاية صراعات وتقلبات تفشل أمامها معظم محاولات البشرية لإرساء نظم عدالة وقيم حقيقية قابلة للتطبيق على الجميع، وأشدد على الجميع هذه لأن الاستثناءات دائماً ما كانت تتقافز لتثقب ميزان العدالة الإنسانية لذا لا تصدقوا الكلمات من قبيل لكل مجتهد نصيب وسيفوز من يستحق وغيرها من ترهات التنمية البشرية التي تسوق لكم صورة خيالية معكوسة الجوانب عن الحياة لن تلبث كثيراً حتى تتكسر على رؤوسكم إن صدقتموها وآمنتم بها
فهتلر مثلاً الذي أزهق أرواح الملايين بأبشع الطرق مات ميتة سهلة نسبياً بالمقارنة مع ضحاياه بسم تجرعه أو ربما برصاصة اخترقت دماغه دون حتى أن يشعر بها تشرشل مجرم الحرب العالمية يملك اليوم تمثالاً مهيباً يقف شامخا منتصباً في أحد شوارع لندن مخلداً لذكراه بينما ضحاياه نسيهم التاريخ وابتلعتهم الجغرافيا
وكذلك جورج بوش الابن الذي قتل الملايين في العراق وأفغانستان يعيش ما تبقى من حياته الآن بمرح بين أحفاده في ضواحي نيويورك.
ولا داعي لأن أذكر لكم الملايين من الهنود الحمر الذين اختفوا من على سطح البسيطة دون أن يشعر بهم أحد! وأولئك الآلاف في دارفور والصومال وإفريقيا الوسطى الذين أحرقتهم الحرب بنيرانها دون أن يبكيهم أحد أي أحد! وآخرين كثر لم أسمع بهم ولم تسمع بهم عزيزي القارئ ولن يكتب عنهم أحد غادروا الحياة هكذا مجهولين كأضرار جانبية لجبروت أحدهم وأهوائه الشخصية
البعض يحاول جاهداً إعطاء ثقة زائفة لمنظومة العدالة البشرية التي لدينا هنا مع علمه اليقيني أنها معطوبة بافتراض ساذج أن ربط الجريمة بالعقوبة ولو على سبيل المجاز المحض والكذب المنمق كفيل بإبعاد الناس عنها، محاولاً بطريقة بهلوانية تسويق الخير بلوازمه فقط وليس باعتباره غايةً في ذاته أولاً ومتجاهلاً الصدمة التي ستحدث لا محالة والردة التي ستتبعها حال عدم تحقق هذه العدالة المجازية
على أي حال فإن الإصرار الطفولي على مواجهة الحياة بافتراضات رومانسية وتوقع أن تقابلنا بالمثل لن ينتهي على خير، هكذا افتراض سيقودنا في الغالب إلى السقوط في بئر لا نهاية لها من الخذلان بطريقة ما -وبرغم كل هذا- ما زلنا نؤمن أن العدالة المطلقة موجودة لكننا بسذاجة نفترض وجودها في المكان الخطأ فهذا العالم ليس مؤهلاً بما يكفي لإنجازها ربما لهذا السبب بالذات توجد حياة أخرى وعالم آخر بقوانين مختلفة أعدت خصيصاً لهذا الغرض الحياة اختبار يجب أن نتعامل فيه مع الآخرين بعدالة لكن لا يجب أن نتوقع أن نُعامل فيه بعدالة فالحياة ليست عادلة أما الله فعادل وعدالته مطلقة ولأجل تلك العدالة خصص لها يوم طويل يسمى القيامة
هل من الصحيح في هذه الحياة علينا إثبات أي شيء لأي شخص أم نقنع انفسنا بقدراتنا
إذا كنا نريد أن نعيش فعلينا بالاكتشاف وعدم الاكتراث بالخطر فالمختبئ خلف الجدران لن يظهر لنا دون أن نبحث عنه
فكم من البشر يعيش بلا حياة حقيقية وكم من الناس من يحيا بلا عيشة ومع ذلك الكل يظن أن الحياة هي مساحته وحده منذ الأزل والإنسان بحث عن حياة وهناك من بحثت عنه الحياة فمنهم من وجد حياة ولم يهنأ ومنهم من وجد الحياة الرغيدة وهنأ بها من لم يربط الإيمان بقلبه فقد انصرفت عنه الحياة الرغيدة إلى حياة غير معرفّة محاطة بالتوتر والاهتزاز النفسي
مشكلتنا أننا دوما ما نحرص ونهتم بما نبحث عنه ولا نلتفت لمن يبحث عنا ونريد ما لدى الآخر مع أن الآخر يريد ما لدينا مشكلتنا أننا لا نرى الحياة وهي تسع الناس كلهم بجميع مافيها
ما ذنب الحياة في مشاكلنا وتعبنا وما حجمها في أرواحنا لنلقي اللوم عليها وهي كما خلقها الله عز وجل لا تسوى عند الله جناح بعوضة ونحن ندرك أن الحياة الأخرة هي مبتغى كل عاقل
ما يجب أن نتفق عليه هو أن هؤلاء في نهاية المطاف مجرد بشر وكلنا يمكن أن نقول ونكتب أمورا قد لا تكون صحيحة
الحياة عادلة وما يحصل لنا هو ما نستحقه فعلا إما أن يكون نتاج قراراتنا أو تفكيرنا أو نتاج أخطاء ارتكبناها أو حتى اختبارا لنا والفشل الحقيقي هو التوقف واتهام الدهر أو الحياة بالظلم وأننا نتعرض لمؤامرة إنسانية اخلاقية اما لمؤامرة كونية
التعليقات مغلقة.